السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

ما علمني إياه جبران

المصدر: "النهار"
ڤيرينا العميل- طالبة في جامعة القديس يوسف
ما علمني إياه جبران
ما علمني إياه جبران
A+ A-

في البدءِ كان الكلمة وكان الكلمة لبنان. فيه كانت الثورة والاندفاع والحرية والحياة؛ وهذه كانت نور الناس؛ والنور يضيء في الظلمة، يوقظ الناس؛ والظلمة لم تدركه.


مُكرَّسٌ للكلمة وصاحب رسالة الوطن، جاءنا #جبران_تويني ليشهد للنور، لكي يؤمن الكل بواسطته بالوطن. وترك لنا ميراث "النهار"، ديكاً يصدح لكلمة الحق عند بزوغ كلّ فجر.
خافوك فقتلوك يا جبران، لأنّ أبناء القبور هابوا وهجك، فرفضوا جسر العبور، من العتمة الى النور. فأَسكتوا الكلمة ولم يفلحوا، حاولوا ان يدفنوك تحت التراب، لكنهم لم يعرفوا أنهم في التراب زرعوا بذوراً. بذور جبران نبتت أفكاراً في كل شاب وأثمرت عقولاً وهّاجةً تضجّ حباً بالوطن.
الأحمر عندهم دماء أمّا عند الشرفاء فما هو إلا لون الورد. حاولوا أن يسحقوا وردة الورود، لكنهم لم يعرفوا انه سيبقى لها العطر يعبق شذاه في أرجاء الوطن ويذكّر هؤلاء بهزالة وجودهم.



لقد مرّت السنون وبقينا على عهدك، دفاعاً عن لبنان العظيم. غبت أنتَ ليبقى هو. لكنك لم تفنَ مع الرماد، فقد خُلّدت مع أرزه، وتمجّد اسمك مع اسمه. تمازجتما، فأغرقتَ دمك بترابه لتبقى أنتَ الحقيقة وهو الحلم المرتجى.
أنت يا من كرهت التمديدات في ذاك العهد الاسود الذي مضى، حيث لم يجرؤ في ظله أحد على الاعتراض، وقفت ببسالة معترضاً، بشجاعةٍ محارباً. والفاجعة الأكبر من غيابك عنا اليوم هي ظاهرة التمديدات و"موضة" الفراغات، هذا في ظل أوضاع عادية نسبياً لا بل ذهبية في ما خصّ حريّة التعبير عن الرأي نسبةً لما كانت عليه في أيامك يا جبران. مساوماتٌ وتأجيلاتٌ وشلٌّ لمؤسسات الدولة وتعطيلٌ لدورها وسحقٌ لهيبتها... هذه هي الحال عندنا يا جبران.
وماذا بعد! ... حوارٌ وطنيٌّ امتد طويلاً، انسدّ أفقه، ووُئد قبل أن يولد؛ أساتذةٌ يعتصمون؛ عمّال يطالبون برفع الحدّ الأدنى لمستوى الأجور؛ أدمغةٌ وأصحابُ أحلامٍ يهاجرون؛ نفاياتٌ وتلوّثٌ بين المنازل على صحة المواطن يقضون؛ حراكٌ واعتصاماتٌ وشبابٌ بتغيير نظامٍ سياسيٍّ أكل الدهر عليه وشرب يطالبون... لكن... على مَن تقرأ مزاميرك يا داود؟
ماذا ينقصنا لحلّ أزماتنا هذه؟ لربّما ينقصنا جبران تويني، "الصوت الصارخ في البريّة". ينقصنا حسم جبران، حزمه، شجاعته، إقدامه الذي كان يقطع الطريق أمام المساومات والتسويات السياسية القائمة على حساب مصلحة الوطن... أَوَليتهم منك يتعلمون ويتّعظون!
لن نطلب الصلاة من أجلك يا جبران بل نطلب منك ان تصلي لنا من فردوسه تعالى حيث أنت، ليخرجنا من هذه الجحيم التي اتلفت اعصابنا واضرمت نفوسنا.



ليس بالثورة وحدها تحيا الاوطان، انما الثورة على انواعها (فكرية، فلسفية، شعبية...) بداية النضال. فثورة الأرز لم تكن وحدها أمانة جبران إنّما الشباب اللبناني (الى جانب الصحافة) الذي شكّل الركيزة الاهم في نضال جبران. فبنظره، الشباب يشكّلون قاعدة المجتمع إمّا يكونون أملاً تأمل الأمة فيه أو ألماً تتألم الأمّة منه لأن القمة لن تعدل إلّا اذا استقامت هذه القاعدة. فآمن جبران باندفاع الشباب وبقدرتهم على تغيير الواقع بدلاً من التكيّف معه، فأنشأ لهم "نهار الشباب" حيث فتح المجال ايضاً أمام المعوقين والمصابين بأمراض عضال لإثبات نفسهم والتعبير عن رأيهم فيها.
مع رحيله، لم يغب جبران عن بال الشباب حتى الذين لم يعرفوه منهم. سأبدأ من نفسي وأنا لم أكن أناهز العقد الأول من عمري عندما استشهد جبران، لكنّه طبع شخصيّتي وكبرت معه، وفهمته بمقالاته واندفعت في سبيل الوطن بأفكاره وآمنت بلبنان والحريّة والتغيير بإنجازاته، ومسكتُ القلمَ وأحببتُ الصحافة تيمّناً بهِ.
من بعده، حجم الاحباط بات كبيراً لكن حجم الايمان أكبر. منه نستمدّ قوّةً شجاعةً وثبات، ونستقي ثقافةً وطموحاً وقيماً ومبادئ. ومنه نتعلم مواجهة الخارج والهروب من المكتوب، فمواقفه كانت ولا تزال الحقيقة المطلقة لخلاص لبنان.
لن يخفت الصوت لن نخاف، دماؤك يا جبران لن تذهب هدراً، سلاح الكلمة سيبقى غالباً أبداً. سنبقى مؤمنين بأنفسنا وبوطننا ولن ننجرف وراء زعيم سياسي او حزب لنبقى أحراراً. فالحريّة هي الشيء الوحيد الذي يجعلنا نشبه أنفسنا وتالياً هي ما لا يمكن أن نساومَ عليه.
سنحمل لواء شهادتك يا جبران، مثلك سنقاوم حتى الرمق الأخير. قسمك سنترجمه فعلاً، إن ليس إخلاصاً للوطن فسنفعله وفاءً لك. لتبقى الكلمة الفرق بين الظلمة والنور.



على وعدك نحن سائرون، بوحدتنا سوف نجابه الخارج والاستغلال؛ بإيماننا سوف نصون الاستقلال؛ سيبقى كما اردت، الهلال متحداً بالصليب، فلبناننا طائر الفينيق والحرية به تليق.
قد ينعتونا بالحالمين إكراهاً، لكنّ هذا في الواقع إطراء، فهو اعترافٌ ضمنيّ أننا نحن الأحياء وهمُ الأموات، فالموتى هم الذين لا يحلمون!
لولا صياح الديك لما لحظ بطرس خطيئته. هكذا، بصياح ديك نهارك أيقظتَ الضمير الحيّ النائم فينا، ذكرتنا بلبنان وبواجبنا الوطني، ذكرتنا بالانسان.
يا مَن اقتحمتَ الوغى بالغارِ، وحاربتَ الموتَ بالاستشهادِ، أبواب الجحيم لم تقوَ بالامس عليك وهي لن تقوى علينا اليوم ولا على وطننا غداً. فنهارك أقوى وكلمتك "مستمرة، مستمرة، مستمرة".


 


مباركٌ هو من دفن الحقد والثأر، وحمل لواء الله والوحدة والدفاع عن الوطن، فأقسم وقطع العهد حتى الممات، ليبقى صدىً يطنّ في الآذان بعد عشر سنوات. مباركٌ الكبير العملاق، الذي سقطت الملذات، من مظاهر وسلطة ومال ومناصب، من عينه ليقدّم نفسه قرباناً على مذبح الوطن، عربوناً للكلمة.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم