الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

بين الحاجة إلى الاستثمار في إيران وامتثال المصارف للمعايير الدولية

المصدر: "النهار"
بول مرقـص-محام
بين الحاجة إلى الاستثمار في إيران وامتثال المصارف للمعايير الدولية
بين الحاجة إلى الاستثمار في إيران وامتثال المصارف للمعايير الدولية
A+ A-

لا يزال لبنان صامداً منذ سنين طويلة رغم التحديات السياسية والاقتصادية. يُفاقم ذلك تدفّق اللاجئين السوريين إليه منذ اندلاع الأزمة السورية، ليربو عددهم إلى مليون وخمسماية ألف نسمة، أي ما يفوق ثلث عدد اللبنانيين المقيمين، أو حتّى نصفهم إذا أضفنا إليهم اللاجئين الفلسطينيين، مقابل دعم محدود وخجول دولياً (والسوريون من مجموع السجناء في لبنان يشكلون نحو 25% و75% ومن مجموع الأطفال المتسولين، إضافة إلى 86،000 ولادة حتى اليوم).


يصعب أن تعصف أزمات مماثلة بالاقتصاد دون أن تقضي عليه، حيث إن الاقتصاد يرتبط عادةً بالوضعين السياسي والأمني وبالتطورات الاقليمية. وقد صمد الاقتصاد اللبناني تحت الحروب، بينما دمّرت الحرب في سوريا الاقتصاد على نحو شبه كامل، إذ تخطّى معدل التضخّم فيها 422 % مع نهاية عام 2015 مقارنة مع اندلاع الأحداث عشيّة عام 2010، كما تراجع ناتجها المحلي نحو الثلث خلال الأعوام الثلاثة الماضية فقط.
لكن ذلك لا يعني أن الاقتصاد اللبناني عصيّ عن التهديدات البنيوية، وأبرزها دين عامّ يقارب راهناً 73 مليار دولار أميركي مع زيادة بنسبة تقارب 7٪ عن الفترة عينها من سنة 2014، مما أثر على العجز العام الذي ارتفع بدوره من6.2 % في عام 2014 إلى 8.6 % عام 2015 .
على صعيد التجارة الخارجية، واذا ما قارنا النصفين الأوّلين من عامي 2014 و2015، نجد أن الصادرات انخفضت بنسبة 8 % في النصف الأول من عام 2015 متأثرة بالاقفال الكبير للحدود (معبر نصيب الحدودي) بسبب الحرب في سوريا والتكلفة العالية للتصدير. كذلك الواردات شهدت تراجعا للأسباب عينها بنسبة 18.5 %. وكان لقطاع الصناعة حصته من المعاناة في سنة 2015 إذ سجل أداءً باهتاً بسبب التأثر بالأوضاع الصعبة المحيطة، ففي الاشهر الخمسة الأولى من العام 2015 ومقارنة بالفترة ذاتها من عام 2014، شهد الأداء الخارجي للقطاع الصناعي تراجعًا بنسبة 9 % فيما تراجعت الواردات الصناعية بنسبة 19 %. وبالنسبة للاستثمارات، فقد تأثر لبنان على نحو كبير لا سيما مع تكدّس النفايات في الشوارع، فتراجعت حركة الرساميل والاستثمارات الوافدة بنسبة 1.9 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من العام 2015، مقابل 2.4 ملياري دولار في العام 2014، ممّا وضع لبنان في المرتبة 113 من أصل 134 دولة في معدّل الاستثمار.
وتسود هواجس من زيادة الفوائد على القطاعين الخاص والعام، بعد ان خفضت وكالة "ستاندر أند بورز" للتصنيف الائتماني، النظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني السيادي للبنان من مستقرّ الى سلبي، وذلك لشكوك الوكالة بقدرة الدولة اللبنانية على تسديد ديونها المتراكمة، ما أثّر سلباً على التصنيف الائتماني لأهمّ المصارف الدائنة للدولة وهذا بحدّ ذاته يشكل تهديداًلأهم القطاعات الاقتصادية مع تراجع التسليفات المصرفية خلال العام 2015 نحو 23 %، مما يعني تراجعاً في النشاطات وطلب القروض، نتيجة تراجع قدرة القطاعات التجارية والفردية على الايفاء، وتالياً عدم القدرة على الاستثمارات والتوظيفات المقبولة. أما في قطاع الخدمات الأكثر تمويلاً للاقتصاد اللبناني فلم يكن وضع السياحة أفضل اذ تراجعت حجوزات الفنادق راهناً بنسبة 13% عما كانت عليه في العام الماضي. وقد تراجعت مساهمة القطاع العقاري وقطاع البناء اللذين كانا يشكّلان نسبة 20 % من الناتج المحلي الإجمالي، نحو 17 % في عام 2015.


إنعاش اللبنانيين اقتصادهم من الخارج
بما أن معظم المؤشرات الأساسية الى تراجع، لا بد من التساؤل عن مصير الشباب اللبناني وحركتهم: هل ندفعهم إلى مزيد من التخصّص في المحاماة (التي أضحت متخمة بما يزيد عن عشرة آلاف محامٍ) أو نضيفهم إلى الـ 2000 من أصل الـ 7500 صيدلي العاطلين عن العمل؟ أو نجعل منهم أطباء يضافون إلى أكثر من 350 طبيبًا يتخرّجون سنوياً، الأمر الذي قارب مجموع عدد الأطباء 14000، بمعدّل طبيب لكل 350 مواطنًا لبنانيًّا، بينما المعدّل في فرنسا مثلاً هو طبيب لكل 1500 مواطن فرنسي، والمعيار العالمي طبيب لكل 1200 مواطن. هل ندفعهم إلى مزيد من البطالةعام 2016؟ أم نحثّهم على مهن تستوعبهم كالممرّضين، إذ يحتاج لبنان 25 ألف ممرّض (فقط نحو6 آلاف منها مؤمّن)، أو نؤهّلهم لاختصاصات تكنولوجية حيث يمكنهم تأسيس شركات بمجرد وجودهم على الكومبيوتر فتتحوّل هذه الشركات إلى شركات عالمية بمجرّد تأسيسها دون قيود تقليدية؟ ما هو دور لبنان مستقبلاً، لبنان الذي كان مستشفى الشرق الاوسط ولم يعد كذلك بالضرورة، مع افتتاح مستشفيات إقليمية تقارب كبريات المستشفيات اللبنانية، ومع تراجع دوره السياحي لصالح تكدس النفايات وعدم الاستقرار الأمني والسياسي وتحجيم دوره التعليمي مع افتتاح فروع للجامعات الأميركية واليسوعية في الخليج وتوزيع رخص جديدة على جامعات غير مطابقة للحد الأدنى للمواصفات الأكاديمية في لبنان، اضافة الى تثقيل التصنيف الإئتماني للبنان وتقليص حدود السرّية المصرفية وانفتاح الأسواق العربية.
فماذا بقي للبنان إذاً من دور يلعبه مع طالع الأيام في منطقة تشتدّ فيها حدّة بعض المؤشرات الاجتماعية لا سيما الهجرة والفقر والبطالة، وتسودها التغييرات على الحدود في الهوية والمعالم الوطنية؟
النتائج الاقتصادية وبالرغم من كل المؤشرات السلبية المذكورة أعلاه، يمكن أن تنقلب رأسًا على عقب، ليس بسحر ساحر، إنما بحركة اللبنانيين إلى الخارج وتمويل المصارف لهذه الحركة. لماذا؟
#سوريا على طريق الحلّ السياسي. وإن لم يكن الحلّ هذا قريب المدى إلا أن القطاع الخاص مطالب بالتخطيط لاجتراح دور للبنان في إعادة الإعمار في سوريا التي تفتح آفاقاً إعمارية واستثمارية إجمالية تتراوح بين 500 إلى 700 مليار دولار.


دور المصارف اللبنانية في #إيران
سوق آخر تسنح فيه فرص استثمارية كبيرة للّبنانيين: فبعد رفع العقوبات الدولية رسمياً عن إيران (باستثناء ما يتّصل بدعم "الارهاب" و"انتهاك" حقوق الانسان) وبعد أن كان الايرانيون قد أعربوا عن حاجاتهم إلى الخبرة اللبنانية في الإدارة والتسويق، مع زيارة وفد رجال الأعمال اللبنانين إليهم بنهاية العام 2015، ومع زيارة وفد وزارة الاقتصاد لها في بداية العام 2016، أصبح بإمكان اللبنانيين اليوم الاستفادة من الأسواق الناشئة والخبرات الايرانية في مجال الطاقة والزراعة واستخدام التكنولوجيا. إيران وقّعت عقوداً مع فرنسا وإيطاليا -رغم فتور العلاقات تاريخياً- قاربت 35 مليار دولار. والمصارف الإيرانية عانت الحصار مدى سنين عجاف طويلة، وهي تالياً بحاجة إلى خبرات المصارف اللبنانية. فهل بوسع هذه الأخيرة التعاون من منظور الامتثال القانوني؟


لا عوائق قانونية أمام المصارف اللبنانية ولا حاجة لتشريعات جديدة، إنما لدراسة جادة للمصارف اللبنانية لإمكانات التمويل والتحويلات المصرفية دون إقلاق المصارف الأميركية والغربية المراسلة لهذه المصارف. ذلك أن تعليمات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية لا زالت تنصّ على استمرار المؤسسات المالية الأجنبية في عدم التعامل بعمليات متعلّقة بإيران بالدولار الأميركي عبر المؤسسات المالية الأميركية، على اعتبار أن الأشخاص الأميركيين لا يزالون ممنوعين من تصدير السلع والخدمات أو التكنولوجيا إلى إيران مباشرةً أو غير مباشرةً، بما في ذلك الخدمات المالية بالدولار الأميركي أو حتى بسواه من العملات، باستثناء العمليات المعفاة أو المرخّصة.


هذا على الصعيد المصرفي والقانوني. وعلى الصعيد الاقتصادي الأعمّ، تبقى الحاجة لانتخاب رئيس للبنان يرأس الوفد الاقتصادي إلى بلاد الفرس... على غِرار الرئيس الصيني الذي وقّع خلال زيارته منذ أسابيع قليلة شراكة مع إيران لخمسة وعشرين سنة، من شأنها أن تسهم في إنقاذ اقتصاده الرازح تحت عبء ديون كبيرة، أو #فرنسا التي ذهبت إلى استثمارات عملاقة في إيران. ليست مديونية لبنان أكثر عبئاً من مديونية الصين أو السعودية نفسها الرازحة هي الأخرى تحت دين عملاق يزيد من أعبائه تراجع سعر النفط وكلفة التدخّل في اليمن. لا مكان لمقارنة اقتصاديات هذين البلدين باقتصاد #لبنان. وليس المقصود منافسته لأيّ منهما. بل الإفادة من فرص الاستثمار المتاحة في إيران على نحو ما تذهب إليه الصين. فلبنان جغرافياً وثقافياً أقرب إلى إيران (وسوريا)، وطاقاته البشرية لا تقلّ شأناً ومصارفه متفوّقة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم