الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

السوداني حمّور زيادة لـ"النهار": جحيمٌ العيش في مجتمعات حُكمت عسكرياً وإسلامياً

الشارقة- فاطمة عبدالله
السوداني حمّور زيادة لـ"النهار": جحيمٌ العيش في مجتمعات حُكمت عسكرياً وإسلامياً
السوداني حمّور زيادة لـ"النهار": جحيمٌ العيش في مجتمعات حُكمت عسكرياً وإسلامياً
A+ A-

على عكس جرأة السرد الروائي وتناول "الثورة المهدية" ذريعة لنقد الاستبداد الديني وتفشّي الخرافة، يتردّد الكاتب السوداني حمّور زيادة في الإجابة عن أسئلة حرجة. نلتقيه على هامش معرض الشارقة الدولي للكتاب، هو الحاصل على "جائزة نجيب محفوظ" في القاهرة، الذي ترشّحت روايته "شوق الدرويش" ("دار العين" المصرية) لنيل "البوكر". يمثّل اختزالاً للشخصية السودانية المتواضعة، حاملاً في الأعماق معاناة جيل خائف وجماعة تمزّقها العزلة. نحدّثه عن الإنسانية والأدب في السودان، وعن "شوق الدرويش" رواية المغضوب عليهم من المهمّشين و"أصحاب الوجوه المحترقة".


وصلت "شوق الدرويش" إلى القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية ("البوكر")، لكنّ الفوز كان للتونسي شكري المبخوت عن روايته "الطلياني" ("دار التنوير" التونسية). بدأ زيادة المشوار كاتب مقال في جريدة سودانية، ثم كانت له مجموعة قصصية لم تلقَ صدى. نتخذ فسحة هادئة وسط ضجيج زوّار المعرض، نُحضر الشاي بالنعناع، ونبدأ الحديث مع كاتب لا يتوانى عن الهرب كلّما مسَّ سؤالٌ ذاكرته المتعبة.


أزمة الإيمان واليقين المطلق
يعود زيادة بالسرد إلى سودان القرن التاسع عشر، واندلاع "الثورة المهدية" [بين 1885 و1899، وهي نسبة إلى الإمام محمد أحمد المهدي الزاعم أنّه مُرسل من الله لهداية الناس] في وجه الاستبداد التركي. نسأله عن التأويلين الزمني والسردي، فهل أراد الماضي ذريعة لنقد الراهن بضغوط أقلّ، وهل لتناول الحركات الدينية المتطرّفة صلة بالحضّ على مواجهة "داعش" والتنظيمات المتطرّفة، كأنّ الأمس يشبه اليوم لولا فائض القسوة وبلوغ الإنسان البشاعة؟ يجيب بأنّ الفنّ والأدب مسألتان رمزيتان، وإذ يختار التعبير بالرمز، لن يجد في التفسير فائدة: "اخترتُ فترة حرجة من تاريخ السودان كونها تقدّم حكاية جيدة. لا أستطيع أن أشرح الرموز والإسقاطات. في إمكان القارئ تفسير النصّ على هواه. أكتبُ سرداً لا يخشى التطرُّق إلى أزمة الإيمان واليقين المطلق، وأترك التأويلات لمن يُعنى بها. لا نزال نعيش في الماضي، ولا أجدني أكتبُ إسقاطات بل مسار حياة. أليست معارك المسلمين اليوم هي عينها ما جرى في كربلاء؟ أليس صراع السنّة والشيعة ممتداً منذ الأزل؟ واقعنا استمرار للماضي، ولا تزال القضايا الاجتماعية عينها. إنّها مسائل جدلية نشأت منذ زمن ولا تزال محلّ جدل".


الإحباط والمتنفَّس
الأدب في نظر زيادة أنسنة حوادث بطلُها الفرد. لا يُنكر أنّ الأمم المنتصرة والأبطال العظماء يكتبون التاريخ، وإنما الأدب هو الإنسان في فرديته وخصوصيته والخيبات المتراكمة. يتحدّث عن المرء في تردّده وتناقضاته ونظرته إلى نفسه وعلاقته بالآخرين. نسأله عنه، هو التائه إلى مصر لأنّ السودان ما عاد وطن حياة. يقصّ ما يشبه السيرة عن نفسه: "أنا سوداني آتٍ من منظمات المجتمع المدني. انضممتُ إليها ثم تركتها لأسباب شخصية". نتوقّف عند ما يعنيه بالأسباب الشخصية، لكنّ زيادة يفضّل التكتّم. نريده أكثر جرأة وأشدّ قدرة على الصراحة. يتراءى أمامنا كائناً يجيد النأي بالنفس وتفادي فخاخ المحاوِر. يربط ترك النضال المدني بالإحباط، كأنّه يُنهي نقاشاً لن يُثمر، ثم يُكمل بالقول إنّ التدوين كان المتنفَّس: "اتّجهتُ للتدوين في موقع سوداني، وبقيتُ كذلك إلى أن تلقّفني صحافيٌّ من السودان وطلب إليّ الكتابة معه في صحيفة سودانية مقروءة. نشرتُ مجموعة قصصية ("سيرة أم درمانية" - "دار الأحمدي") كمحاولة لتجريب النشر، فطُبعت في القاهرة، لتشكّل بداية انطلاق بطيء. السودان قريبٌ جداً من الأدب المصري، فأكببتُ على القراءات المصرية وأفدتُ منها. قرأت لمحمد شكري وكثيرين سواه في فترة الشباب المبكر (لا أزالُ شاباً - يضحك)، وأُعجبتُ بهم، وأتمنّى أن أكون قد تأثرتُ بهم".
يمدّ زيادة يده إلى كوب الشاي الذي بدأ يفقد حماوته، يرتشف القليل، ويُكمل: "كان الظنّ بأنني سأكتب نحواً من عشر روايات ليكتشفني الآخرون بعيداً من الدائرة الضيّقة. حصولي على جائزة نجيب محفوظ في مصر، ووسائل التواصل الحديثة، أتاحا لي انتشاراً ما كنتُ لأدركه بهذه السرعة". نسأله معنى حصول سودانيّ على هذه الجائزة وما تركت في الروح والقلب. يجيب بأنّها ليست جائزة محلّية في مصر، بل آخرون من جنسيات غير مصرية حصلوا عليها كالسوري خالد خليفة والجزائرية أحلام مستغانمي: "هي جائزة عربية، وإن تسري شائعة في مصر بأنّها تُمنَح لمصريّ في سنة ثم لعربيّ في السنة المقبلة. فكرة المحاصصة موجودة في أذهان كثر من المثقفين، ولا أجدني أرتاح إلى مثل هذه التفسيرات. يعنيني التأكيد أنّ حصولي عليها ليس مصادفة. إنني مدين للوسط الثقافي المصري بالكثير، فحين وصلتُ إلى القاهرة قبل نحو الستّ سنوات، لم أكن أحمل سوى مجموعة قصصية يتيمة لم يقرأها أحدٌ تقريباً. ثم نشرت لي "دار ميريت" المصرية رواية "الكونج"، فكان النشر أقرب إلى مخاطرة، إذ كيف تنشر دارٌ على حسابها لشاب غريب ليس لديه حتى الجمهور الطبيعي (الأهل والأصدقاء) ليشتروا له النسخ؟".
يتجنّب زيادة الإجابة عن سؤال كم الطيب صالح يوجد اليوم في السودان؟ ونحن نفترض أنّه كان سيفيض في الحديث عن أحرار هذا البلد المعذّب وعن القابعين في الزنزانات والملاحقين بالتهديد والرقابة. انتظرنا من الكاتب الناجي من جحيم الأوطان التفاتة إلى مَن استحالت عليهم النجاة ورغم ذلك لم يُهزموا. نسأله عن واقع الأدب في السودان وحال الثقافة في ميدان يحتَضر، فيتساءل بدوره عما نتوقّعه من مجتمع حُكم 26 عاماً حكماً عسكرياً إسلامياً؟ "الواقع سيئ جداً. وحرية النشر والتعبير أيضاً. لم أستطع أن أُكمل في الداخل، وأعتقد أنّ البقاء إن لم يقتل الكاتب فسيقتل مشروعه الأدبي. كيف نكتب في بلد ليس فيه دور نشر قيّمة، ويعاني مشكلة طباعة وارتفاع تكلفة الحبر والورق؟ كيف نكتب في بلد الرقابة الأمنية القاسية؟ مُنعت كتب الطيب صالح في السودان حتى الـ2005، ورغم إتاحتها بعد ذلك، لا يزال النظام يرى فيها إباحية ودعوة إلى الانقلاب بتحريض من اليهود لإطاحة الحكم الإسلامي! صعوبة العيش ترهق النفس، والاقتصاد إلى انهيار، ورغم ذلك لم يكفّ بعض الشبان عن كتابة القصص ونشرها في الصحف". المرأة السودانية، أتخبرنا عنها؟ يجيب بأنّها الحلقة الأضعف في مجتمعات الحكم الإسلامي، مستعيداً عزيمة الأديبة السودانية ملكة الدار محمد عبدالله (1920 - 1969)، وإصرارها على كتابة الرواية من قهر الشعب وقمع المرأة. يختم مشدداً على تيمة الحرية ورفض المحظورات على الكاتب، أكانت باسم الدين أم الأخلاق أم المجتمع أو السياسة.


[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم