السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

أسبوع انتخابي آخر: الناخب الأبيض الغاضب، فضائح كلينتون وجزمة روبيو

المصدر: "النهار"
هشام ملحم
هشام ملحم
أسبوع انتخابي آخر: الناخب الأبيض الغاضب، فضائح كلينتون وجزمة روبيو
أسبوع انتخابي آخر: الناخب الأبيض الغاضب، فضائح كلينتون وجزمة روبيو
A+ A-

قبل ثلاثة اسابيع من بدء الانتخابات الحزبية الاولية في ولاية آيوا في اول شباط، وفي أعقاب أسوأ ازمة بين #السعودية و #ايران منذ الثورة الايرانية في 1979، وفي أعقاب ادعاء كوريا الشمالية اجراء اختبار تفجير اول قنبلة هيدروجينية، وانتكاس الاسواق المالية في نيويورك بسبب التعثر الاقتصادي في الصين، تراوحت القضايا التي طغت على السجال الانتخابي بين الموضوع الحاضر- الغائب منذ بداية السباق، أي الناخب الابيض الغاضب، ليضاف اليه هذا الاسبوع آخر تجليات فضائح آل كلينتون، وجزمة المرشح ماركو روبيو التي خصصت لها صحيفة "النيويورك تايمس" حيّزًا محترما من الاهتمام.
ومع اقتراب بدء عملية اختيار مرشح كل حزب، واصلت استطلاعات الرأي إظهار خطأ توقعات العديد من المعلّقين وقيادات الحزب الجمهوري من ان حملة المرشح دونالد ترامب، الذي يتلذّذ بقذف الاهانات الشخصية والسياسية لمنافسيه، والتمييز السافر ضد من يختلفون عنه، ان كانوا من المسلمين او من اصل لاتيني او المهاجرين، ستتعثر عندما يبدأ الناخبون بالتفكير الجدي في خياراتهم قبل اسابيع او ايام من الاقتراع الفعلي. مختلف استطلاعات الرأي التي تجري على الصعيد الوطني تضع ترامب في المرتبة الاولى، مع مسافة كبيرة تفصله عن المرشح الثاني. ولكن الوضع معقد اكثر في بعض استطلاعات الرأي المحلية، حيث ترجح استطلاعات الرأي في ولاية آيوا على سبيل المثال فوز السناتور تيد كروز، الذي ركز على هذه الولاية حيث امضى فيها وقتا طويلا، وأنفق فيها الموارد المالية، وبنى فيها "ماكينة" انتخابية قوية. كروز، الذي يطرح نفسه كمرشح مسيحي محافظ، أحرز تقدما في اوساط الناخبين المسيحيين الانجيليين الاقوياء في هذه الولاية المحافظة، اكثر من ترامب (المتزوج 3 مرات) والذي لا يستطيع ان يدعي ان لديه سجل محافظ ومتدين. مع اقتراب انتخابات آيوا، بدأ ترامب بتصعيد هجماته ضد كروز الذي لا يزال يتفادى انتقاد ترامب بشكل مباشر. هذه الهدنة بدأت تنهار، عندما بدأ ترامب بالتساؤل والتلميح حول أهلية كروز للترشح قانونيا، لأنه ولد في كندا وليس في الولايات المتحدة، وذلك على الرغم من ان الخبراء القانونيين لايوافقون على طروح ترامب لأن والدَي كروز مواطنان اميركيان. وفي هذا الوقت يتوقع المراقبون وقادة الحزب الجمهوري المحليون فوز كروز في آيوا، الا اذا ارتكب هفوة كبيرة، او اذا نجح ترامب بتعبئة مؤيديه بشكل افضل.


شحذ السكاكين
ومع تثبيت ترامب لموقعه المتقدم على الصعيد الوطني، بدأ باقي المرشحين الجمهوريين بشحذ سكاكينهم للانقضاض بعضهم على بعض، في دعاياتهم التلفزيونية ومهرجاناتهم الانتخابية ولقاءاتهم مع الصحافيين، في محاولة لاحتلال المرتبة الثانية او الثالثة لضمان البقاء على قيد الحياة انتخابيًّا، على الاقل حتى اول آذار حيث ستجري الانتخابات في 12 ولاية من بينها ولايات هامة مثل تكساس وفيرجينيا وماساتشوستس وجورجيا. وفي هذا السياق بثت حملة المرشح المغمور ريك سانتوروم دعاية تشكّك بجدية كروز، بينما اتهمته المرشحة كارلي فيورينا بأنه "يقول أي شيء اذا اعتقد انه يساعده على الفوز". وفي ولاية نيوهامبشر التي ستجري فيها الانتخابات في 9 شباط، والتي استثمر فيها المرشحان روبيو وحاكم ولاية نيو جرزي كريس كريستي الكثير من الموارد، ازداد التراشق بين هذين المرشحين، حيث ركز كريستي وقبله المرشح جيب بوش والسناتور راند بول على انتقاد تخلّف روبيو عن مشاركته في اعمال مجلس الشيوخ بسبب غيابه عن واشنطن. ولم يساهم روبيو بمساعدة نفسه مؤخّرًا حين قلّل من اهمية المشرّعين في النظام السياسي الاميركي، خاصة أنه واحد منهم، حين قال ان الرئيس وحده هو الاصل، "ونحن لن نصلّح اميركا من خلال اعضاء مجلسي الشيوخ والنواب".


الأبعاد الثقافية والاجتماعية لظاهرة ترامب
يؤكد هذا المشهد الانتخابي مجددا ان السباق الجمهوري هذه السنة يختلف نوعيًّا عن السباقات الاخرى، لأن المرشّحين المتقدّمين فيه قبل اسابيع قليلة من بدء الاقتراع هم من خارج المؤسسة الجمهورية التقليدية، وان "ظاهرة" ترامب اعمق مما أراد البعض الاعتراف به، ولها جذور ثقافية واجتماعية واقتصادية تتطلب مراجعة لبعض المسلمات السياسية. فالطروح التقليدية للجمهوريين في الانتخابات مثلا تدعو لتخفيض الضرائب (عن ذوي الدخل العالي) تخفيض الميزانية وتقليل القيود البيروقراطية المفروضة على عمل الشركات، وتخفيض الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والصحّية. ولكن بعض استطلاعات الرأي وآخرها لمؤسسة غالوب، تبيّن ان هناك 30 في المئة من الجمهوريين الذين يدعون الى فرض ضرائب "كبيرة" على دخل الاغنياء، و21 في المئة فقط من الذين يدعون الى تخفيض الإعانات الطبّية للمسنّين، و17 في المئة فقط تؤيد تخفيض برامج الضمان الاجتماعي. هؤلاء الجمهوريون الذين لا يعكسون مسلّمات قادة الحزب الجمهوري هم قاعدة ترامب. ايضا العديد من مؤيدي ترامب هم من ذوي الرواتب الوسطى او المتدنية، وليسوا من حملة الشهادات الجامعية باستثناء 19 في المئة فقط، مقارنة بالمعدل الوطني الذي يصل الى 29 في المئة. وبلغ دخل 38 في المئة فقط منهم خمسين ألف دولار في السنة.
وتبيّن هذه الخلفية الاجتماعية والاقتصادية لهذه الشريحة من الناخبين، وأكثريتهم الساحقة من الرجال البيض القلقين على مستقبلهم الاقتصادي والخائفين من التغييرات الديموغرافية، وبروز الاقليات الاخرى مثل السود والاميركيين من اصل لاتيني، والمهاجرين والمسلمين ان هناك قبولاً في هذه الاوساط للطروح المتشنّجة ضد الاقليات والمهاجرين التي تنضح بها مواقف المرشحَين ترامب وكروز. هذه الشريحة ترى ان اميركا قبل خمسين سنة كانت "اطهر" إثنيا وأكثر مسيحية مما هي عليه الآن، وذلك حين كان عدد المواطنين البيض يصل الى 83 قي المئة مقارنة باثنين وستين بالمئة الآن. هذه الاحصائيات تفسر الى حد كبير غضب الناخبين البيض، وبروز الاعتبارات الثقافية والإثنية والاجتماعية على حساب الاعتبارات الاقتصادية والايديولوجية التي كانت طاغية أكثر في الدورات الانتخابية السابقة.


عودة شبح فضائح كلينتون
في السباق الديموقراطي لا تزال #هيلاري_كلينتون تحافظ على تفوّقها على منافسها الاساسي بيرنارد ساندرز، في استطلاعات الرأي وفي جمع التبرعات المالية. ولكن ساندرز لا يزال يحظى بتأييد شريحة هامة من الناخبين الليبراليين الشباب والمتعلّمين، الذين يتبرّعون له بحماس كما فعلوا لباراك اوباما قبل 8 سنوات. وهذا ما يفسّر وصول تبرعات لحملة ساندرز في الاشهر الثلاثة الاخيرة بقيمة 33 مليون دولار، مقارنة بـ 37 مليون دولار لحملة كلينتون، الامر الذي يعني ان ساندرز قادر ماليا على البقاء في السباق لوقت طويل. ولكن ما أزعج حملة كلينتون في الايام الماضية أكثر من هذه الارقام المالية، هو عودة شبح الفضائح الجنسية للرئيس الاسبق بيل كلينتون، الذي يعتبر السلام الاكثر فعالية في ترسانة هيلاري كلينتون الانتخابية، والذي أطلقته الحملة هذا الاسبوع لتعبئة الدعم الشعبي لزوجته لاحتلال المنصب الذي احتله لثماني سنوات في تسعينات القرن الماضي.


عاد شبح فضائح بيل كلينتون الجنسية بالعودة في أعقاب اتهام هيلاري للمرشح ترامب بأنه يحقّر المرأة. وسرعان ما أدركت كلينتون أنها لا تستطيع ان تصارع ترامب في جورة وحل، حيث يحلو له القتال. ورأى ترامب ان هيلاري التي عبأت زوجها في حملتها، فإن هذا يعني ان بيل كلينتون وخلفيته – بما فيها فضائحه الجنسية- هي مسائل مطروحة للنقاش وإعادة النظر فيها. ترامب يدرك ايضا ان هناك حساسية جديدة في البلاد، خاصة في أوساط الشباب بشأن حقوق المرأة، بما في ذلك التعاطف مع النساء اللواتي يتعرضن للتحرش الجنسي، وضرورة التحقق من اتهاماتهن بهذا الشأن. كما ان البلاد كلها صدمت في السنة الماضية عقب الكشف عن عشرات حالات التحرش الجنسي والاغتصاب، التي اتهم بها الممثل والكوميدي المشهور بيل كوسبي الذي تنظر احدى المحاكم بها الآن. واتهم ترامب هيلاري بالتغطية على بعض تجاوزات زوجها الذي وصفه ترامب بأنه من أسوأ المسيئين للمرأة. وعادت الصحف للتحدث عن النساء اللواتي كان لبيل كلينتون علاقات جنسية معهن، (قبل علاقته المعروفة بالمتدرّبة مونيكا لوينسكي) ومن بينهم امرأة اتهمته بأنّه اغتصبها عندما كان المدعي العام لولاية اركنساو، وهو امر نفاه كلينتون. هذه المرأة جددت اتهامها لكلينتون، وهي الآن من مؤيدي ترامب. هيلاري وبيل تفاديا الاجابة على أسئلة طُرحت عليهما خلال نشاطات يبدو انها كانت "مزروعة".


... وجزمة روبيو
ان تنشر صحف التابلويد مقالات عن أزياء او أحذية المرشحين، فهذا أمر متوقع. اما ان تنشر صحيفة نيويورك تايمز المرموقة مقالا عن جزمة المرشح ماركو روبيو، فهذا خبر يستحقّ خبرًا. في بداية الاسبوع غرّد مراسل للصحيفة حول جزمة روبيو اللماعة وكعبها العالي نسبيا (ربما لان روبيو قصير القامة، او لأنه كان يتجوّل في ولاية نيو هامبشر الباردة). وسرعان ما تحولت الجزمة الى رمز لحملة روبيو، حيث غرّد مدير حملة المرشح تيد كروز بأن التصويت لروبيو هو التصويت للجزمات العالية". ويبدو ان المرشح السناتور راند بول لم يستطع البقاء خارج هذه المعمعة الجلدية، فغرّد بدوره قائلا "روبيو يملك هذه الجزمة الظريفة، وانا لا اريده ان يكون افضل مني". وسارعت كارلي فيورينا، المرأة الوحيدة في السباق الجمهوري لتضع كاحلها في المعركة، ولجأت ايضا الى التغريد قائلة مع صورة لجزمتها العالية الكعب "نعم يا ماريو هل تستيطع منافسة هذه الجزمة؟" أحد مقدمي البرامج الحوارية الصباحية المشهورة وصف الجزمة بأنها مثيرة جنسيا، وتسائلت مجلة Vanity Fair عن ثمن الجزمة واسم الشركة التي صنعتها. وتبين لاحقا ان ثمن الجزمة لا يتعدّى 135 دولار، وانها ليست جزمة "كاوبوي" حقيقية مثل تلك التي كان يلبسها رؤساء معروفون بحبهم للطبيعة القاسية وركوب الخيل، مثل ليندون جونسون ورونالد ريغان وجورج بوش. طبعا هذه التعليقات والتغريدات والتحليل السياسية لثياب وأحذية المرشحين دفعت بروبيو المستغرب للقول هذا "جنون... هل فقدوا عقولهم". وتابع يقول لجمهور من الناخبين. "دعوني أفهم ما يجري هنا. داعش تقطع رؤوس الناس وتحرقهم في الاقفاص، والسعودية وايران على حافة الحرب" أي ان جزمته موضع نقاش وتحليل في الوقت الذي يمر فيه العالم في محن صعبة. الاعلام الاميركي والعالمي ينتظر الآن إعلانا من حملة روبيو حول ما اذا كان روبيو سيعود الى الاحذية العادية، أم سيصرّ على جزمته اللماعة، ام سيقلد الرؤساء الاقوياء القادمين من الولايات التي خلدتها أفلام "رعاة البقر" (التي أحببناها في شبابنا، ولا نزال) مثل تكساس وكاليفورنيا والذين قهروا واشنطن بجزمات "الكاوبوي" الحقيقية.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم