الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

بالصور- "قمح وألوان وفرحة ولاد... هاشلة بربارة"

المصدر: طرابلس - "النهار"
رولا حميد
بالصور- "قمح وألوان وفرحة ولاد... هاشلة بربارة"
بالصور- "قمح وألوان وفرحة ولاد... هاشلة بربارة"
A+ A-

تختلف الاحتفالات والطقوس بعيد البربارة، الواقع في الرابع من كانون الأول، بين منطقة وأخرى، وبين المدن والارياف. ومع مرور الزمن، وتقدم عناصر الترفيه والتسلية وفق ما أملته الثقافة الغربية، تراجعت التقاليد المحلية، والطقوس المرتبطة بالتقاليد الشرقية.


في الأرياف، تقام أبرز الاحتفالات ليل الثالث من كانون الأول، وهي الشق من الاحتفالات والطقوس الشعبية، على أن تستكمل في الرابع منه صلوات وقداديس. يقوم الأولاد والشبان بالتنكر فيغطون وجوههم بشتى الأساليب، ويغيّرون أزياءهم، ويجولون في الأحياء من بيت إلى بيت يطلبون المساعدة من زيوت ومؤونة كالبرغل، والكشك، والزيتون، والدبس، وما يمكن للبيت تقديمه لهم.


يعتقد الريفيون أن بربارة كانت سيدة مؤمنة وملتزمة، وكانت تحب خدمة الفقراء، فجالت على البيوت تجمع المواد الغذائية، لتعيد توزيعها على البيوت الفقيرة والمعوزة، وهي متنكرة أيضا كي لا تعرف، وكذلك جبرًا بخاطر هذه العائلات.


يترافق هذا الطقس مع قلي كرات العجين التي تعرف بال "فويشات"، من (تفوش أي تعوم)، وهي عند طمسها بالزيت للقلي تطفو على سطح الزيت، وبعد قليها تغمس بالقطر وهي لما تزل ساخنة لتمتصه وتصبح شديدة الحلاوة . كما يسلق السكان القمح والذرة، ويرشون عليها السكر والمُحليات.


في المدن، تختلف العادات بعض الشيء. لكن تفاعل السكان، وارتياد الريفيين للمدينة، سكنا وعملا ودراسة وتزاوجا، نقل تراث الريف إلى المدينة، واكتسبت بعض الأحياء تقليد التجوال ليلا بين الأحياء.


غير أن للمدن خاصيات في هذه الطقوس، ومنها بنوع خاص، في مدينة الميناء الطرابلسية. هي مدينة ملتزمة دينيا، ولعيد البربارة مكانة خاصة، تحييها المدرسة الوطنية الأرثوذكسية سنويا منذ العام ١٩٤٥ عندما تبرعت سيدة ميناوية اسمها بربارة البطش ببناء للمدرسة، وتمنت أن تواظب المدرسة على إحياء "البربارة" سنويا.


وللعيد أيضا نكهة خاصة في طرابلس والميناء، حيث يحتفل السكان من مسلمين ومسيحيين بالعيد، ويقيمون السهرات المشتركة، ويتبادلون فيها الحلوى، ويتنكر أبناؤهم في لعبة فولكلورية - طقسية باتت منتظرة عاما بعد عام، تدخل الفرح إلى قلوب الجميع، بعيدا من التفرقة، وفيها إشارة إلى رغبة الناس بالتعايش الطبيعي التاريخي الذي مارسوه قبل دخول الفتن إلى بلادهم ومجتمعاتهم.


وفي الأروقة المسيحية وخاصة في الميناء، تتردد رواية بربارة الشهيدة القديسة التي اضطهدها والدها الوثني لميولها الإيمانية المسيحية، فهربت من المنزل، وكانت تختبىء في حقول القمح التي أصبحت ركنا لعيد ذكراها.


لذلك تروج "قراديات" شعبية، ينقلها الدكتور جان توما، الملم بالشؤون التقليدية المسيحية وبطقوسها، منها:


قديسة بربارة عند ربك مختارة
ابوكي هالكافر عباد الحجارة
جاب السيف ليدبحك صار السيف سنارة
جاب الحبلي ليشنقك صارت الحبلي حرام


ويعرف توما، بحسب نظرة دينية رائجة عيد البربارة أنه "مناسبة إحياء ذكرى القديسة بربارة الشهيدة التي كما تقول المصادر إنها من بعلبك، أو من مدينة نيقوميديا في قرية جاميس التابعة لمدينة لينوبوليس بنيقوميد تركيا، وهي كانت من أسرة غنية تعبد الاوثان والاصنام الى ان تعرفت الى الدين المسيحي عبر العاملين في قصرها، ونالت المعمودية، وتنصرت، ولكن والدها غضب عليها، فهربت متنكرة من القصر الى حقل قمح، واختبأت هناك فترة الى ان قبض عليها عسكر والدها، واعادها الى سجن القصر محاولا ثنيها عن ايمانها الجديد، ولما رأى ان لا جدوى من ذلك عمد الى قتلها حفاظا على مصالحه".


عن العادات والتقاليد، يتحدث توما بقوله إن "هذه العادات هي طقس شعبي، لا علاقة له بالطقس الديني، حيث تعد العائلات صحونا من القمح المسلوق للاشارة الى اختباء الشهيدة بربارة في حقل قمح، وتزين الصحون بأنواع من الجوز واللوز والزبيب واليانسون وحب الرمان والحلويات. كما يقوم الاطفال بلبس اقنعة تنكرية احياء للذكرى، ويتنقلون من بيت الى بيت، ومن شارع الى شارع، يرددون أغان منها"هاشلة بربارة مع بنات الحارة"، ويجمعون النقود والشوكولا من الناس.


ويروي توما بعض الأمثال الشعبية المتعلقة بالمناسبة، منها: "بعيد البربارة بتطلع المي من قدوح الفارة (إشارة إلى غزارة المطر)، وإن لم ترو الأرض في عيد البربارة، فرد قمحك إلى الكوارة (حافظة القمح)، و"بعد عيد البربارة، بيزيد النهار نطة فارة" (المعروف أن أقصر نهارات العام هي في النصف الأول من كانون الأول الذي يقع عيد البربارة فيه)، ويعتقد الناس بالملاحظة أن النهار يزيد قليلا ابتداء من تاريخ العيد.


في الميناء، يحافظ العيد على حيويته، ويزداد الاحتفال بالقديسة بربارة شعبيا بسبب مدرسة مارالياس التي تأسست عام ١٩٠٠، وبنى آل البطش المدرسة عن نفس المرحومة اختهم بربارة بطش في العام ١٩٤٥، وتقوم ادارة المدرسة كل سنة في ٤ كانون الاول باحتفال يبدأ بقداس الهي، ثم يجري توزيع القمح، ويقوم الطلاب بزيارة لمقبرة آل بطش احياء لذكرى المرحومة بربارة بانية المدرسة، ويضعون الورود على القبر" بحسب رواية توما.


وأقيم هذا الاحتفال هذه السنة في باحة المدرسة، وردد الأطفال الرديات المتعلقة بالمناسبة، وأنشدوا الأغاني، وقد تنكر كل منهم، مع معلماتهم، بأشكال مختلفة. ويضع الاطفال مجموعة من حبات القمح في علبة مكشوفة مع قطن، ويسقونها بالماء، فتنمو إشارة إلى حياة جديدة، وهم يعتقدون ان بربارة الشهيدة بموتها ازهرت حياة جديدة.


في الميناء ايضا، احتفلت مدرسة سيدة النجاة الأنطونية كعادتها في كل عام بعيد البربارة، وقالت أمينة سر المدرسة رانيا مخائيل أن الاحتفالات توزعت على مرحلة الروضات والابتدائي حيث لبس الأطفال اللباس التنكري، وغنوا ورقصوا، أما أطفال مرحلة الروضات، وبعد ان احتفلوا بحرم المدرسة، خرجوا الى الشوارع، وازقة المدينة، وغنوا "هاشلة بربارة"، ووزعوا السكاكر على المارة. كما أقيم عرض ومسابقة لأجمل زي من كل صف ووزعت عليهم الجوائز في المرحلة الابتدائية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم