الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ضحالة الافكار وغياب المزايا القيادية سمة مشتركة لمرشحي الرئاسة الاميركية

المصدر: "النهار:
هشام ملحم
هشام ملحم
ضحالة الافكار وغياب المزايا القيادية سمة مشتركة لمرشحي الرئاسة الاميركية
ضحالة الافكار وغياب المزايا القيادية سمة مشتركة لمرشحي الرئاسة الاميركية
A+ A-

اتسم موسم الانتخابات الرئاسية الاميركية الراهن، وخصوصاً السجال بين المرشحين الجمهوريين، بغرابة وصفاقة وحدة غير معهودة، على خلفية مشاعر قلق عميقة عبّر عنها الناخبون الاميركيون بسبب استمرار النزاعات المفتوحة في العراق وسوريا وافغانستان، والهجمات الارهابية التي نظمتها او اوحى بها (تنظيم لدولة الاسلامية) "داعش" في فرنسا والولايات المتحدة . مشاعر الخوف هذه استغلها وعمقها بعض المرشحين الجمهوريين وابرزهم المرشح المتقدم في استطلاعات الرأي دونالد ترامب، ما ادى الى إيجاد مناخ سياسي متشدد ومتشنج ضد المسلمين والمهاجرين. وفي هذه الاجواء سقطت مسلمات ومعايير تقليدية كانت تساعد المحللين والناشطين الانتخابيين في تفسير اتجاهات الناخبين، او صدقية المرشحين وجدوى طروحاتهم السياسية. قبل ستة اشهر كان المرشح جيب بوش في الطليعة وفقا لاستطلاعات الرأي. الحكمة السائدة آنذاك هي ان بوش بسبب التبرعات التي جمعتها له اللجان التي تؤيده سوف يكون قادرا على حسم السباق في وقت مبكر نسبيا. اليوم لا احد يتحدث عن بوش كمرشح محتمل لحزبه.


يتوقع الناخبون الاميركيون ان تتميز مواقف المرشحين ببعض المبالغات والتضخيمات، وان يكون السجال السياسي او الايديولوجي بينهم حادا وصاخبا خلال التنافس للحصول على ترشيح الحزب. وبدلا من سجال سياسي تقليدي راقب الناخب تراشقا بالوحل وتبادلاً للاهانات بين المرشحين الجمهوريين، وبينهم وبين هيلاري كلينتون المتوقع ان تحصل على ترشيح حزبها الديموقراطي . ضحالة السجال الانتخابي الراهن، وغياب المزايا القيادية للمرشحين، وضعف المامهم بتعقيدات الاقتصاد المعولم وصعوبة معالجة التحديات الاستراتيجية التي تواجهها اميركا في العالم، وبخاصة في صفوف المرشحين الجمهوريين، هي الاسوأ منذ ان بدأت بمراقبة وتغطية الانتخابات الاميركية في 1972.


 


التقدم الذي احرزه المرشح ترامب، وهو شخصية تلفزيونية ونجومية، لم يكن بسبب طروحاته الانتخابية المفصلة، او حججه السياسية السلسة، او فصاحته كخطيب ، بل بسبب لسانه السليط ومواقفه المتشنجة، ومغالاته في التضخيم وحتى الكذب المفضوح، وميله لترهيب منافسيه وتشويه سجلهم. ومنذ اللحظة الاولى لاعلانه ترشحه للانتخابات، واجه ترامب الاهانات والاتهامات العنصرية للمكسيك جارة الولايات المتحدة الجنوبية، التي ادعى انها ترسل الى اميركا مهربي المخدرات والمغتصبين وغيرهم من المجرمين. وخلال اسابيع قليلة، طالت اهانات ترامب، النساء، والاقليات ومن بينهم الاميركيين من اصل افريقي، والمسلمين واليهود. وبعد كل فظاعة لفظية كانت الاحكام تصدر من المعلقين والمحللين واقطاب الحزب الجمهوري ومن منافسين ترامب، بان نهايته باتت قريبة او حتمية، كانت شعبية ترامب في المقابل ترتفع باضطراد. واظهرت تطورات الاشهر الست الماضية، ان ترامب الذي يتصرف في احيان كثيرة بشكل كرتوني او تهريجي، هو في الواقع محنك سياسيا أكثر مما يظن خصومه، وانه وضع اصبعه على نبض شريحة من الناخبين البيض والجمهوريين المحافظين وحتى بعض المستقلين الذين فقدوا ثقتهم بالقيادات التقليدية للحزب الجمهوري، او بقدرة الطبقة السياسية الحاكمة في واشنطن على حل مشاكل البلاد الاقتصادية، او حمايتهم من العنف الذي تم تضخيمه بشكل يقارب الهستيريا. هؤلاء المواطنون ينتشون عندما يعدهم ترامب بانه سيكون رئيسا قويا وحاسما وسيحمي البلاد من الاخطار الخارجية، بما في ذلك بناء "جدار جميل وقوي" بين اميركا والمكسيك، وانه سيرغم المكسيك على ان تدفع ثمنه. تركيز ترامب على مزاياه "القيادية" مصمم لاظهاره مرشحا قويا مقارنة بالرئيس اوباما الذي تجده هذه الشرائح من الناخبين رئيسا ضعيفا، ان كان في تعامله مع تحديات الشرق الاوسط الصعبة، او في تعامله مع زعيم "قوي" مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ضم شبه جزيرة القرم الى روسيا، والذي يربطه بالمرشح ترامب اعجاب متبادل.


 


وفي الاسبوع الماضي وصل السجال بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب الى مستويات متدنية غير معهودة حتى بالمقاييس المتدنية للسباق الراهن. وخلال آخر مناظرة بين المرشحين الديموقراطيين الثلاثة، اعربت كلينتون عن قلقها العميق جراء مواقف المرشحين الجمهوريين، وخصوصاً المرشح ترامب، الذين يقولون للمسلمين في اميركا وفي العالم ان هناك صراعاً حضارياً بين الاسلام والغرب "وان هناك نوعاً من مؤامرة غربية او حتى حرباً ضد الاسلام، الامر الذي يؤدي باعتقادي الى تأجيج التطرف". ولم تكتف كلينتون بهذا الاتهام الصحيح، بل أكدت ان ترامب "هو أفضل مجند للمتطوعين لداعش. وهؤلاء يقومون بعرض اشرطة الفيديو لترامب وهو يوجه الاهانات للاسلام والمسلمين من اجل تجنيد المزيد من المتطرفين.". وسارع ترامب الى اتهام كلينتون بالكذب، إذ ليس ثمة شريط فيديو يؤكد مزاعم كلينتون، وهو امر أكدته كبريات الصحف، وطالب ترامب هيلاري بان تعتذر منه، ولكن حملتها ردت بالقول "كلا، بحق الجحيم"، وان حاولت وضع اتهامات كلينتون في سياق مختلف بعض الشيء مثل القول بان تنظيم داعش يستخدم وسائل الاتصال الاجتماعي ويستغل مواقف ترامب العدائية للاسلام والمسلمين لتجنيد المتطوعين. وفي غياب الاعتذار، صعّد ترامب من اهاناته لكلينتون، ويوم الاثنين الماضي وخلال هجوم شنيع ضد كلينتون، استخدم ترامب كلمة شائعة في اوساط اليهود الذين يتحدثون لغة هي مزيج من العبرية والالمانية للعضو التناسلي للذكر، خلال وصفه للهزيمة التي منيت بها كلينتون على يد باراك اوباما في انتخابات 2008. ترامب كان يتحدث لاكثر من 7 الاف من انصاره، الذين صفقوا له بحرارة وكأنهم في لحظة انتشاء جماعي. وخلال هذه المناسبة الانتخابية، هاجم ترامب، بمزيج من الجدية والمزاح، الصحافيين الذين يغطون حملته قائلا انه يكرههم، على وقع تصفيق حاد من جمهوره.
وهناك تسليم الان في اوساط المحللين، بمن فيهم أولئك الذي جزموا في السابق ان ظاهرة ترامب، هي ظاهرة عابرة مماثلة لما رأيناه قبل اربع سنوات في الانتخابات الماضية، حين كان بعض المرشحين الجدد او ذوي المواقف الغريبة يبرزون في استطلاعات الرأي لبضعة اسابيع، قبل ان تهوي حملاتهم وتأفل نجومهم الى غير رجعة، بان ترامب باق في السباق وان الانتخابات الحزبية الاولية التي ستبدأ في ولاية آيوا بعد 5 اسابيع هي التي ستقرر مصيره. اللافت ان ترامب قد شق الحزب الجمهوري، حيث اظهر استطلاع للرأي قبل ايام ان خمسين في المئة من الناخبين الجمهوريين يقولون انهم سيشعرون بالاحراج اذا انتخب ترامب رئيسا للبلاد.


 


ولوحظ في الاسابيع الماضية ان كلاً من كلينتون وترامب يتصرف على انه المرشح المتوقع لحزبه. ومع ان حصول هيلاري على ترشيح حزبها مرجح أكثر، الا ان تقدم ترامب في استطلاعات الرأي لا يحجب حقيقة، انه يفتقر الى وجود بنية انتخابية، او ماكينة انتخابية على الارض في الولايات الثلاث الاولى التي ستجري فيها الانتخابات الاولية، آيوا، ونيوهامبشر وساوث كارولينا، التي ستعطي المرشح الفائز او البارز فيها الزخم الذي سيحتاج إليه لجمع التبرعات ونقل المعركة الى الولايات الاخرى. ويواجه ترامب تحديا في هذا المجال من السناتور تيد كروز، الذي يعتبر متشددا أكثر من ترامب في بعض مواقفه الداخلية والخارجية، بما فيها العداء للمسلمين والمهاجرين.


إحدى ابرز مفارقات الانتخابات، هي ان غرابة وصفاقة مواقف ترامب قد غطت على غرابة – وحتى غباء- بعض مواقف المرشحين الاخرين. المرشحة كارلي فيورينا، ادعت ان تحديد حد ادنى للرواتب هو امر غير دستوري – وهذا غير صحيح- او ادعاء المرشح مايكل هاكابي انه سيتجاهل قرارات المحكمة العليا، اذا تناقصت مع احكام الله، وهذا هراء لان احكام المحكمة العليا هي التي ترسم الطريق القانوني والدستوري للبلاد وليس اي احكام اخرى، او شطحات حاكم ولاية نيو جرزي كريس كريستي بانه لن يتردد باسقاط طائرة روسية مقاتلة وبانه سيشن هجمات الكترونية ضد الصين. او تعهد حاكم ولاية اوهايو المرشح جون كاسيك "بتوجيه لكمة لانف روسيا".


 


وجود هؤلاء المرشحين في كوكب سحري لا علاقة له بالارض او بتعقيدات حكم أكبر اقتصاد في العالم، هو مصدر ارتياح كبير لقادة الحزب الديموقراطي الذين يقولون ان كلينتون، المطلعة على تفاصيل التحديات الخارجية من سياسية او استراتيجية والمتمكنة من فهم تعقيدات القضايا الداخلية من اقتصادية واجتماعية والتي صقلت قدراتها كمناظرة قوية، سوف تكون في موقع قوي لمواجهة وهزيمة أي مرشح يختاره الحزب الجمهوري ضدها.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم