الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

هل من احترام لأدنى المعايير في اختيار رئيس الجمهورية؟

ريمون عبود
A+ A-


في تأبين العميد ريمون إدّه قال الكاردينال صفير، بطريرك السيادة:"ولكان جلس في دست الرئاسة الأولى لو تزحزح قيد أنملة عن ثوابته، أو ساوم للحظة على مبادئه، أو بدّل للمحة من اقتناعاته". وعند كل استحقاق رئاسي كان يردد: "نريد رئيساً لا يخجل حاضره من ماضيه". لو طبّق هذا القول لتوارى معظم المرشحين. أهدر المتحاورون الوقت بحثاً عن مواصفات الرئيس، هل تطرّقوا إلى المستوى العلمي والثقافي والأخلاقي، أم تكفي صفة المرشّح القوي؟ في تعليق لريمون إده على انتخاب بعض الرؤساء الأقوياء، يقول: "أوصلنا هذا الرئيس ليحكم بزنده فحكم بعقله"، وعن رئيس آخر: "هذا العهد عهد ثلاثة أنصاف: نصف كم، نصف لسان، نصف راس".
قبل وفاته بأشهر قليلة صرّح حميد فرنجية: " لم أنتخب عام 1952 لأن أخي سليمان". ليصار لاحقاً إلى إنتخاب سليمان عام 1970، رغم ماضيه المثقل. حكم بعقلية متحجّرة، بدأ عهده بإدخال غسّان تويني السجن، والتضييق الإقتصادي على جريدة "النهار"، بمنع الإعلانات عنها – إقالة الوزير هنري إده – استبعاد أولاد شقيقه حميد – فرض ابنه طوني وزيراً للهاتف مع ميزانية مرتفعة لوزارته، لينتهي عهده بإنفجار الوضع. بعد تركه الرئاسة، استمر على صداقته مع آل الأسد، لكن ذلك لم يمنعه من اتخاذ مواقف 17 أيار، إلا بعد الحصول على تنازلات من السوريين أقلّها الإنسحاب من منطقة الشمال، سرّب الخبر إلى الإخوان، فانهمرت قذائف القوميين من الكورة على إهدن وجوار قصر فرنجيه.
في مؤتمر لوزان واجه برّي وجنبلاط عندما حاولا منع الرئيس الجميّل من ترؤس جلسة الحوار. بعد فراغ رئاسي طويل، طرح اسم الحفيد سليمان فرنجيه، للتوّ نتذكّر قول العميد: "هيدا الموجود". رغم إلباسه عباءة حافظ الأسد من قبل مصطفى طلاس، وتطاوله على البطريرك صفير، يبقى رجل فروسية وإقدام وتسامح في وقت كانت "الحجة تقرع بالرصاص والكلمة بإخماد الأنفاس"، وما يشفع به صراحته. نستعرض الظروف التي آلت إلى هذا الخيار: يتحمّل المسؤولية الرئيسية ديكا الموارنة عون وجعجع، عام 1989 منعا انتخاب مخايل الضاهر واختارا الفوضى. يحقّ لنا التساؤل: لماذا تم رفض الضاهر والقبول لاحقاً بالياس الهراوي وإميل لحود الذي هلّل له كثر وهم اليوم يحملون رايات السيادة. توافقا على التعطيل وتحاربا لاحقاً، وقّعا "ورقة النيّات" ومجدّدا عادا إلى التعطيل مع استعلاء، فكان الردّ الموجع في انتخابات نقابة المحامين. تدلّلا على الحلفاء، مارسا سياسة الترف والدلع. تمادى عون في التعطيل رافعاً شعار: "أنا أو لا أحد"، مع طروحات شعبوية وتعجيزية، ورغم إدّعائه بقوة التحالف مع "حزب الله" لم يسترجع كما وعد مركز الأمن العام، ولا رئاسة الجامعة، ولا تسوية ابتلاع أملاك البطريركية في لاسا. جعجع انزلق إلى لعبة المزايدات المسيحية، والعودة إلى شعار "الأمر لي". هذا الثائي سيكون أكثر المتضرّرين من وصول فرنجيه، إذ في نهاية المطاف تبقى "القوات" عصبية شمالية محصورة في بشرّي ودير الأحمر. الحركة العونية كما ذكرنا مراراً غير بريئة ولن تدوم طويلاً. نرفض المبادرة المدعومة على ما يبدو من محور سعودي – أميركي – فرنسي – فاتيكاني، ومحور داخلي، برّي – الحريري – جنبلاط، أين البديل؟ لا بديل. أطلق الحريري هذه المبادرة، وعوّدنا على التفرّد بقراراته، وعدم مراعاة حلفائه، تياره تيار سلطة، لا تيار معارضة. شهدنا كيف تصرّف بشكل هستيري مع جمهوره عند اختيار نجيب ميقاتي. تنسيقه مع برّي وجنبلاط يستشفّ منه الحنين إلى زمن الترويكا. الفريق الإسلامي يريد الاحتفاظ، بل الاستئثار بالمكاسب التي نالها زمن الوصاية. تبقى المشكلة المستعصية، قانون الانتخاب، الحريري يصرّ على قانون الستّين، ويرفض النسبية مع وجود السلاح، كذلك جنبلاط الذي يعيش حالة قلق، وهاجسه الدائم الإنتقام لمقتل بشير جنبلاط، ومنع عودة الثنائية إلى الجبل حفاظاً على الإمارة، وبرّي يتربّع هنيئاً على رئاسة المجلس ليدخل إسمه مجموعة "غينيس"، أما "حزب الله"، فعون مرشّحه العلني وهو ملتزم معه أخلاقياً، لكن مرشحه الفعلي سليمان فرنجيه.
في الأشهر المقبلة، إمّا ترتفع حظوظ فرنجيه وينتخب، أو يحرق إسمه، ونبقى لفترة طويلة من دون رئيس، هذا يتوقّف على إيران.
ما يجري من تفتت وانحلال
يؤكد انهيار منظومة "سايكس - بيكو" والعودة إلى النموذج الفينيقي الناجح "المدينة الدولة".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم