الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

سفيتلانا ألكسييفيتش تستدعي القصف الروسيّ لسوريا: "وكأنّ العالم حيث نعيش مستعملٌ"

المصدر: "النهار"
رلى راشد
سفيتلانا ألكسييفيتش تستدعي القصف الروسيّ لسوريا: "وكأنّ العالم حيث نعيش مستعملٌ"
سفيتلانا ألكسييفيتش تستدعي القصف الروسيّ لسوريا: "وكأنّ العالم حيث نعيش مستعملٌ"
A+ A-

حين أطلّ الفرنسي #ألبير_كامو قبالة المُحتشدين في مقرّ بلدية استوكهولم في خمسينات القرن المنصرم، تبدّى ومنذ هنيهة كلامه الأولى أن الرجل المتكوّر على تواضعه والمكلّل بتاج الإمتيازات الأدبية أي "نوبل" الآداب، أفاد من الضوء المُسلّط عليه ليحوّل شيئا منه صوب ما عاينه "نبل مهنة الكتابة".


أراد كامو في خطابه الإستثنائي الذي لا يزال يتردّد كوصية في أروقة معاقل الآداب العالمية أن يحيد عن السيرة الذاتية وأن يضع المؤلِّف إزاء دوره وأن يدفع به ليستريح في المطرح المناسب وفي وسط صفاته الأكثر ملاءمة. تَحدّث عن الكاتب الحسّاس والعنيد وغير العادل والشغوف بالحريّة والمرصود خصوصا لكي يستنبط من كينونته المزدوجة الإبتكارات التي يعاند لتشييدها، في وسط حركة التاريخ المدمّرة.
كان كامو على نحو ما ضحيّة عجلة التاريخ التي سحلت الآلاف على اختلاف مشاربهم وولاءاتهم، خلال عقود طويلة من القرن العشرين، وكان العالم يومذاك ثنائي القطب ألقي في صراعات متناسلة حرّكتها المطامع التوسّعية والرغبة في تطويع ناس القلم. جاء كامو إلى المنصة الدوليّة لكي يذكّر بدور الكاتب غير المنفصل عن الواجبات الصعبة، جاء ليقول انه يستحيل عليه أن يخدم أولئك الذين يصنعون التاريخ وانه يجب عليه، على نقيض ذلك، أن يكون في خدمة أولئك الذين يخضعون له.


يتَعذّر فصل محتوى مداخلة كامو عن تاريخ النطق به في العاشر من كانون الأول من عام 1957، في مرحلة حيث تراءى الفوز بحريّة التعبير الجائزة الكبرى، وحيث وعلى حدّ قول كامو في الخطاب عينه، شهد مسقطه مأساة لا تنتهي و"أُجبر كتّاب في أوروبا ومن بينهم أولئك الأبرز، على الصمت".
إنقضَت ثمانية وخمسون عاما على خطاب الفرنسي وابن الجزائر وأمير العبث كامو، وها هي الكاتبة البيلاروسيّة سفيتلانا ألكسييفيتش تسلك المسار عينه وتقدُم إلى استوكهولم مظفّرة بأرفع التكريمات الأدبية. ها إنها تعيد السكن في بؤرة الضوء ملقية خطاب نيلها "نوبل" الآداب 2015، لتتراءى المرأة الكاتبة موكلة بالتحدّث بلسان نساء كثيرات. ها هي تعلن ومن دون مواربة أنها لا تشعر بوحدتها وهي تقف عند المنصة وأن أصوات كثيرة تحوطها، أصوات بالمئات رافقتها منذ الطفولة.
بدءا من عنوان خطابها "في شأن المعركة الخاسرة" بيّنت الصحافية الآتية من التوثيقي إلى امتياز التخييل الأرفع، أنها تنوب عن الآخرين والأخريات خصوصا، والحال انها وزّعت نصها في جوقة من ثلاثة أصوات نسائيّة لتعبّر كل امرأة عن مرارة الخضوع للتاريخ، تماماً مثلما تصوّر كامو، وإن ليس في أسلوبه.
ها نحن في وسط "عالم النساء" كما تعاينه ألكسييفيتش يتقدّم على وقع قدر تقسّمه وفق حقبات عدة، هناك 1980–1985 بداية، ثم 1989 فـ1990–1997 وفي جميع هذه المراحل يحلّ الإصغاء كخريطة طريق تأليفية. والحال ان ألكسييفيتش تسرد في هذا السياق كيف تلتقط الكلمات والجمل خلال اجتيازها الشوارع وكيف تستدرج إلى التفكير في الروايات المختفية قبل أن تولد.
تستعير ألكسييفيتش الفرنسي فلوبير لتجزم انها ليست مثله "قلماً بشريا" بل هي "أذن بشريّة"، ولا تلبث أن ترصد واقع عيشنا، راهنا ومجددا، في عالم القوّة حيث يحارب الروس أشقاءهم الأوكرانيين. تزيد "والدي بيلاروسي ووالدتي أوكرانيّة. وهذه حال الكثيرين. تقصف الطائرات الروسيّة سورية ... جرى استبدال زمن كامل من الأمل بزمن من الخوف... وكأنّ العالم حيث نعيش مستعملٌ".
تأمّل كامو مسالك التطوّر فأشار إلى اقتناع كل جيل بقدرته على تغيير العالم، بينما قامت مهمته الأكبر على منع العالم من التفكّك.
يجعلنا كلام كامو نؤمن أن إحداث الفرق عند الشعوب وفي كل المراحل، قدر لا فكاك منه، في حين تستدرجنا ألكسييفيتش، من حيث لا تعي ربما، إلى أجندات الخيبة.
إنها المفارقة بين زمنين ربما، زمن إحترف صناعة الأحلام العظيمة وزمن إحترف التأكيد أنها تحطّّمَت.


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم