السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

ناديا لا تفرح بالميلاد... ويسوع يبقى رفيقها

المصدر: "النهار"
رلى خالد
ناديا لا تفرح بالميلاد... ويسوع يبقى رفيقها
ناديا لا تفرح بالميلاد... ويسوع يبقى رفيقها
A+ A-

تكثُر في زمن الميلاد المجيد مظاهر الإحتفال والزينة والحفلات الرنّانة وتوزيع الهدايا وشراء الحاجيّات والألبسة والمجوهرات والحليّ من دون أن ننسى مأكولات العيد التي نستعد لتحضيرها بعناية كبيرة حيث تتميّز ليلة العيد بعشاء يجمع أفراد العائلة كباراً وصغاراً ، يجتمعون ليلة الميلاد مهما بعدّتهم المسافات، ليكون ميلاد طفل المغارة مناسبة للتشديّد على الروابط العائلية التي بدأ مجتمعنا يفتقد معانيها الحقيقة.


بعيداً من صخب شهر العيد وتحضيراته وقائع إنسانيّة مؤثرة قد لا يعرفها الكثير من الناس ولا تخطر على بالهم، حقائق يعيشها أشخاص فقراء وحيدون يعيشون على هامش المجتمع من دون أن يكترث أحدّ لحضورهم أو حتّى يشعر بهم. هؤلاء يشكّلون شريحة كبيرة من مجتمعنا الذي يرزح تحت عبء العوز والحاجة في ظل الأوضاع الإقتصادية الحرجة ، ويعاني أفراده تقهقر الحسّ الإنساني واللامبالاة في ظلّ تنامي الحروب والقتل والكراهية في محيطهم!
ناديا إبنة الـ 55 عاما، سيّدة وحيدة تعيش في منزل عائلتها في بلدة أنان في قضاء جزين، تُشكل تجسيداً حيّاً للفقر والوحدة اللذين يغزوان العديد من منازل الفقراء والمسنيّن المنسيّين في قضاء جزين.
فقدت ناديا والدتها وأختها البكر مبكرا فيما لا تزال في حاجة ماسّة الى محبتهما وحنانهما، فمأسآة موت الأمّ فجأة تاركة خلفها أربع فتيات وشاب، لم تكد تلتئم جراحها حتّى تكرّرت تردادتها في نفوس أفراد عائلة نجيب الحاج بعد وفاة إبنته البكر إثر معاناة مع مرض السرطان، وكانت العائلة تعيش آنذاك في منطقة الأولي عند مدخل مدينة صيدا الشمالي.
بعد الإجتياح الإسرائيلي للجنوب عام 1982، والتهجير القسري لقرى شرق صيدا في العام 1985، انتقلت ناديا مع والدها الى بلدتها أنان حيث رممّا منزلا صغيراً يملكانه من أيام التعمير الذي تلا زلزال 1956 ، وسكنا فيه، وكانت شقيقتا ناديا وشقيقها قد أسسّوا عائلات وانتقلوا للعيش في بيروت.
سنة واحدة تلت انتقالهما الى أنان فارق بعدها نجيب الحاج الحياة تاركاً ناديا وحيدة لمصيرها !
تروي ناديا تفاصيل معاناتها لنا بحسرة وحزن على من غابوا من عائلتها، وتتجمّع الدموع في مُقلتيها عندما تكشف لنا "أنّها اليوم وبعد نحو 30 سنة على العيش وحيدة في منزلها في أنان، لا تستطيع أن تبقى طويلا في المنزل لأنّ الوحدة تخنقها وذكرى والدتها ووالدها وشقيقتها لا تفارقها".
تعاني ناديا إضافة الى الوحدة والفقر وخصوصا أنّها تعتمد فقط على ما تيسّر لها من أموال زهيدة يرسلها لها شقيقها وشقيقتاها الذين يعيشون مع عائلاتهم في ظروف ماديّة مشابهة، من أوجاع وأمراض في العظام وغيرها وهي طبعاً ليس لديها أيّ ضمان صحي لتغطية نفقات علاجها.
لكن وحدتها وأوجاعها تبلسهما فسحة أمل تجمع ناديا بالعديد من أمثالها في مركز القديس جاورجيوس في بلدة روم، وهو عبارة عن مؤسسة إنسانية أنشأها السيد نبيل حداد بالتعاون مع منظمة مالطا هدفها تأمين الرعاية الإجتماعية والصحيّة للمسنيّن في منطقة جزين وجوارها.
وتكشف ناديا :"أنّها تزور المركز يومياً في وسيلة نقل خاصة به، حيث تقضي تقريبا أكثر من نصف يومها هناك، تجالس رفاقها وتتشارك معهم جميع النشاطات الترفيهية التي ينظمها المركز، وتتناول طعام الغذاء مع جميع الحاضرين من مسنيّن يزورون المركز في شكل يومي، كما تتلقى العلاج المناسب لها بعد أن يعاينها طبيب المركز."
وتضيف :" أشعر في المركز بدفء جوّ العائلة الذي افتقدته باكراً في منزلي، وأشعر بالراحة والسلام هنا لذلك لا انقطع يوماً عن المجيء رغم عدم قدرتي على السير جيداً بسبب الآلام التي تُسبّبها لي عظامي."
وعندما نسأل ناديا عمّا تتمناه في عيد الميلاد، فتجيب بشكل عفوي "أتمنّى أن يعمّ السلام كلّ الأرض ويدخل الفرح جميع المنازل والقلوب الحزينة."
جواب مؤثر، وكأنّها تملك كلّ ما تحتاج فلم تطلب أمنية خاصة لنفسها، فأعدت سؤالها عن أمنيتها الشخصية، فابتسمت وأجابت "أشكر الربّ على كلّ نعمه وعلى الصحة الذي أمدّني بها ولا أطلب منه شيئاً آخر."
عظيمة قناعات الفقير وبساطته في تمنّي الخير للجميع واستثناء نفسه من هذه المساحة ،علماً أنّه الأكثر حاجة للمساعدة والإهتمام !
والسؤال الذي يطرح نفسه أنّه بغياب إهتمام الدولة ورعايتها الإجتماعية من إقتصادية وصحية لمن هم في مثل هذه الحال، وفي ظل المبادرات الإنسانية الخيّرة المحدودة، من سيهتم بتقديم الرعاية المفروضة لكلّ مُحتاج ومسنّ ووحيد بما يضمن له العيش بكرامة؟


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم