الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

سمير القنطار العنيد... وتصفية الحسابات مع "الشيطان"

المصدر: "النهار"
منال شعيا
منال شعيا
سمير القنطار العنيد... وتصفية الحسابات مع "الشيطان"
سمير القنطار العنيد... وتصفية الحسابات مع "الشيطان"
A+ A-

تحققت امنيته أن يصبح "الشهيد #سمير_القنطار". في جبلة عميد الاسرى، "آخر المحررين" منهم، عناد حتى الموت، حتى الاغتيال. ذاك الذي اعتقله العدو الاسرائيلي عندما كان في السابعة عشرة وزجه في سجونه، اصبح شهيدا في عامه الـ53.


تواريخ ترافق سمير القنطار في شهر تموز. ولد في هذا الشهر من العام 1962. في 12 تموز 2006، نشبت الحرب التي ولّدت "وعداً صادقاً" بإطلاق الاسرى. وفي تموز 2008، خرج الى حرية افتقدها نحو 30 عاماً، مع امنية في القلب أن يصبح "الشهيد سمير القنطار"، كما كتب تحت احدى صوره. أقدم الاسرى، "عميدهم"، كان في ذلك اليوم آخر المحررين.


كثر سمعوا به، وقلّة تعرف تفاصيل عن حياته. كيف سجّل هذا الرجل أطول مدة اعتقال، ليتحوّل "عميد" الاسرى في السجون الاسرائيلية؟ وكيف عاند همجية العدو، فأمضى اكثر من نصف عمره داخل اقبية السجون، وعاد حرا؟ كيف عاش حريته، قبل ان يُغتال؟



 


"العملية الشهيرة"
شهدت عبيه، احدى قرى قضاء عاليه، ولادة سمير القنطار في 22 تموز 1962. هناك تلقّى علومه الاولى. ويروي عدد من رفاقه انه كان يتميز منذ صغره بشجاعة واندفاع، وكان يكتب تحت احدى صوره عبارة "الشهيد سمير القنطار". ووفقا لوثيقة اعدّتها عائلة القنطار، "شارك سمير في التصدي والقتال ضد قوات الاحتلال في الطيبة إبان الاجتياح الإسرائيلي الأول للبنان العام 1978". ويخبر شقيقه بسام انه "فيما كانت الحرب الاهلية تنهش الوطن، والاقتتال الداخلي يتنقل بين مساحاته، اختار سمير مقاومة الخطر الاول وهو العدو الاسرائيلي، فلم يشارك يوما في الحرب الداخلية، بل وجّه بندقيته نحو اسرائيل".



 


الاعتقال الاول عرفه سمير في 1978، حين حاول القيام بعملية عسكرية ضد العدو الإسرائيلي عن طريق الحدود الأردنية في منطقة بيسان، واعتقل هناك لسنة من 31/1/1978 الى 25/12/1978.


1979: عام مفصلي. في 22 نيسان، نفذ القنطار "عملية القائد جمال عبد الناصر" مع ثلاثة من رفاقه هم عبد المجيد أصلان، مهنا المؤيد، واحمد الأبرص. كان سمير قائد العملية برتبة ملازم في "جبهة التحرير الفلسطينية". واخترقت المجموعة رادارات العدو وترسانة أسلحته منطلقة من شاطئ صور، بزورق مطاطي صغير من نوع "زودياك" معدّل ليكون سريعاً جداً. وكان هدف العملية الوصول الى مستوطنة "نهاريا" وخطف رهائن من الجيش الإسرائيلي لمبادلتهم بمقاومين معتقلين في السجون الإسرائيلية. "هذه العملية الشهيرة" جعلت القنطار اسيرا مع "حكم خيالي" 542 عاما.



 


اللافت في "عملية نهاريا"، وفقا لـ"جبهة التحرير"، أن "المجموعة استطاعت اختراق حواجز الأسطول السادس وأخفت الزورق عن الرادار وحرس الشاطئ. الثانية فجراً، بدأت العملية، واستمرت حتى ساعات الصباح. ووصلت المجموعة الى شاطئ نهاريا، حيث أكبر حامية عسكرية، إضافة الى الكلية الحربية ومقر الشرطة وشبكة الإنذار البحري ومقر الزوارق العسكرية الإسرائيلية (شيربورغ). ثم اقتحمت إحدى البنايات العالية التي تحمل الرقم 61 في شارع جابوتنسكي، وانقسمت قسمين. اشتبكت بداية مع دورية للشرطة، محاولة دخول منزل يملكه أمنون سيلاع يقع على الشاطئ مباشرة. وبعد ذلك، اشتبك أفرادها مع دورية شرطة إسرائيلية، فقتل الرقيب إلياهو شاهار من مستوطنة معلوت.



استطاعت ايضا أسر عالم الذرة الإسرائيلي داني هاران واقتادته الى الشاطئ. اما المعركة الرئيسية، فوقعت عند الشاطئ، عندما حاول القنطار الإقتراب من الزورق، فأصيب بخمس رصاصات في أنحاء جسده. إستقدمت قوة العدو وحدات كبيرة من الجيش، ودارت إشتباكات عنيفة، اثر احتماء سمير وراء الصخور. ونجح في إطلاق النار على قائد قطاع الساحل والجبهة الداخلية الشمالية في الجيش الإسرائيلي الجنرال يوسف تساحور الذي جرح بثلاث رصاصات في صدره. وطمست إسرائيل خبر إصابته بجروح بالغة. لكن، بعد عشرة اعوام، صرّح الجنرال تساحور الى الصحف الإسرائيلية: "لن انسى طيلة حياتي وجه الفدائي الذي اصابني بثلاث رصاصات في صدري. إنه من دون شك سمير القنطار".



الحصيلة النهائية للعملية رست على 6 قتلى، بينهم عالم الذرة داني هاران، و12 جريحاً. أما افراد العملية، فقتل منهم اثنان هما اصلان والمؤيد، واعتقل القنطار والابرص، وأطلق الاخير العام 1985 اثر عملية تبادل.



 


مشوار القنطار مع التعذيب بدأ من اللحظة الاولى. فنقل وهو ينزف دماً إلى شاطئ نهاريا للتحقيق معه. وفي رسالة من داخل سجنه، شرح قصة تعذيبه قائلاً: "لقد صلبت عارياً على حائط، وبدأ جنود الاحتلال يتدربون في فن القتال على جسدي. بقيت تحت الشمس أياما وليال، واقفاً ويداي الى الأعلى مقيدتين بالحائط، ورأسي مغطى بكيس من القماش الأسود انبعثت منه رائحة نتنة. بعد حفلة التعذيب هذه، كبلوا جسدي بالجنازير، والصقوا بأذني مكبرات للصوت تدوي منها صافرة في الرأس، حتى فقدت الشعور والإحساس بالوجود. أقسى ما عانيته عندما وقعت جريحاً، وبدأت عمليات استئصال الرصاصات من دون ان يعطوني مادة مسكنة للألم. وعندما حاولت الصراخ من الألم، أغلقوا فمي. وكنت كلما احضر الى العيادة في السجن لمراقبة الجرح، كان الطبيب يدخل إصبعه في الجرح، بحجة أن عليه التأكد من عيار الطلقات التي اخترقت جسدي. وأثناء التحقيق، كنت اجلس أمام المحقق مكبل اليدين والقدمين، ويطفئ المحقق سجائره في يديّ. كذلك بقيت في زنزانة طولها نصف متر وعرضها نصف متر، وسط الظلمة، فلا اعلم متى يطلع النهار ومتى ينتهي الليل".



 


"نصير السجناء"
الى السجن... مشوار آخر. هناك انتهت المقاومة العسكرية عند القنطار، لتبدأ مرحلة جديدة. لم يبق سجن في اسرائيل الا وزاره: معتقل الصرفند، معتقل عسقلان، معتقل بئر السبع المركزي، معتقل الجلمة، معتقل الرملة، معتقل جنيد، الى ان استقر في معتقل هداريم قرب نتانيا. وفقا لوثيقة العائلة، "خاض سمير نضالات من داخل المعتقل للحصول على الحد الأدنى من شروط العيش الإنسانية. وبشهادة الاسرى الذين تحرروا، وسبق لهم أن رأوه في المعتقل، كان قوي العزيمة معنوياته عالية". ويقول في احدى الرسائل: "رغم السنين الطويلة داخل المعتقل، لا ازال مرفوع الرأس، صامداً بشرف ورجولة اعتز بهما كثيراً".


يُروى عن سمير انه "نصير السجناء". كان عضو قيادي في "اللجنة الوطنية للأسرى داخل معتقل نفحه"، وهي اللجنة التي تفاوض إدارة السجن ومديرية السجون. اشرف ايضا على أوضاع المعتقلين الجدد الذين يعتقلون من جراء الإنتفاضة، تمهيداً لإعدادهم نفسياً ومعنوياً.



 


العالم الانساني والاجتماعي
كان عمر سمير 17 عاما حين اعتقل. لكنه نجح في متابعة تحصيله العلمي داخل السجن. في 1992 التحق بجامعة تل أبيب المفتوحة، وهي تسمح بانتهاج أسلوب التعلم من بعد، وتخصص بمادة العلوم الإنسانية والاجتماعية، وأنهى دراسة الإجازة في حزيران 1997. وكتب بحثين، الاول: "المفاجآت العسكرية في الحرب العالمية الثانية"، والثاني: "تناقض الأمن والديموقراطية في إسرائيل". في تموز 1998، طلب متابعة دراسته العليا في جامعة خاصة موجودة في إسرائيل. لكن إدارة السجن رفضت، معتبرة انه لا يمكنه الدراسة إلا في جامعة عبرية كي تراقب مضمون المواد.



 


5 مؤبدات
عمليات تبادل عدة جرت، ولم يطلق القنطار، تارة بسبب التعنت الاسرائيلي، وطورا بسبب رفض الجهات المفاوضة إطلاقه. ففي 7 تشرين الاول 1984، خطفت "مجموعة من رفاق سمير" سفينة "أكيلي لاورو" الايطالية، وكان على متنها رعايا اميركيون واسرائيليون. وطالبوا بان يطلق مع عدد من الاسرى. ويروي سمير أنه في تلك المرحلة كانت إسرائيل مستعدة لإطلاقه، لكن المفاوضات مع الخاطفين فشلت لظروف أمنية وسياسية، أهمها رفض أي دولة عربية دخول السفينة المختطفة مياهها الإقليمية.



 


ازاء هذا التعنت، حاول الاسرائيليون بشتى الوسائل تطبيق عقوبة الاعدام بحق القنطار. ووافقت الحكومة الإسرائيلية بجميع اعضائها على مشروع قانون بهذا الصدد. إلا أن الإسرائيليين وجدوا انفسهم أمام معضلة قانونية، اذ ان القانون الإسرائيلي لا يسمح بالإعدام. فعزم الإسرائيليون على تخفيف الحكم الى خمسة مؤبدات. وفي 28 كانون الثاني 1980، حكمت المحكمة الإسرائيلية المركزية في تل ابيب على القنطار بخمسة مؤبدات، أضيف إليها 47 عاماً، أي ما يعادل 542 عاما!


يخبر بسام ان "سمير كان من الاشخاص الذين لا يحبون الاستعراض. عشق المقاتل ببعده الثوري، ولذلك اختار الكفاح المسلّح كخيار عملي وليس ايديولوجي فقط". هذا العشق كان وقود صموده في المعتقلات الاسرائيلية. كتب يوما: "لست نادماً إلا على شيء واحد، هو انني منحت في 1979 شرف الدفاع عن أمتي. لكنني حرمت فرصة الدفاع عن بيتي وأهلي وأرضي ووطني أثناء الإجتياح الإسرائيلي في 1982".


 




"العريس الشيعي"


في 16 تموز 2008، أفرج عنه في اطار صفقة تبادل بين "حزب الله" وإسرائيل، وشملت ايضا 4 أسرى لبنانيين من أفراد "حزب الله" القي القبض عليهم في حرب تموز 2006، وجثث 199 لبناني وفلسطيني وآخرين، في مقابل تسليم "حزب الله" جثتي جنديين إسرائليين قتلا في عملية "الوعد الصادق" في تموز2006.



 


في ذلك اليوم، خرجت شخصيات لبنانية رسمية وعامة الى استقباله، في وقت توالت الاحتفالات في عدد من المناطق، احتفاء به، ورفعت لافتات الترحيب به. في 13 تشرين الثاني 2008، انتشر الخبر: "الاسير المحرر سمير القنطار تحول الى المذهب الشيعي، قبل انتسابه الرسمي الى "حزب الله". وقرر الزواج بفتاة من الطائفة الشيعية، قيل انها قريبة أحد مسؤولي الحزب. وأكد القنطار لمحادثيه ان التلويح بترشيحه للنيابة صار من الماضي، بعدما قرر "حزب الله" عدم تبني ترشيحه، خصوصاً بعد المصالحة الدرزية- الدرزية. ونقل قريبون ان أحد مشايخ الطائفة الدروز قال للقنطار: "لماذا لا تبقى على دينك وتحمل الى طائفتك صورة المقاوم المشرّفة؟"، فرد عليه: "في امكانكم كل يوم ان تنتخبوا مقاوماً اذا ما أردتم ذلك". ("نهار الشباب")



 


في 25 تشرين الاول 2008، قلده الرئيس السوري بشار الأسد وسام الاستحقاق في دمشق. وفي 3 آذار 2009، عقد قرانه على الاعلامية زينب برجاوي. وحضر الاحتفال في منزل والد العروس محمد البرجاوي في محلة الجناح، الرئيس اميل لحود ونجله النائب السابق اميل لحود، وفد منتدب من الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، السفير الايراني محمد رضا شيباني، النائب السابق محمد برجاوي، الوزير السابق وئام وهاب، وعدد من الفاعليات. وقال الرئيس لحود: "المناسبة عزيزة جداً على قلبي. وأعتبر سمير القنطار واحداً من ابنائي، واتمنى للعروسين الحياة السعيدة والرغيدة".



 


"انتقام لم يخترعه الشيطان"
حياة رغيدة ربما. لكن الماضي النضالي لقنطار كان يلاحقه. ولم يكن مرحبا به في كل مكان قصده او سافر اليه. في 18 آب 2012، هاجم عشرات السلفيين بالعصي والهراوات مشاركين في مهرجان لنصرة الأقصى في مدينة بنزرت التونسية، احتجاجاً على حضور القنطار وتصريحاته في تونس الداعمة للنظام السوري، وقوله ان ما يجري في سوريا يهدف الى بسط الهيمنة الأميركية- الاسرائيلية في المنطقة.



 


"سوريا الاسد" الملجأ


"سوريا الاسد" ملجأه، لا بل انطلاقته المتجددة الى المقاومة. فحين دعا الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في 9 ايار 2013 الى "فتح جبهة الجولان" في سوريا، كان القنطار احد ابرز كوادرها الاساسية، لاسيما في منطقة القنيطرة قرب الجولان المحتل. وفي العام 2014، أوردت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية انه "خلال الحرب الأهلية في سوريا بنى "حزب الله" بنية تحتية في منطقة الجولان بمساعدة إيرانية وسورية. ويتولى إدارة هذه الشبكة إسمان تعرفهما إسرائيل جيداً: المسؤول الأول هو جهاد مغنية (نجل المسؤول البارز في الحزب عماد مغنية، والذي قضى مع عدد من مقاتلي الحزب واخرين ايرانيين في غارة اسرائيلية في سوريا في كانون الثاني 2015)؛ والثاني هو سمير القنطار، الدرزي اللبناني الذي حُرر سنة 2008 ضمن صفقة تبادل للأسرى بين إسرائيل و"حزب الله".



في 8 ايلول 2015، صنّفته وزارة الخارجية الأميركية "ارهابيا دوليا"... وبالتأكيد لم تنسه اسرائيل. في قول مأثور لرئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن: "في ما يتعلق بسمير القنطار، فاننا نفكر بانتقام لم يخترعه الشيطان". يوم استعاد حريته، تحقق فشل اسرائيل في الانتقام منه. ولكن بعد 7 اعوام، تمكن منه "الشيطان".



 


[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم