السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

بالصور... "الفقر يخجل من قصصه!"

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
بالصور... "الفقر يخجل من قصصه!"
بالصور... "الفقر يخجل من قصصه!"
A+ A-

يتكرّر المشهد مَطلع كل شهر ويجلبُ معه المُغامرات الصغيرة الأقرب إلى هديّة مجانيّة تُحوّل أيام أبناء مدينة طرابلس "رقصة مرئيّة" تنتقل فيها يوميّات أبناء "البَلَد" من الواقع إلى "فضاء" العدسة، وبعدها إلى موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك".
فمنذ أكثر من 6 سنوات تدعو جمعيّة We Love Tripoli الشباب من مُختلف أنحاء المدينة، مرّة في الشهر، ليلتقطوا عشرات الصور لطرابلس التي شبعت من سوء التفاهم المُزمِن الذي يُحاصرها من كل الاتجاهات ويأخذ شكل الأحكام المُسبقة عليها.
يسيرون لأكثر من ساعتين في كل مرّة، وبعد أن يَقع الاختيار على جزء أو آخر من "البلَد". ويمضون الوقت في "أسر" اللحظات التي تشي بقدرة الطرابلسيّ على تحويل التفاصيل الصغيرة قصّة طريفة تُروى.
مُغامرة اليوم ستأخذنا إلى أحياء "ضهر المُهر" التي تسبقها سمعتها السيّئة ولا تُعطيها حقّها، كما سنكتشف بعد وقت قليل. فهذه الأحياء تغرقُ، ومنذ فترة طويلة، في الفقر والإهمال. وطيف المُخدرات يُلاحقها وإن حاولت جاهدة التملّص منه.
ولكن هذه الأخبار السيّئة التي تسبق المُغامرة "المرئيّة" لا تمنع العشرات من اللقاء في ساحة التلّ وتحديداً مُقابل قصر نوفل الثقافيّ.
يمضون دقائق طويلة في الدردشة وتبادل النصائح حول أفضل الطرق لتُصبح الصور الانعكاس الأكبر لواقع يريدونه أقل خيبة ممّا هو عليه.
آلة التصوير تُزيّن العنق وبعضهم لا ينتظر أن يبدأ مشوار اليوم لينطلق في التصوير. المقاهي والمحال التجاريّة المُجاورة تماماً كالحديقة العامة "المُكتظّة" بالزوّار سُرعان ما تُصبح "مادة دسمة" لعشرات الصور التي ستحصد مئات الـ "لايك" في آخر النهار وبعدما "تُعلّق" افتراضيّاً على "حائط" الفايسبوك.
ها قد بدأت نُزهة اليوم وها هو "النقر" على آلة التصوير يُرافق الخطوات. "كليك"، "كليك"، "كليك"... مدينة طرابلس غنيّة بالمَشاهد ويبدو أن الطريق إلى ضهر المُهر جميلة تماماً كالأحياء المُهملة التي نقصدها، وقد سيطر علينا الفضول لنُسلّط الضوء على أسرارها التي يكتنفها الغموض.
المُسنّون مُنهمكون في لعب "الطاولة" في هذا المقهى، وبعضهم يمضي الوقت مع "نَفَس أرجيلة". أمّا هذا البائع المُتجوّل، فيُقدّم الليموناضة الطازجة، وهو مُستعدّ لعصر الليمون أمامنا "هيك تنتأكّد أنّو طازة".
عربته الصغيرة تجذب الكثير من الانتباه. وسُرعان ما يُحاول البعض أن يلتقط لها صورة لا تُعبّر فقط عن بساطة المشهد، بل تعكسُ بطريقة أو بأخرى شخصيّة هذا المُصوّر أو ذاك.
الثياب "المزوزقة" معروضة ليس فقط في واجهات المحال، بل بعضها معروض على مُجسّمات على الأرصفة. "هيك" يتمكّن الزبائن من التأكّد من جودتها. في هذه الزاوية تنتشر عشرات المحال التي "تُعيد صوغ" الأثاث القديم.
الطريق إلى ضهر المُهر لا "تعطينا" لحظة خالية من التصوير. لكل مَشهده الذي "يُشرقط" في مُخيلته ويرى فيه "مشروع صورة". الأسواق القديمة تضع في تصرّفنا عشرات الكماليّات، ومعها "الأكل الطيّب". لحظات وتتحوّل جميعها عشرات صور تُعطي الفكرة الصائبة عن طرابلس، تلك المدينة التي يحلو رواية القصص في أزقّتها المنسيّة.
الأسواق القديمة قائمة في شوارع ضيّقة ومع ذلك هي غنيّة بالقصص. هذا التاجر اختار أن يُعلّق الثياب على الأعمدة الكهربائيّة، وهذا الولد "معجوق" بأكل "الكرواسان" من دون أن يُعير الشوارع القذرة أي انتباه. المياه المُتراكمة من الشتاء تحوّلت عشرات برك صغيرة تعكس الواحدة منها بعض مشاهد مأخوذة من يوميّات الناس... وها هم يركضون لإنجاز أعمالهم.
الخيّاطون يضعون الّلمسات الأخيرة على الملابس، ولكن هذه الصبيّة التي انضمّت إلى المجموعة لتلتقط الصور، "بالها مشغول" بهندسة المباني الرائعة والمُحزنة في إهمالها.
نهر أبو علي الذي فاض عام 1955 وأخذ معه كل شيء غارق في النفايات. ولكن النظر يتجه إلى عشرات المباني القائمة مُقابل النهر التاريخي.
ها قد وصلنا إلى ضهر المُهر... إلى حيث الفقر يخجل من رواياته ومع ذلك سنكتشف الجمال والطيبة وسنُفاجئ بأحياء توحي بالجزر اليونانيّة، وإن كانت تعيش الإهمال والواقع الحزين خبزها اليوميّ.
سلالم طويلة تأخذنا "لفوق" أكثر فأكثر. هؤلاء الناس يعيشون بعيداً وكأنهم منسيّون. لهم أحلامهم وحياتهم التي لا نعرف عنها الكثير. أين هم المعنيّون لا يُعيرونهم الانتباه الذي يليق بهم؟ أين هم المسؤولون لا يُعيدون إحياء هذه الشوارع الرائعة في هندستها، والتي تجعلك تشعر وكأنك في الواقع سافرت إلى أماكن بعيدة ساحرة في هندستها؟
هذه السيّدة تنشر الغسيل أمام الباب، وقد حوّلت زاوية صغيرة "منشرها" بعد تسييجه بحاجز من حديد. أفادت من الشمس الهاربة من العواصف المحتومة.
بعضهم تخطّى الفقر وحوّل جدران المباني والمنازل الصغيرة "كانفا" رسم عليها أحلامه الملوّنة.
القطط تملأ المكان ويبدو أنها "عم تاكل منيح". تضحك سيّدة مسنّة قبل أن تقول، "بيتغذّوا على الجرادين والفيران!".
[email protected]


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم