الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

روسيا والسّياسات الغربية

فرحان صالح
A+ A-

... أن يكون لروسيا دور يتلاءم و حجم مصالحها، فهذا من البديهيات. إلا أن السياسة الروسيّة لم تصطدم باستراتيجية الولايات المتحدة التي تحاول أن تطرح حلولاً منفردة في توزيع أدوار على هذا الطرف أو ذاك فحسب، بل اصطدمت بنزعة قومية مماثلة يمثلها أردوغان الذي يحاول أن يلعب دوراً قومياً، وهو يسعى بعد نجاحه في الانتخابات الأخيرة إلى التأكيد على مصالح تركيا مع محيطها خصوصاً مع سوريا والعراق. وهذه المصالح تصطدم بها روسيا في سوريا، خصوصاً أن أردوغان الذي يشاطر الولايات المتحدة سياساتها الشرق أوسطية يتوجّس خوفاً من الدعم الأميركي للأكراد الذين يحاولون أن يرسموا صورة لوطن قومي يضم كل من أكراد تركيا وإيران وسوريا والعراق.


إنه صراع بين القوميات التركية والإيرانية والروسية، وبين ما ترسمه السياسات والمصالح الأميركية العالمية. ممّا سبق، نرى المقاربة التي لا يمكن إنكارها بين مصالح هذه الدولة أو تلك مع "داعش"، فتركيا تحاول الاستفادة من "داعش" واستخدامها لإفشال المشروع القومي الكردي. كما أنّ "داعش" توفّر مبررات ملموسة لإيران لتأكيد نفوذها في كلّ من سوريا والعراق، بالإضافة إلى أنّ السعودية تريد من "داعش" أن تشكّل سداً في وجه السياسات والمطامع الإيرانية، ليس فقط في سوريا والعراق، بل في اليمن أيضاً، وهذا ما هو متحقق على أرض الواقع. إنّ "داعش" هي شركة قابضة يسيّرها مايسترو دولي، وهي موجودة لأن الجميع يحتاج اليها، إذ أنّها تمثل مخرجاً وتبريراً لكل الأطراف المتصارعة.
إذا أردنا اختصار الصراع، فإنّنا نرى أنّ هناك صراعاً على النفوذ بين أيديولوجيات أربع، هي: الأيديولوجيا الصهيونية التي تشكل خطراً على الجميع، والأيديولوجيات الدينية لولاية الفقيه الإيرانية، والوهابية السعودية، وجمعية الإخوان المسلمين العالمية.
هل تستطيع روسيا وإيران، وكذلك السعودية وتركيا، الدعوة لمؤتمر حل سلميّ في سوريا؟ وهل لها مصلحة في ذلك؟ أو أن كل دولة من هذه الدول أصبحت تدافع عن نفسها، خصوصاً أن النظام السوري بعد تفكّكه وتعدّدية المتدخلين في خياراته الداخلية، أصبح قراره في يد الخارج، مثله مثل وضعيّة المنظمات المعارضة التي تموّلها هذه الدولة أو تلك؟ وما هي نوعيّة التسوية التي يسعى لها هذا الطرف أو ذاك، خصوصاً أنّ هناك من لا يعترف بقوى المعارضة التي يمكن أن تكون شريكاً في التسوية، معتبراً أنّه لا وجود لإسلام معتدل يمكن التفاوض معه، كما أنّ هناك من يدعو مسبقاً لاستبعاد الأسد من أيّة دعوة الى مؤتمر يعالج الوضع السوري؟
إن الإسلام المعتدل هو الإسلام المدجّن، والذي يرضخ للنظم الاستبدادية، وبالتالي فهو مرتهن لسياسة الدول الامبريالية ومدافعاً عن مصالحها؟ إن الجميع هم بيادق تلعب بها الامبريالية، وليس من تفرقة بين نظام أو تنظيم، لذا فالحلول حين تنضج ستحاول الولايات المتحدة فرضها، موزعة المهمات والهدايا والألقاب على من تعتقد أنّهم يمثلون ما تريده، وقد تكون روسيا كما إيران وتركيا من الخاسرين في الملف السوري.
إنّ إعادة صياغة جغرافيات هذه المنطقة هو من أهداف الولايات المتحدة، وها هي تحرك الصراعات الطائفية والعرقية والقومية بأيدٍ عربية وإسلامية، وبأيدٍ روسية أيضاً.
إنّ الصراعات القائمة تستفيد منها مرحلياً ليس "داعش" فحسب، وإنما توظف لخدمة المشروع الامبريالي. فروسيا لها مصالحها المشروعة مع الشرق الأوسط، مثلها مثل تركيا، والتي ليست شريكاً ضعيفاً يمكن الاستغناء عنه في أية تسويات. نقول هذا ونعرف أن دول المنطقة جميعها موضوعة كمقص في يد الأميركي، حيث أن الإسلام التركي - السعودي - الإيراني ذاته، ما زال، يرسمه النظام الرأسمالي العالمي وسياسات الولايات المتحدة الخارجية.
إنّ جميع المنضوين في المنظمات الإسلامية يقاتلون أسباب أميّتهم وفقرهم وأمراضهم، فهم يقاتلون منطلقين من اعتقاهدم الإيماني بوجود حياة ما بعد الموت ـ الجنة ـ وهي الأفضل، ففيها اللبن والعسل والحوريات، وبالتالي فما لم يحصلوا عليه في هذه الأرض قد يتوافر لهم هناك. لقد تكرّس هذا الاعتقاد عند جميع القوى الاسلامية المشاركة في الحرب، خصوصاً أنهم يفتقدون مشروع حياة يعطيهم أملاً بواقع أفضل من الذي يعيشون فيه.


هناك شعارات يطرحها هذا الطرف أو ذاك، لا أفق لها ولا يمكن تسويغها، فما ترسمه الولايات المتحدة هو خرائط طائفية، والحروب ذاتها تُخاض باسم الإسلام، خصوصاً أنّ مشروع الولايات المتحدة يتضمن تهجير المسيحيين، كل المسيحيين من الشرق الأوسط، من العراق كما سوريا، ولبنان على اللائحة.
إنّ أزمة الشرق الأوسط التي تداخلت فيها المصالح الإقليمية والدولية، هي أزمة عالمية، وأوروبا ومن خلال ما حصل في فرنسا، ومن خلال ردود الفعل المبطنة الفرنسية وغيرها، كلها توحي أنّ هناك في أوروبا قوى اجتماعية تسعى لإحياء المكبوت الديني المسيحي، مترافقاً مع نهوض الفاشية والعنصرية والعصبويات القومية. إنّ للألوهيّة الدينية ديمومة قد تخبت حيناً ولكنها لن تنتهي!


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم