الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عن الحب والحلم بمصر في الزنزانة...

المصدر: "النهار"
سوسن أبوظهر
عن الحب والحلم بمصر في الزنزانة...
عن الحب والحلم بمصر في الزنزانة...
A+ A-

لا نقصد فيلم "حب في الزنزانة" الذي اضطلع عادل إمام وسعاد حسني بدوري البطولة فيه. صحيح أنه يروي قصة حب غير معتادة تنمو وتتوطد خلف القضبان، لكنه كذلك يدين فساد رجال الأعمال وتحكمهم بقوت المصريين وكرامتهم. تلك القصة المُنتجة عام 1983 لم تتوقف يوماً، وإن تغيرت العهود. إذ يبدو أن السجون صارت المكان الطبيعي للناشطين المطالبين بـ"عيش، حرية، كرامة اجتماعية"، والبراءة والأحكام المخففة الرمزية من نصيب رجال الأعمال والنفوذ.
لم يمر عيد الحب مرور الكرام بين آية حجازي وزوجها محمد حسنين، إذ انشغلت المواقع المصرية برواية قصتهما والتذكير بمعاناتهما، وكذلك فعلت صحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية.
خلف القضبان، الأحد، في محكمة عابدين، حمل حسنين باقة من الورود الحمر لزوجته بعد أشهر طويلة من فصلهما، كل في زنزانة.
حجازي (29 سنة) شابة طموحة، من "ذنوبها" أنها ورثت الجنسية الأميركية إلى المصرية من والديها، وحملُها إجازة جامعية أميركية في فض النزاعات. وفي يوم زفافها، أنفقت وعريسها مدخراتهما على إنشاء جمعيتهما "بلادي... جزيرة الإنسانية" لإعادة تأهيل أطفال الشوارع، وحضا الأصدقاء والأقارب على التبرع لها بدلاً من تقديم الهدايا التقليدية. كان الهدف إنقاذ هؤلاء الأولاد وتعليمهم وتأهيلهم نفسياً من آثار الإدمان الإدمان والتحرش الجنسي الذي يواجهونه في الشوارع وإقامة دار لإيوائهم، وفيها يتعلمون الموسيقى ويرفهون عن أنفسهم.
في 1 أيار 2014، اقتحم رجال أمن من دون مذكرة توقيف مقر المنظمة في ميدان التحرير. اتُهم الزوجان بـ"ارتكاب جرائم تشكيل وإدارة عصابة متخصصة في الاتجار بالبشر، والاستغلال الجنسي للأطفال لجمع تبرعات مالية"، و"إرغام الأولاد على التظاهر وتدريبهم على قتال قوات الجيش والشرطة وإعداد تنظيم سري من أولاد الشوارع لقلب نظام الحكم". لكن هل الحكم بهذه الهشاشة حتى يقلبه "أولاد الشوارع"؟
ومنذ ذلك الحين، أمضى الزوجان، وقد وصفتهما "الواشنطن بوست" بالثناني السجين الأشهر في الشرق الأوسط، 22 شهراً من الاحتجاز قبل المحاكمة. واعتبرت 25 منظمة مدنية مصرية ذلك دليلاً إضافياً على "القمع المتزايد للعمل التطوعي وسحق مبادرات الشباب والمجتمع المدني"، خصوصاً أن "بلادي" مرخصة وخاضعة لرقابة الشؤون الاجتماعية لرعاية أطفال الشوارع.
ونقل الناشط وائل غنيم الذي كان من وجوه ثورة "25 يناير" عن حجازي قولها :"لا تتركونا هنا في السجن وتنسونا. لا تجعلونا نفقد الأمل في العدل والإنسانية"، ذلك أن الثورة إياها كانت ألهمت الشابة بالعودة إلى بلادها الأم لبناء مجتمع أفضل. ويروي أن أحد الأولاد الذين كانوا يقصدون الدار أوقف في ميدان التحرير في تظاهرة. وبعد تعذيب وحشي، اعترف بما أُمر به، إن حجازي وحسين يحرضان من هم مثله على المشاركة في تظاهرات حركتي "6 أبريل" و"الإخوان المسلمين"... أليس بيت القصيد هنا، اتهام كل ناشط ومعارض بأنه من أنصار "الإخوان"، ولو كان شديد البُعد الفكري عنهم؟ ولماذا لا تزال الاتهامات مُسلطة على الزوجين وستة من معاونيهما على الرغم أن فحوص الأطباء الجنائيين الحكوميين أثبتت عدم تعرض الأولاد لانتهاك جنسي أثناء وجودهم في الدار؟
وامتلأت الصحف الحكومية باتهامات لحجازي بأنها عميلة استخباراتية أميركية، مع أنها لم تستعن بأي وكيل أميركي أرسلته إليها سفارة واشنطن في القاهرة.
وراء القبضان، وبينما تواجه قضيتها إرجاء تلو الآخر، تجهد آية لتنفض عنها اليأس والاستسلام، فتعمل على محو أمية السجينات وتُدون قصصهن لتساعدهن حين تستعيد حريتها يوماً. وهي تتبادل الرسائل مع زوجها أسبوعياً من طريق والدتيهما، رسائل حب لا تعتبرها "وسيلة مواساة لزوجين فرقتهما الزنانين"، كما كتبت مرة، فـ"كل ذلك لا يهم لأنك حبيبي دائماً في كل وقت ومكان". ويروي باسل، شقيق آية، أن محمد صار يعمل في السجن ليتمكن من شراء هدايا صغيرة لزوجته، وهذه المرة الأولى يُحضر إليها وروداً.
ويحدو الأمل المؤمنين مثل الزوجين بأن "مصر البهية" تستحق التضحية في سبيلها، في أن تكون نهاية مسلسل سجنهما عادلة وسعيدة، وهذه نهاية لم تتحقق، يا للأسف، في فيلم عادل إمام وسعاد حسني.


[email protected] 
Twitter : @SawssanAbouZahr

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم