الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

غياب جان جوبير الذي سَرّح خُصل الذاكرة الثقيلة

المصدر: "النهار"
رلى راشد
غياب جان جوبير الذي سَرّح خُصل الذاكرة الثقيلة
غياب جان جوبير الذي سَرّح خُصل الذاكرة الثقيلة
A+ A-

لم يكن الفرنسي #جان_جوبير صاحب نص كتابي يتيم، غير انه مكث إلى حدّ بعيد معتقلاً ضمن فسحة إختزالية واحدة، في إطار رواية بهوية "رجل الرمال" مدّته في 1975 بجائزة "رونودو" الأدبيّة الفرنسيّة.


شكّل بهاء المعيش والضوء لازمتين في مشروع جوبير الإفصاحي، والحال انه لاذ بهما على مرّ الأجناس الكتابية التي طوّعها وتوزّعت بين الرواية والقصة القصيرة والقصيدة وأدب اليافعين. في أعوام شبابه إفتتن جوبير بمنطقة "ميدي" الفرنسيّة إي بجنوب البلاد، غير انه تمهّل في نصه "رجل الرمال" عند جغرافيا أخرى، عند قطعة من جنوب الولايات المتحدة المُعدّلة وفق تصوّره المؤسلب طبعاً، ليتراءى ذلك بديهيا في حال شخص برز كأحد الإختصاصيين بالآداب الأميركية.


قبل أن يَلفّ سربال الموت جوبير أخيرا، عن سن السابعة بعد الثمانين، أصدر آخر حركة في منجزه التأليفي المُتشعب وسمّاها "أبجديّة الأطياف" التي تتبين ضياعا في خريطة الذاكرة وتصفحا للحظاتها البعيدة كما القريبة.


في المجموعة الشعرية أتى باستشراف يستميت ليتحقق، قال أن الحدود بين الأحياء والموتى مساميّة وأن إغلاق العيون والتفكير بمن رحلوا يكفيان لكي يخرج هؤلاء من عرائنهم. نقرأ في هذه الرزمة من القصائد الوفيّة للأسلوب الفسيح والمتاح للجميع، حديثا منفردا مصدره شاعر مهيأ للإنسحاب معلنا: "وأنا، الشاعر العجوز، القابع عند شفا النهر القاتم، ها أنا تحت أشعة مصباحي، في الهُري- في محترفي - حيث عاش في الماضي - على ما قيل لي - البغلة والخنزير والدواجن. ها أنا إذا في المكان الذي تحوّل إلى كهف للكُتُب أسرّح في الليل، خصل الذاكرة الثقيلة".


في خضم الأنواع الأدبيّة التي جرّبها، لم يحتج جوبير إلى التمسّك المفرط بالأنساق الجاهزة ولم يختر ممالأة السائد تأليفيا. جاء مُتأبطا رغبته في التمرّد والخروج على الإصطفاف، مُشهرا إيمانه بأن في حريّة النبرة كلّ الصواب.
راق لعنوانه "قليلا قبل الليل" الموزّع بين واقعية الفانتازيا والرمزيّة أن يتبع مجرى نهر العمر، ليقول ان الشباب هو زمن الأمل وأن الأسوأ ليس الأكثر إلحاحا دوماً. ها هنا يتناول جوبير أستاذا جامعيا ينجز رحلته الأخيرة غارقا في رذاذ مطر الخريف، وها هنا تأمّل بنهكة الوصيّة في ما يعنيه الموت وما تفترضه استحقاقات الوقت، خصوصا.


أما في "المُختارات الشخصيّة" الصادرة في 1997 فثمة قصيدة بهوية "المنحدران" سعى جوبير من طريقها إلى توثيق مصائر الإنسان والشعراء منهم على وجه الخصوص. ألقى صورا متناقضة حيث يطالعنا رجل تتهدّده الأحلام القاتمة ويستيقظ عن الفجر ويلقي بنفسه من أعلى السور، وحيث نواجه جسد الظلمة يحمل في كنفه "طفل النار والروح الضئيلة المرتعدة".


في حين يمكن الوصف عند جوبير استقدام الكثير من الفانتازيا غير انه يظلّ يتقدّم في واقعية شديدة.
تتراءى جميع شخوص الكاتب الفرنسي كانعكاس رومنطيقي وشعريّ للجبن البشري الذي يدفع بنا لنقبل بكل شيء من دون المخاطرة بالتمرّد.
رحل جان جوبير متبصّر الواقع الحاد والرئيس السابق لـ "منزل الشعر" وهو لم يرتوِ من حليب القصيدة بعد.


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم