الراعي: نكرّر التمييز بين مبادرة انتخاب الرئيس والاسم المطروح
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس #الراعي قداس رأس السنة في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في #بكركي، عاونه فيه المطارنة بولس الصياح، حنا علوان رولان ابو جودة وعاد ابي كرم ولفيف من الكهنة، في حضور الوزير السابق ابرهيم الضاهر وحشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: "ودعي اسمه يسوع" (لو2:21)، قال فيها: (...)"إن ثمرة الخلاص هي السلام داخل الإنسان، السلام الذي يعطيه المسيح بالمصالحة مع الله والذات. إنه يختلف عن السلام الذي يعطيه العالم (راجع يو 14: 27). فسلام العالم مصالح آنية ومال وجاه وسلطة، سرعان ما تتبخر فتولد كآبة الروح والحزن الداخلي وانتفاء السعادة الحقيقية. وسلام العالم استبداد القوي على الضعيف، واستكبار وقمع وظلم وكم الأفواه وحرمان الناس من إمكانية التعبير عن وجعهم والمطالبة بحقوقهم الأساسية".
وقال: "يربط قداسة البابا فرنسيس "اكتساب السلام الحق بالانتصار على اللامبالاة". ويؤكد أن فقدان السلام اليوم، الظاهر في الحروب والنزاعات والاستبداد والظلم وقهر المواطنين وإفقارهم وسلب حقوقهم، إنما سببه اللامبالاة بالله. هذه اللامبالاة بلغت عندنا في لبنان لامبالاة سافرة من الجماعة السياسية بالدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية وحياتها الاقتصادية، وبشعبها وحقوقه ومصيره، وبشبابه ومستقبلهم على أرض الوطن ومصيرهم".
أضاف: "إن ذروة هذه اللامبالاة القتالة هي عناد الكتل السياسية والنيابية في الإحجام عن انتخاب رئيس للجمهورية، الذي هو المحرك الوحيد والأساسي للمؤسستين الدستوريتين: المجلس النيابي كسلطة للتشريع والمساءلة والمحاسبة، والحكومة كسلطة للاجراء والتنفيذ. ومن المؤسف حقا أن يمر شهر على إعلان المبادرة العملية الجدية المدعومة دوليا في شأن #انتخاب_رئيس_للجمهورية من دون مقاربتها جديا من قبل هذه الكتل. إننا نعود ونكرر التمييز بين مبادرة انتخاب الرئيس والاسم المطروح. المقاربة تقتضي أولا الالتزام بانتخاب الرئيس، وثانيا التشاور بشأن الاسم الذي يحظى بالأغلبية المطلوبة في الدستور كمرشح للرئاسة. ومن الأفضل والأسلم ديموقراطيا الوصول إلى الجلسات الانتخابية بمرشحين، كما تصنع الدول الراقية. وبالطبع ينبغي أن يتحلى المرشح بالحكمة والمهارة والتجرد، وبإيمانه بالمؤسسات الدستورية التي تصنع الجمهورية، وبمعرفته المتمرسة بشؤونها. بغياب الرئيس تدب الفوضى، وتفشل المؤسسات، فيغيب السلام الداخلي، وتكثر الأزمات الاجتماعية والأمنية".
وتابع: "هذه اللامبالاة بانتخاب رأس لجسم الوطن تنبسط إلى لامبالاة بالحياة الاقتصادية التي من شأنها أن توفر للشعب إمكانية العيش بكرامة، ولقواه الحية فرص العمل اللازمة. ومعلوم أن "الإنماء الاقتصادي هو الاسم الجديد للسلام" (الطوباوي البابا بولس السادس: ترقي الشعوب، 87). ذلك أنه يفتح أبواب الإنماء الثقافي والاجتماعي الشامل للانسان وللمجتمع. كيف يتوفر هذا الإنماء وتتعطل عندنا قدرات القطاع العام وواجب تعاون الدولة مع القطاعات الخاصة والمجتمع المدني، وتشل المبادرات الخاصة بالتسلط وفرض الخوات والمبالغ المالية؟ كيف يمكن القبول بإهمال واجب وضع سياسة اقتصادية واجتماعية واضحة، وإهمال المسنين والمرضى الذين يحرمون مما يجب لهم من اهتمام وعناية من قبل الدولة لكي يعيشوا شيخوختهم بكرامة، وإهمال تأمين فرص عمل لمواجهة حالة البطالة الآخذة بالتزايد والمتسببة بآفة الهجرة القاتلة التي تقتضي تعاونا وثيقا بين الدولة والقطاعات المصرفية والإنتاجية الخاصة والمدنية للوقوف إلى جانب العاطلين عن العمل حتى لا ييأسوا من الحياة في وطنهم؟ (راجع: مذكرة اقتصادية، اقتصاد لمستقبل لبنان، 22-23)".
وختم الراعي: "في يوم السلام هذا، وهو اليوم الأول من العام الجديد 2016، نلتمس من المسيح الرب أمير السلام، أن يبلغ بنا جميعا وبكل إنسان إلى السلام الحقيقي في داخلنا، أولا من خلال ترميم النظام الذي أراده الله، وهو أن تنتصر النفس على الأميال المنحرفة: أن تخضع للأسمى، وتنتصر على الأدنى. عندها تجد السلام الحقيقي، الأكيد، المنظم وفقا لنظام الله، وهو "أن الله يأمر النفسَ، والنفس الجسد" (القديس اغسطينوس: راجع القديس البابا يوحنا الثالث والعشرين: سلام في الأرض، 88). عندما نحصل على السلام في داخلنا، نستطيع أن ننشره من حولنا، ونستحق أن نرفع نشيد المجد والتسبيح مع الملائكة في ليلة الميلاد: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر" (لو 2؛14). آمين".
وفي ختام القداس، التقى الراعي المؤمنين المشاركين بالقداس.