الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ويك أند أميركي في مراكش: الكلاشنيكوف أم السينما؟

المصدر: "النهار"
ويك أند أميركي في مراكش: الكلاشنيكوف أم السينما؟
ويك أند أميركي في مراكش: الكلاشنيكوف أم السينما؟
A+ A-

ويك أند أميركي طويل بدأ الجمعة الفائت في مهرجان مراكش السينمائي (4-12 الجاري). فرنسيس فورد كوبولا وإبنته صوفيا ومعهما بيل موراي كانوا ضيوف افتتاح الدورة الخامسة عشرة من التظاهرة السينمائية الأهم على أرض المملكة. كوبولا يرأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية التي تضم 15 فيلماً (من أصل 93 تُعرض في مراكش)، فيما موراي يشارك بصفته مكرّماً. "انها أفلام تعرّفنا الى العالم"، يقول مخرج "العرّاب" في جلسة خاصة لنا معه، قبل أن يعترف انه لا يأبه كثيراً للمهرجانات السينمائية وانه يأتي الى المغرب حباً بالمكان والناس الطيبين (من دون ان ينسى ذكر المطبخ)، وهذا كله يمنحه الشعور بأنه يعيش في زمن "ألف ليلة وليلة".


ابنة كوبولا، صوفيا، هي مَن سلمت جائزة "النجمة الذهب" الى موراي، ابن الـ65 عاماً، الذي ادارته في "تائه في الترجمة" قبل 12 سنة. صوفيا التي صرحت قبل أيام قليلة لـ"نيويورك تايمس" ان موراي ملهمها. في كل حال، أضفى الممثل الأميركي على أمسية الافتتاح لمساته الطريفة المحببة، فأصر على أن يتكلم بفرنسية مكسرة، تحرش بمقدم السهرة لوران فيل، وجّه تحية الى كل مَن خطر في باله، أقرّ بأنه قبِل بالدعوة لأنها تأتي من المغرب. التفت الى الذين عملوا معه في "روك القصبة" (فيلم الافتتاح من اخراج باري لافينسون) و"الذين لم يستطعوا الحضور لأنهم ليس لديهم ثياب رسمية". هرّج قليلاً، هرّج كثيراً. كان ثرثاراً. شريط مؤلف من أفلامه ذكّرنا بدوره في "توتسي" لسيدني بولاك. تطرق الى اعتداءات باريس الارهابية وهجوم سان برناردينو الذي وقع قبل الافتتاح بقليل. عبّر عن قلبه المحطم بسبب هذا العنف المستشري، معتبراً اننا نعيش تداعيات انعدام التواصل بين البشر. بالنسبة اليه، تكريم مماثل يقول في طياته انه بات في نهاية مسيرته. حاول ان يرفع المنبر من مكانه، ليثبت انه لا يزال قوياً وفعالاً، فأثار ضحك الجمهور، قبل ان يمازحنا بالقول: "اذا لم تحبوا الفيلم، احتفظوا برأيكم لأنفسكم". طبعاً، لم يكن اختيار الفيلم موفقاً. مغامرات أميركي في كابول بنظرة كاريكاتورية. أنجز باري لافينسون (تغيب عن الافتتاح)، شريطاً يمنح الانطباع بأنه مشغول بعجل. حتى بيل موراي في دور مخبول يعجز عن خطف ابتسامة ولو صغيرة من وجه المُشاهد. الركون إلى فيلم معين لافتتاح أي مهرجان، صار من المهمات الصعبة التي تخضع لاعتبارات لا تكون سينمائية فحسب. فـ"روك القصبة" مثلاً، الذي تدور حوادثه في أفغانستان تم تصويره في المغرب، وهذا كان سبباً أساسياً في ترشيحه للافتتاح.


تأسس مهرجان مراكش غداة اعتداءات 11 أيلول، وها ان العالم يشهد فصلاً جديداً من فصول الارهاب المتنقل من مدينة عربية الى عاصمة أوروبية. عاصر المهرجان عقداً ونصف العقد من تاريخ الارهاب الأممي، ولا شيء تغير، لا بل زادت التدابير الأمنية والاجراءات الوقائية. في الأشهر الماضية، اعتقلت السلطات المغربية عدداً من المشتبه في ارتباطهم بالإرهاب. في حين ان مراكش، عاصمة الـ"بلينغ بلينغ" في المغرب، تطورت وباتت في غضون ذلك، الوجهة السياحية الاولى في المغرب. وقع قصر المؤتمرات حيث مقر المهرجان تحت حراسة مشددة، الداخل اليه مفقود والخارج منه مولود. عناصر الأمن ينبشون حتى محفظة المسؤولة عن الصحافة العربية وهي تتوجه مع الصحافيين الى المؤتمر. مع ذلك، حشد المهرجان أعداداً لا بأس بها من الفضوليين خلف ستائر الحديد، ينتظرون وصول أعضاء لجنة التحكيم التسعة التي تغيب منها المخرج الدانماركي توماس فينتربرغ واستُبدل في اللحظة الأخيرة بالممثل الفرنسي من أصل تونسي سامي بوعجيلة.



في مثل هذه الظروف التي نمر بها، صار اي حدث ثقافي مطعماً بحس مقاوم، وهذا ما حصل أخيراً في مهرجان قرطاج بعد فرض حظر التجول نتيجة العملية الارهابية التي ضربت العاصمة التونسية. هذا الحس المقاوم تجلى في مراكش عبر الرسالة التي وجهها الأمير مولاي رشيد، شقيق الملك محمد السادس، الى ضيوف المهرجان، قال فيها ان "السينما مدعوة اليوم الى تقديم شهادتها أمام هذه الشدائد والمحن التي تضرب عدداً كبيراً من البلدان". أما المدير الفني للمهرجان، الفرنسي برونو بارد، فاعتبر ان مهرجان مراكش رمز للمقاومة الثقافية في مواجهة الهمجية.


غداة الافتتاح، عقدت لجنة التحكيم مؤتمراً صحافياً، كرر خلاله كوبولا ما قاله قبل يوم عن أمه الايطالية التي ولدت في تونس وكانت تتكلم العربية والفرنسية والايطالية وكانت تروي له حكايات. كالعادة، الصحافيون المغاربة مستعجلون دائماً لمعرفة ما رأي الضيف ببلدهم. رأي الآخرين الايجابي يعزز فيهم الشعور الوطني. سأل احدهم ما اذا كان كوبولا يريد تصوير فيلم في المغرب، فأجاب بالنفي. آخر، اندفع اندفاعة الفدائيين وأراد أن يعرف اذا كان مخرج "العرّاب" يؤمن بأن السينما تغيّر العالم، فكانت اجابة المعلم "نعم" هذه المرة. في البداية، بدا كوبولا متعباً، اختصر الأجوبة ودعا غير مرة الصحافيين الى طرح أسئلتهم على باقي زملائه في اللجنة، مؤكداً ان خيار الأفلام الفائزة سيخضع لمساومة. في كلامه عن السينما، شدد على الأفلام الشخصية، بعيداً من كل ما هو تجاري سائد.


هاجس الارهاب كان حاضراً بقوة خلال المؤتمر. سيرجيو كاستيلليتو قال ان المشاركة في مراكش كانت لفتة سياسية. "نحن الفنانين، علينا واجبات"، صرّح الممثل الايطالي قبل ان يمازح بالقول ان رأس حصان سيُدسّ في سريره اذا رفض المجيء، في اشارة الى المشهد الشهير من فيلم "العراب".
رداً على سؤال موجه إليه، قال الممثل الفرنسي التونسي سامي بوعجيلة انه يحاول التخلص من الأدوار النمطية (العربي المتطرف) التي اسندت اليه غير مرة. سؤال تعمقنا فيه لاحقاً مع هذا الذي برع في دور عمر الرداد، البستاني المغربي المهاجر الى فرنسا الذي اتُهم بالقتل، وسننشر تفاصيل اللقاء لاحقاً. ذكر بوعجيلة "بلديون"، فيلم رشيد بوشارب، كاشفاً انه تلقى عروضاً كثيرة على نسق دوره في فيلم "الحصار" لأدوارد زويك، وختم: "في ما يخصني، لن أجعل منها معركة بعد الآن".



 


جان بيار جونيه، مخرج "أميلي بولان"، العضو الآخر في اللجنة، كشف انه كان من المساهمين في مجلة "شارلي ايبدو" قبل نحو 30 عاماً، وانه لو طلب منه مثلاً ان يتناول النبي محمد في أحد أعماله لرفض من شدة خوفه. ختم تصريحه: "للأسف، الكلاشنيكوف أقوى من الكاميرا. مع ذلك، أؤمن بأن السينما لغة عالمية. الضحك نفسه يملأ الصالة أمام فيلم كوميدي، سواء أكنا في مراكش أم تورونتو. في مكان ما، نحن متشابهون أمام الشاشة". عندما طُرح السؤال على كوبولا، قال انه لا يوافق ان الكلاشنيكوف أقوى من السينما. الأول أداة قتل أما السينما فرمزٌ للحياة. في السياق نفسه، قالت الممثلة الهندية ريشا شادا ان الغرب يكتشف لتوّه الارهاب، على الرغم من ان بلدها تعاني منه منذ الاستقلال. سياسياً، تمخضت عن هذا الارهاب حكومة محافظة، أما فنياً فكانت تجلياته وجود سينما ترفع شعار الحب والأمل.


كوبولا: على بروميثيوس أن يكون حراً طليقاً


"كنت أطمح الى أن أخرس اليوم، ولكن..."، هذا ما قاله كوبولا قبل أن ينزل عليه الوحي فجأة ويقدم خطاباً تنويرياً من دون أن يلتقط أنفاسه الا بعد 12 دقيقة سحبة واحدة.
"لا تخطئوا وتعتقدوا ان الفنان مسؤول عن فنه بمجرد ان لدى الفن القدرة على تغيير العالم. فالفنانون لا يملكون الكلمة الفصل في فنهم. اليوم، اذا أردتَ أن تعرف مَن الذي يقود العالم، فعليك أن تعرف مَن الذي يموّل الفنانين. انها الشركات الكبرى. لطالما أثارت الطبيعة اهتمامي. في الأدغال مثلاً، ثمة عشب قد يسممك وبالقرب منه ثمة عشب يداوي مرضك. لهذا، أجد انه ليس هناك أروع من ان تولد السينما التي أثرت كثيراً في البشر، في فترة التأكد من أخطار النووي. أشبّه حالنا ببروميثيوس الذي تمّ أسره لأنه سرق النار. النار نوع من استعارة للسينما. السينما يمكن أن تغيّر الكثير لكنها ليست حرّة. اللغة السينمائية ابتُكرت في القرن الماضي على يد رواد أتيحت لهم أن يجرّبوا، لكنهم اليوم لم يعودوا يتجرأون على الاختبار. طبعاً، جاء المسرح قبلهم بمئات السنين، ولكن لا شيء في المسرح يجعلك تستمد فكرة أن تصوّر لقطة شاملة ثم تنتقل فجأة الى كلوز آب. تخيّل كم كان هذا ابتكاراً جريئاً، ولكن فعلوها لأنهم أدركوا فجأة ان المُشاهد عندما يرى لقطة قريبة بعد لقطة شاملة، سيقول: "حسناً، الآن نحن نفهم بمَ يفكر البطل". كيف عرفوا انه اذا تم تقطيع المشهد بأحجام كادر عدة، سيفهم المُشاهد ان الفتاة التي في داخل الكادر تواجه خطراً ما؟ لغة السينما ولدت جراء التجارب. اليوم لا يمكنكك أن تجرّب، أو لا تجرؤ على ذلك. الذين يمسكون بزمام الصناعة السينمائية يريدون أفلاماً تدر عليهم الأرباح. طبعاً، لا يمانعون أن ينطوي الفيلم على رسالة معينة، ولكن معظم تلك الأفلام هي أفلام حركة وعنف. هذا متأصل في الطبيعة البشرية، حتى شكسبير فهم ان العنف يثير اهتمام الناس.


نحن الآن في منعطف، يمكننا تغيير العالم ولكن يجب أن نكون أحراراً للاختبار والتجربة. على بروميثيوس أن يكون حراً طليقاً. طوال مسيرتي، كنت دائماً أطمح إلى أن أنجز أفلاماً شخصية لا أفلاماً تجارية. أنطلق من قول لأوسكار وايلد: كنْ مَن أنت، لأن كلّ الآخرين تم أخذهم. كلّ شخص منكم هو حالة خاصة، لذا نصيحتي: انجز الفيلم الذي أنت وحدك قادر على انجازه. السينما لا يصنعها أولئك التجار في أسواق الفيلم وأولئك الصحافيون الذين يسعون الى تدمير شغلك. لنكن واقعيين: حكّام العالم لا يسعون الى التغيير، هم يريدون ابقاء الأشياء على حالها.


بالنسبة إلى سؤال عن دور المرأة في السينما، كان والدي موسيقياً وفقط اللواتي كن يعزفن على آلة الهارْب كن مخولات للعزف. أتحدث هنا عن مطلع الأربعينات. الآن، خلال الامتحان، عليك العزف خلف ستار، لأنهم لا يريدون أن يعرفوا الى أي جنسية أو عرق أو جنس تنتمي. واذا تمعنت بالنظر في الاوركسترا، فستجد ان نصفها من النساء. لدينا في التاريخ، نساء عظيمات يوازين الرجال من حيث التأثير والأهمية. لا شيء يفعله الرجل تعجز المرأة عن فعله.


ما يحلّ الآن في الاسلام يعسر القلب. كان العرب أصحاب حضارة عظيمة في القرن الثالث عشر، أعطت العالم علوماً ورياضيات. يبدأ القرآن بعبارة "الله الرحمن الرحيم". هذه الكلمات هي المبدأ الذي تأسست عليه هذه الديانة الجميلة التي أسيء فهمها. ونحن نعتمد على هذا الله الرحمن الرحيم لاخراجنا من سوء التفاهم الذي ترتكب باسمه كل هذه الفظاعات".


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم