الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

تعليق - قشرة موز

سناء الجاك
تعليق - قشرة موز
تعليق - قشرة موز
A+ A-

بمعزل عن معركة التسوية للإتيان بالنائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية الغارقة في غيبوبة المؤسسات والادارات، لا بد من التوقف عند المأزق الذي وقع فيه رئيس الوزراء السابق سعد الحريري جراء مشاركته في هذه التسوية. ففي حين بدت الفكرة في بداية طرحها كأنها ضربة معلم كفيلة فرط عقد قوى "8 آذار"، وتحديداً فرط "ورقة التفاهم" بين زعيم "التيار الوطني الحر" ميشال عون و"حزب الله" وفرط القاعدة الشعبية للجنرال بعد خيبة لا شفاء منها، جاءت التطورات لتظهر انها قد تتحول الى ضربة، ربما قاضية للحريري وحده دون سائر القوى السياسية.
فالواضح ان التسوية لا تغيّر وضع كلٍّ من رئيس مجلس النواب نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، سواء نجحا أم فشلا في مساعيهما. على العكس ربما تمهد لهما، لإخراج رغبتهما الدائمة والكامنة بإيصال مرشح وسطي معتدل يحبذانه، كالنائب والوزير السابق جان عبيد على سبيل المثل.
وفي حين يتحسن وضع كل من رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع والجنرال عون كلما قاوما مصادرة القرار المسيحي، ويثبّت قواعدهما الشعبية ويوسّعها، الأمر الذي أرغم حزب الكتائب على اللحاق بهما، وفي ضوء ما يتم تداوله من شروط يفاوض "حزب الله" عليها، بعضها مستحيل وبعضها مذل، اذا قبل بفرنجية رئيساً، نتبيّن ان الحريري سيدفع وحده دون غيره ثمن معركة التسوية، مهما كانت النتائج.
فقد تم تسويق الهدف من تبني الحريري ترشيح فرنجية، هو عودته الى رئاسة الحكومة، ما يعني أن الطرف الآخر سيطالبه بالكثير الكثير لأن الفرصة سانحة ولأن اللعب على تناقضات اللحظة وحماوتها متاح، تالياً عليه ان يدفع ثمناً أكبر مما دفعه منذ انخراطه في الشأن العام بعد اغتيال والده. هذا بالاضافة الى خسارة الرجل المزيد من الحلفاء من دون ربح بدلاء لهم في المعسكر المواجه، وذلك من دون اغفال الخسارة الشعبية التي ترافق تطورات تعقيدات التسوية.
هذه البيّنات لا تؤدي الا الى إبعاد الحريري عن الرئاسة الثالثة. أكثر من ذلك، ربما تؤدي الى استبعاد اي شخصية تدور في فلك خطّه السياسي عن نادي رؤساء الحكومة، وتصبح المطالبة بشخصية سنّية حيادية لتولّي هذا المنصب الذي لا وصول اليه إن لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية، ما يعني إقصاء "تيار المستقبل" في المرحلة المقبلة، على اقل تقدير، عن مساحة القرار. هذه البيّنات تؤشر مرة جديدة الى ان الهدف الحقيقي من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان ولا يزال اغتيال كل ما يمت اليه بصلة، ومهما تغيرت الظروف وتبدلت الأوضاع لا يزال العمل لتحقيق هذا الهدف جارياً وبحنكة تفوق بكثير قدرة الحريري وفريقه السياسي على اللعب فوق حبال السياسة المحلية والاقليمية والدولية كما يفعل "حزب الله" ومن خلفه ممن يتحالف معهم.
والا، كيف نفسر تحوّل ترشيح فرنجية الى سرقة للقرار المسيحي، وكلنا نعرف أن فرنجية لم يكن ليجتمع بالحريري من دون ضوء اخضر من "حزب الله" ومعه مرجعيته الايرانية وبشار الأسد؟
كما نعرف ان سعد الحريري لم يكن ليقدم على هذه الخطوة من دون مشاورات واتصالات مباشرة وغير مباشرة مع الخصوم قبل الحلفاء. وربما هذه هي نقطته الضعيفة. كيف يمكن تفسير المواقف الأخيرة التي تشير الى أن إيران والأسد لن يرغما الحزب الإلهي على أي قرار، وهو بدوره لن يرغم حليفه الجنرال على التنازل عن ترشيحه.
واذا كان الاتفاق في صفوف فريق "8 آذار" وحلفائه الاقليميين على الإتيان بفرنجية رئيساً، فلِم لا يتم استغلال الفرصة لإعطاء عون حصة الأسد في أي تشكيلة حكومية، هذا ناهيك بملفات قانون الانتخاب والمحكمة الدولية واستصدار شرعية رسمية لمشاركة الحزب في الحرب السورية... اما اذا كان الهدف استخدام ورقة ترشيح فرنجية للرئاسة قشرة موز انطلقت من مواقف ايجابية لـ"حزب الله" وبقيت من دون رصيد لتساهم بانزلاق الحريري الى خسارة جديدة، قد لا يستطيع النهوض من بعدها، فالظاهر ان الكبوة هذه المرة ستكون قاسية وقد تؤدي الى ضرر بالغ على اصعدة تبدأ من السعودية ولا تنتهي في عواصم القرار الدولية.
واذا فكر الخصوم في ما قد يناله الحريري اذا نجحت تسويته، يمكن توقع أفق المعركة الراهنة للوصول الى الهدف الثابت لدى هؤلاء الخصوم. واذا استعرضنا ما حصل ويحصل منذ تسريب خبر اجتماع الحريري بفرنجية في باريس، تبيّن لنا ان الخاسر الأكبر هو من لم ينتبه الى قشرة الموز، فاستعجل وهرول سعياً الى التسوية قبل ان يحدد الخطوط العريضة التي تصب في مصلحته.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم