الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تجرحنا ازدواجية المعايير يا مضايا

الشدياق يوسف "رامي" فاضل
تجرحنا ازدواجية المعايير يا مضايا
تجرحنا ازدواجية المعايير يا مضايا
A+ A-

قد يمضي الجوعُ من #مَضايا وقد لا يمضي، لكنّ الجرح الذي تركته هذه البلدة في نفوسنا لن يمضي بسهولة!.. والمفارقة أنَّنا لم نُجرح من مَضايا بسبب صوَرِ أولادها الجوعى، أو بسبب كلمات أهلها التي قد تلامس وجداننا وقد لا تلامسه، ولا عجب إن لم تلامسه! ففي عصرنا هذا أصبح الجوع وجهة نظر، وصارت جثامين الضحايا كلوحة الموناليزا تعكس لكلّ شخصٍ من شعبنا ما يُريدُ أن يراهُ فيها...


الجرحُ الأكبر هو اكتشافنا مقدار جوع العالم للإنسانيّة، ومقدار صلابة إرادة العالم في الصيام عن العدل والرحمة! منهم من استنكر هذا الجوع لأنَّه يطالُ أربعين ألفًا من المواطنين، ومنهم من رأه من ضروريّات الجهاد والمواجهة وبرَّرَهُ لإنَّه يرى أنَّ عدد سكّان مضايا أقلّ بكثير من أربعين ألف! وكأن موت "المفَرَّق" حلال في حين أنَّ موت "الجملة" حرام! لقد ذكَّرَتنا هذه المواقف بموقف الأمم المتحدة من مجزرة الغوطة الشرقيّة في سوريا حين اعتبرت هذه الأمم أن السلاح الذي أزهق المئات من الأرواح يُعتَبَر سلاحًا ضدَّ الإنسانيّة! وكأن للقتل أسلحة تحترم الإنسانيّة وأسلحة أخرى تحتقرها!


تجرحنا ازدواجيّة المعايير يا مضايا أكثر من الجوع، وما يجرح الحرّ أنَّه إذا أراد أن يُعبِّر عن وجعه من مقتل إنسان، عليه أوَّلًا أن يتأكّد من مذهب القتيل لكي يبحث عن قتيلٍ من مذهبٍ آخر فيبكيهما معًا لئلّا يُتَّهم بالطائفيّة! وكأنّ الموت يخضع لقاعدة "الستّة وستّة مكرّر"، وقد لا نستغرب إذا رفعت الطوائف اللبنانيّة عريضةً للأطراف المتقاتلة في سوريا تطلب منها أن يكون القتل بالتساوي لئلّا تنشب حربًا أهليّة في لبنان!


يجرحنا أننا نذرف الدموع على الإبادة اليهوديّة والأرمنيّة ونتناسى إبادة الإنسان في سوريا والعراق وصولًا لفلسطين وأفريقيا. يجرحنا أننا نجرح رؤوسنا ونلطم صدورنا حزنًا على جوع وعطش أطفال الحسين وصحابته ثمّ نغمض العيون عن عطش الإنسان وجوعه قرب منازلنا وحدودنا! يجرحنا أنَّ صدورنا تختلج كلّما سمعنا سيرة قدّيس شهيد من العصور المسيحيّة الأولى ولا نتنهَّدُ لمشهدِ الأطفال المصلوبين على أرصفة الجوع! يجرحنا أنّ قميص عثمان يشُدُ عصبيّةَ الجماهير أكثر من أقمطةِ الطفولة الممزّقة والملوّنة بالدمّ! يجرحنا أنّنا نندبُ من رفعهم جمال باشا على المشانق ونبكي رأس الأمير فخر الدين، في حين أننا نتلطّى بحبال الموت وسيوفه الممتدّة من فارس حتّى الخليج!


يجرحنا يا مضايا أنّ البعض قد تهلَّلَ لأنَّ عدد أهلِ السُنّة إلى انخفاض في ربوعك، ويجرحنا أنّ البعض الأخر يتهلَّل لإنفجارٍ في مسجدٍ للشيعة في القطيف أو في العراق! يجرحنا أننا لا نرى في الإنسان سوى الدين والمذهب، ونريد من الله أن يتديّن ويتمذهب كما نريد! يجرحنا أنّ كلّ إنسان يُلبِس الله دينه في حين أنَّ الدين عند الله هو الإنسان!


يجرحنا أنّ ما تبقّى من ضميرنا لا يتأهَّبُ إلا عندما يرى الموت بالشكل الوحشي! فكأنّ الموت بالذبح أو بالحرق يجسِّدُ الهمجيّة والبربريّة، في حين أنّ الموت بالحقنة القاتلة أو بالرصاصة والقذيفة يُجسِّدُ الحضارة بأبهى حللها!


يجرحنا أنَّ طائرات العالم الحرّ ترمي شحنات السلاح للمقاتلين بحجّة فكِّ حصار قوى الشرِّ، ولا ترمي الحليب لفكّ حصار الجوع عن أفواه الرُضَّع!
يجرحنا أنَّ لا مساحة في جسدنا لجرحٍ جديد، يجرحنا أنَّ جوعك هويّتنا وهويّة عصرنا! فيا أيُها الجوع امض من مضايا، لنقول بصوتِ الإنسانيّة : مضى يا مضايا الجوع، مضى يا مضايا!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم