الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تعليق - مسكين لبنان

سناء الجاك
A+ A-

مسكين لبنان. حوّله شعبه الى علم من دون وطن. واحتفل هذا الشعب، كلٌّ على طريقته، باستقلال لم يبق منه الا خواء واقف على حافة الانهيار. مَن أحبّه قتله، ومَن كرهه قتله. كأن في صيغته ما يدفع الى ابقائه في حال السكتة الدماغية، ليكتفي شعبه بمهارات متطورة للاحتفال مقابل الفشل الذريع والمستمر حيال تحقيق أهداف وطنية بناءة تستحق ان تقام لإجلها الاحتفالات.
رئاسة الجمهورية في ذمة كل القوى السياسية العاجزة عن القيام بواجبها. حكومة مشلولة لا يشفع لها ان رصيداً اخلاقياً يميز رئيسها. مجلس نواب ممدد لنفسه ولنواب صعدوا ذات انتخابات في بوسطة الزعماء، لا علاقة لمعظمهم بهذا الشعب الذي لا يحتاج بوسطة ليركب ويركبوا على اكتافه ويدور بهم راقصاً.
بلدٌ، كل مَن فيه يرقص من دون دف. سبب الرقص ليس مهماً. الإيقاع أيضاً لا لزوم لضبطه ما دام رقصه ليس وفق المتعارف عليه. لا سمة توحد خطواته او تنظّم الاختلاف بينها، ذلك ان كل جماعة ترقص وفق غرائزية توحي انها تهتز او تقفز لتتخلص من شعور دائم بالاختناق يقبض على أنفاسها، لتكتشف ان ايدي مَن يتولون أمرها هي الخانقة حناجرها.
بلدٌ يريد شعبه ان يستقل عنه، اليوم قبل الغد، مهما كثرت ادعاءات الوطنية القائمة مع حلول ذكرى الاستقلال التي تستحق الرثاء وربما البكاء.
المفاهيم والقيم والبديهيات ترقص بدورها وهي تتصارع. وتحسب ان رقصها فنّ وليس انتحاراً.
انتخاب رئيس للجمهورية عندنا أقل أهمية من التنافس الأهبل لدخول موسوعة "غينيس" بإنجازات خنفشارية.
الاستقلال الذي فقد كل محتواه، بقيت منه مظاهر فولكلورية مقعرة، لينصرف اللبنانيون الى صور تؤرشف الفراغ عن نشاطات لا تتناسب مع الخلل الذي نعيشه، لتكون الحصيلة تدشين أطول علم يصنع وطناً، ناهيك بأكبر منقوشة وأكبر جاط تبولة، او حتى ماراتون يقطع الطرق. المهم في النهاية الحصول على فوز لتوظيف الصورة.
كأن صيغة التفضيل والامتياز وسرقة الأضواء أهم من مجانية الطبابة والتعليم وتأمين مسكن ومستقبل وتأمين للشيخوخة.
مسكين لبنان، لأن شعبه لا يفكر الا في الانتصار على شعبه الآخر الذي يفترض انه شريكه في الهم والأزمات والمآسي.
لسان كل جماعة من جماعاته غير المتحدة يقول: حراكنا أفعل من حراككم، أو ديننا أفضل من دينكم ومذهبنا أصحّ من مذهبكم، وصولاً الى ان بيتنا أكبر من بيتكم، وابنتنا أجمل من أبنتكم وابننا أشطر من ابنكم. حتى ان مرضنا أخطر من مرضكم وكوابيسنا أفظع من كوابيسكم ومصائبنا اشد دموية من مصائبكم ونفاياتنا اوسخ من نفاياتكم. وقس على ذلك.
الأهم في لبنان المسكين، المحكوم بأفعال المفاضلة، ان كل فريق يصر ويستقتل ليؤكد للآخر أن حليفه، او من يستزلمه، هو أقوى من الطرف الذي يستزلم الفريق الآخر.
ايران أم السعودية، روسيا أم الولايات المتحدة والغرب، سوريا بشار الأسد أم "داعش".
اذا أعدمت إيران ناشطاً او سجنت إمرأة، نرى طرفاً يعظّم المسألة مقابل طرف ينفي وجودها أصلاً. واذا حكمت السعودية بالإعدام على شاعر او لم تشجع المرأة على القيادة، يتحول الطرف الناكر حقوق الانسان في إيران الى مدافع عنها وبشراسة، في حين من يعتبر المملكة أمانه يصمت صمت القبور.
ينسى الجميع انه كلما تعارك الاقوياء قربه انكمش على خيوطه المعقدة ولا أحد يسأل عنه او يعينه لينهض من كبوته مع انه طرف الهلال. الاصح انه نقطة انطلاق هذا الهلال الذي يخطط صانعوه لتحويله قمراً مكتملاً.
ينسى الجميع ان البلد مخترق من أقصاه الى أقصاه، بإسرائيل وسوريا وروسيا وإيران.
ولا يوم كأيامنا الكبيسة وأزماتنا الأكبس، مع ان لا حرب لدينا ولا سبب لنستدعي الحروب الينا، اللهم الا الاستزلام لهذا المحور او ذاك.
في الخلاصة، مسكين لبنان الذي ابتلي بمثل هذا الشعب للبراني المصر على الاغاني الوطنية، والمفصل كل ما في الوطن على قياسه ليكون الأول والأشطر والأطول والأوسم والأغنى.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم