السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

كيف صنعت أميركا وإيران "داعش"؟

واشنطن - حسين عبدالحسين
A+ A-

أميركا وايران صنعتا تنظيم "داعش"، لكن ليس بالطريقة التي تتهمان بعضهما البعض بها.
وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون لم تقل ان حكومة الرئيس باراك أوباما خلقت التنظيم الارهابي، على عكس ما يروج مؤيدو ايران، ولم تقدم طهران المأوى لزعماء "تنظيم القاعدة" بالصورة التي يرسمها اصدقاء الولايات المتحدة.


"داعش" هو نتيجة ما كانت تعتقده واشنطن حذاقة في ديبلوماسيتها الدولية في اقامة "التوازن الاقليمي" بين السنة والشيعة، ثم محاولتها نشر الديموقراطية، ثم عودتها الى التوازن، ثم تخليها عن المنطقة برمتها.
"داعش" هو ايضا نتيجة العداء القديم بين "عراق عجم" الشيعي، على ضفاف دجلة، و"عراق عرب" السني، على ضفاف الفرات. بعد نهاية الحرب العراقية - الايرانية في العام ١٩٨٨، تحول الصراع العربي - العجمي صراعا باردا، الى ان اجتاحت اميركا العراق واعادت هذا الصراع الى ذروته.
وتقلّب الولايات المتحدة في سياساتها الشرق الاوسطية هو المساهم الاول في انتاج الفوضى الحالية التي انتجت بدورها "داعش".
مع الشاه رضا بهلوي، دعمت أميركا ايران لتنتزع شط العرب من العراقيين. ثم مع نظام الملالي، ساندت أميركا العراقيين في حربهم ضد الايرانيين، لكن من دون ان تتخلى عن علاقاتها السرية مع ايران، كما اتضح لاحقا في زيارة مستشار رونالد ريغان للامن القومي ماكفرلين طهران ولقائه القيادي الثوري الشاب يومها حسن روحاني. بعد ذلك، كانت فضيحة "ايران كونترا غايت"، والافراج عن الرهائن الغربيين في بيروت، وهو ما كشف عن علاقات اميركية - ايرانية سرية أظهرت ان اميركا لم تكن يوما بعيدة عن ايران ذلك البعد الذي دأب الطرفان على تصويره.
بعد هجمات ١١ ايلول، انقلبت المفاهيم الاميركية، واعتقد طاقم المحافظين الجدد، الذي سيطر على ادارة جورج بوش الاولى وانحسر في الثانية، ان سياسة "التوازن الاقليمي" حافظت على ديكتاتوريات انتجت بدورها شبابا محبطين صبوا غضبهم على أميركا. كسر المحافظون الجدد "التوازن الاقليمي" وحاولوا استبداله بديموقراطية في العراق اعتقدوا انها ستنتشر في عموم المنطقة. ولم تفطن ادارة بوش الى ان المنطقة الممتدة من حدود الهند الى الأطلسي تفتقر أدنى مقومات الديموقراطية، فتحول العراق فوضى استغلتها ايران للانتقام من اركان نظام صدام حسين، ثم سنّة العراق عموما.
والتعاون الاميركي - الايراني في العراق بدأ منذ اليوم الاول للاجتياح الاميركي، فواشنطن اعتقدت انه يمكن لتعاونها مع ايران الشيعية ضد الارهاب السني في افغانستان والعراق ان يصيب عصفورين بحجر: القضاء على الارهاب واعادة وصل ما انقطع مع طهران منذ العام ١٩٧٩. هكذا، طار السفير ريان كروكر سرا الى جنيف للقاء الايرانيين، وبدأ التنسيق حول البلدين. والى جانب قناة جنيف، كان للاميركيين قنوات متعددة، مثلا من طريق النائب العراقي الراحل احمد الجلبي، المحرض الاول على الغزو بتقديمه معلومات استخبارية خاطئة حول برنامج اسلحة الدمار الشامل العراقية.
واستمرت ايران في رسم سياسة الاحتلال الاميركي في العراق، التي تصدرها قانون "اجتثاث البعث"، الذي أجج بدوره الشعور السني بأن الحرية الاميركية في بلادهم هي في الواقع انتقام ايران الشيعية منهم، وهو ما بدا جليا في محاصرة دبابات رئيس الحكومة الشيعي السابق نوري المالكي منزل نائب الرئيس السني السابق طارق الهاشمي صبيحة اليوم الذي تلى الانسحاب الاميركي نهاية العام 2011.
ولننظر الى الأمور من وجهة نظر زعيم "داعش" ابرهيم السامرائي، الذي يكني نفسه بأبي بكر البغدادي، ومن وجهة نظر كبار قياديي التنظيم، ومعظمهم ضباط بعثيون سابقون من جيل البغدادي، ما يعني ان غالبيتهم مواليد النصف الثاني من الستينات والنصف الاول من السبعينات. وعي هؤلاء الشباب بدأ يتشكل مع بداية حرب بلادهم الطاحنة ضد ايران، تلتها حرب الكويت وحصار اقتصادي خانق دام 12 عاما، ثم الاجتياح الاميركي واجتثاث السنة، حتى من انخرط منهم بالعملية السياسية او قاتل لطرد "القاعدة في العراق".
لقد ساهمت السياسات الاميركية تجاه العراق، منذ منتصف السبعينات، في صناعة جيل يألف القوة كلغة وحيدة للحوار، اجبره الحصار على اقامة شبكات مالية خارج النظام الاقتصادي العالمي، وهي الشبكات نفسها التي يستخدمها "داعش" اليوم لتمويل نفسه. كما يلجأ التنظيم لاساليب قمعية هي اساليب نظام صدام نفسها، ما دفع شيعة العراق الى اطلاق تسمية "البعثيين الدواعش" على افراد التنظيم، وهي تسمية صحيحة.
اما اسلامية "داعش" فهي اكتمال لعملية الأسلمة التي انطلقت مع الثورة الايرانية في العام 1979، واجبرت صدام وبعثه العلماني على الالتحاق بها بعد العام 1991.
من المفيد لأميركا ان تعرف ان البغدادي وصحبه هم جزئيا نتاج سياساتها. ومفيد ايضا لايران ان تعلم ان الثأر لن يولد غير "داعش"، وان لا انتصار شيعيا ممكن ضد سنة العراق او سوريا، لا في حرب الثمانينات، ولا في الاجتثاث في العراق، ولا في الحرب ضد الارهاب في سوريا والعراق.
لن تتم هزيمة "داعش" بالمقاتلات الاميركية، ولا الروسية، واليوم الفرنسية والبريطانية، فالحل لـ "داعش" هو على الارض وفي استبدال العدالة بالعنف، ان كانت العدالة لضحايا الدجيل وحلبجة، او لاسقاط أميركا طائرة الركاب الايرانية فوق الخليج، او لاغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري، او للبعثيين الذين طاردتهم "فرق الموت" في العراق.


صحافي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم