الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

اتفاق "معراب" وتداعياته السياسية مسيحياً ولبنانياً

موريس نهرا
A+ A-


في ظل الازمات المستفحلة على صعيد عمل السلطة ودور الدولة، وعلى الصعد الاقتصادية والاجتماعية، اتى لقاء "معراب" الذي تجلى فيه الاتفاق بين العماد عون والدكتور جعجع، وتبنّي الاخير ترشيح عون لرئاسة الجمهورية، ليشكّل حدثاً بارزاً في الحياة السياسية على المستويين المسيحي واللبناني، ويحدث ارباكاً واهتزازاً داخل الاصطفافين السياسيين 14 و8 آذار، خصوصاً بعدما رشّح سعد الحريري سليمان فرنجية.
ومع أنّ عنوان هذا اللقاء هو انتخاب عون للرئاسة، وهذا الامر لم يتضح متى، فإنه يحمل في طياته ما هو أبعد من ذلك، ويرتبط بصورة وثيقة بجوهر الازمات التي تعيشها البلاد، والتي لم تنشأ من الفراغ الرئاسي، بل قبله وبعده ايضاً، لأنها أزمة بنيوية تنبثق من طبيعة نظام المحاصصات الطائفية والمذهبية وما ينتجه من تناقضات وانقسامات وخلل في التوازنات وشلل حتى في تسيير آليات السلطة.
وانطلاقاً من ذلك يمكن النظر الى هذا التفاهم أو التحالف وأبعاده السياسية وتحديد الموقف حياله، وخصوصاً في بعده الطائفي. فإذا كانت غايته التماثل مع الطوائف الاخرى وشدّ عصب المسيحيين، فإنه لا يغيّر شيئاً في الازمات، وهو موضوعياً يستثير العصبيات الاخرى، ولا يصل بلبنان والشعب الى برّ الامان... فقد اظهرت التجربة أنّ تعديل التوازنات والحصص بين الطوائف وزعاماتها لم يُشكّل مخرجاً او عاملاً حقيقياً في بناء الوطن والدولة الديموقراطية المتماسكة ولتوفير الاستقرار الثابت. وهو يبقي الصراع مفتوحاً للانتقال من تعديل الى آخر، مترافقاً بتوترات وهزّات إن لم نقل اضطرابات، ربطاً بالتغيّرات الديموغرافية، وتبعاً للصراع الاقليمي وتوازن القوى بين أطرافه. وهذا أمر لا حدود ولا نهاية له، وكلفته باهظة على لبنان واللبنانيين. فقد كشفت الحياة السياسية في لبنان أنّ كل تكتل أو تحرك يتخذ لوناً طائفياً لا يخدم، بل يضرّ بالمصلحة العامة وجماهير الطائفة نفسها. وهذا ما حدث بعد الحلف الماروني الثلاثي عام 1967 على صعيد لبنان ووضع المسيحيين، وما نجم عنه لاحقاً. والواضح من الظروف والمراحل التي مررنا ونمرّ بها، وخصوصاً ما جرى ويجري للمسيحيين، والاقليات الأخرى، وكل مكونات المجتمع في البلدان العربية، أنّ بقاء الأساس الطائفي أو الديني للنظام السياسي يبقي الخطر على وحدة نسيج المجتمع، وعلى الاستقرار والعيش المشترك، ويطال المسيحيين وغيرهم. إنّ التسويات تحت السقف الطائفي نفسه في بلدنا، لا تلغي بذور الحذر والتباعد والانقسام التي تتغذّى من طبيعة نظام التحاصص الطائفي وسلطته، والتي تتيح استخدامها وتأجيجها، وفقاً لحاجات زعامات هذا الطرف أو ذاك، كما حاجات الخارج وصراعاته، ولا سيما أنّ مطامع الدولة الصهيونية في فلسطين، وفي أرضنا ومياهنا، وإقامة دولتها على أساس ديني، مناقض للتعددية في لبنان، إضافة الى المخطط الاميركي الرامي الى تفتيت بلدان المنطقة، ولجوئه الى استغلال جذور تناقض يعود الى ماضٍ بعيد بين تيارات مذهبية دينية، ودعم تنظيمات ارهابية لتفجير حروب محلية تخدم هيمنته على المنطقة وضرب المصالح التحررية لشعوبنا العربية ونهب ثرواتها...
لذلك فإن المعيار الأصح للموقف من اتفاق "معراب"، ومن أي تكتل أو دور، لا بد من أن يُنظر اليه من زاوية مدى ملاءمته وخدمته مصالح لبنان الوطن والشعب، ومن ضمنه المسيحيين. فلا مخرج ولا حل لطائفة بذاتها... والسبيل السليم هو استكمال ما بدأه رواد النهضة الاوائل تمسكاً باللغة والانتماء العربيين، والقيام بدور نهضوي طليعي للبناء على ما يجمع اللبنانيين ويوحدهم. والانتماء الى الوطن هو المرتكز الاساسي الصلب لبناء الوطن والدولة الديموقراطية العلمانية المتماسكة والجامعة لكل ابنائها على قاعدة التساوي في الحقوق.
كانت الامتيازات للمسيحيين وباسم الموارنة حتى اتفاق الطائف، ولم يستمر البلد بخير. وتوالى العديد من الرؤساء وبقيت الازمات وتفاقمت. واتت تجربة المناصفة بعد اتفاق الطائف وانتقل الشعور بالغبن والضعف من جهة الى اخرى، ولم تنتهِ حالة الانقسامات والقلق والفتن والاجحاف. وها هي تناقضات سلطة نظام المحاصصة الطائفية تشلّ عمل السلطة ودور الدولة. ويُعتمد مفهوم الفيتوات للطوائف الست تحت عنوان الميثاقية، فتتراكم المشكلات وتتزايد الملفات ويستمر الشلل، ويدفع الشعب والوطن الأثمان. إنّ الحاجة الملحة الى الانقاذ تستدعي اقامة الدولة الديموقراطية العلمانية وضمان الرعاية الاجتماعية. وهذا ما يوفر الاستقرار ويطمئن الجميع، طوائف ومواطنين. وهو السبيل للحلول التي تحتاج اليها بلدان المنطقة ايضاً.


كاتب سياسي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم