الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"داعش" الفيلم الأميركي المعولم

فرحان صالح
A+ A-

تُذكّرنا ممارسات "داعش" – وهي النسخة الجديدة من تنظيم "القاعدة"، وإن كانت الرعاية ذاتها لهكذا تنظيمات – بشخصيّة "راجح" المشهورة في مسرحية "بياع الخواتم" للرحابنة، هذه المسرحية التي شاهدتها أجيال، ولا تزال تشاهدها أجيال جديدة منذ خمسينيات القرن المنصرم. وكأنّ "داعش" هي تنظيم تنكري يستخدمه الكثير من الدول، وإن كانت إدارته واحدة. إن "داعش" ليس إلاّ نسخة معدلة من جينات القاعدة، وإن تلاقحاً جديداً قد ميّز النسخة الجديدة تمثل في انضمام عشرات الآلاف من الذين عملوا مع منظمة "بلاك ووتر" التي كانت تسيّرها المخابرات الأميركية في العراق. ولا عجب إذا كان هذا العدد الذي التحق بـ"داعش"، وهم من الفقراء والعاطلين من العمل ومن الأميين، ممن كانوا (موظفين؟) في هذه الشركة وهم من بلدان مهمشة، (يجاهدون)؟ دفاعاً عن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها من أنظمة ومنظمات.
وابو بكر البغدادي هو نسخة جديدة – معدلة – من ابن لادن، هو "راجح" الذي تتنكر وراءه دول ومشاريع سياسية ودولية. لذا، "داعش" كانت الوريثة لـ"بلاك ووتر" بعد الانسحاب (التنكري) للولايات المتحدة من العراق، وهي التي استقطبت هذا العدد الكبير من المنفيّين من ديارهم للقتال من أجل أهداف ومصالح مشبوهة، واعِدة هؤلاء بالجنّة والحوريات وبأشياء أخرى.
إنّ تلك البلدان التي هجرها هؤلاء المقاتلون، كان قسماً منهم قد هاجر منها الى الدول الغربية، فوجد تمايزاً هو ذاته، إذا لم يكن أسوأ، مما شاهده في البلد الذي ولد فيه. لم تعمل السياسات الغربية على تصويب سياساتها تجاه الملايين ممن يفترض أنهم أصبحوا جزءاً من المكوّنات البشرية والاجتماعية لتلك البلدان. وبلدانهم التي تركوها، وإن كانت بحماية غربية، فإنها تحكمها أنظمة استبدادية هي من ساهمت في إفقار هؤلاء ودفعهم الى القيام بما يقومون به.
إنّ "داعش" ليست إلاّ شركة تُديرها مجموعات من القتلة الذين تموّلهم هذه الدولة أو تلك، وإن كان مسيِّرهما واحد. ولا عجب، أن تكون هناك علاقة بين "بلاك ووتر" وإدارة هذه الشركة، خصوصاً أنّ المسيّر الأول هو من يملك السّير الذاتية والإضبارات الشخصيّة لهؤلاء المضللين الذين قرروا الذهاب إلى (حضن الحوريات). إنّ الحلف الذي أنشأته الولايات المتحدة لا يرمي الى مكافحة الإرهاب، وإنما الى التخلص من الأميّين والعاطلين من العمل والفقراء والمرضى، هؤلاء الذين وصلوا إلى ما وصلوا إليه بسبب سياسات الولايات المتحدة وحلفائها، وهم الذين يتجاوز عددهم الـ 90% من سكان المنطقة العربية والإسلامية. إذاً حروب أهلية لا أفق لها ولا زمن، وإن كان هدف القتل هو من نصفّق له أو نبكي ونندب من يُقتلون.
الولايات المتحدة تريد تشريع النموذج النازي، وإسرائيل وريثة لهذا التراث بنسخته الأميركية، وها هي إسرائيل، المصنع الأساسي للإرهاب الدولي، التي تتنكر للحقوق الفلسطينية – العربية. تحاول بعد أحداث باريس، التحريض ضد الفلسطينيين محاولة إيجاد مقارنة وتشابه بين نضال الشعب الفلسطيني، وبين ما تقوم به "داعش". إسرائيل التي هي خلاصة النازية الأورو أميركية الاستعمارية، هي في أساس الإرهاب.
لذالك، تحاول اسرائيل استغلال ما حصل في مصر وباريس وغيرهما من دول لتبرئ نفسها، ولتبعد عنها الشبهة، وهي الأساس والجذر لكل ما يحصل في المنطقة من إرهاب، كما أنّ الغرب والولايات المتحدة خاصة، هما الداعمان لهذا الاحتلال الذي بزواله يزول الكثير من العوامل المساعدة للإرهاب. أما الهدف الصهيوني من التحريض بعد أحداث باريس، فهو الضغط على فرنسا وإبعادها مع أوروبا عن كل تعاطف، أو ما شابه مع الشعب الفلسطيني، وبالتالي مع القضية العربية. إنّ إسرائيل تحاول استثمار هذا الحادث في الصراع العربي – الصهيوني، كي تجبر فرنسا التي تؤدي دوراً مميزاً عن دور الولايات المتحدة، وهذا يعني أنها تحاول إحياء سايكس - بيكو معدلاً.
لكن فرنسا التي تمارس "داعش" فيها الإرهاب، تصطدم بمن يدير الصراعات في الشرق الأوسط. أميركا تريد شرق أوسط جديداً، هي من يرسمه، ومن يديره، وهي التي تحدد موقع هذه الدولة أو تلك. لذا فإن روسيا اصطدمت بهذا الواقع فكان إسقاط الطائرة الروسية ومقتل جميع ركابها هو العقاب الذي رسمته المصالح العليا لقائدة العولمة، وليس هذا فحسب بل ضرب العلاقات الروسية – المصرية التي كانت تتطور، وكل ذلك على حساب النفوذ الأميركي في مصر، والذي لم يجلب للمصريين والعرب إلا الفقر والأمية والمرض. كما أنّ شركة "بلاك ووتر"، عفواً داعش، التي تقوم بأعمال إرهابية في أكثر من مكان، بغاية ضرب الدور الفرنسي النشيط، وقد يكون الهدف الخلفي للعملية الإجرامية التي حصلت في باريس، اضفاء مناخات لبروز تيارات أوروبية نازية تمارس اعتداءاتها ضد الجاليات العربية والمسلمة في الغرب. كذلك وضع إسفين في العلاقات المصرية – الروسية، التي ضربها السادات بوضع إسفين في العلاقات المصرية مع الكتلة الشرقية آنذاك، معتبراً أن 99% من أوراق الحل في الشرق الأوسط في يد أميركا. وها أنّ السياسات تتكرر حيث تحاول الولايات المتحدة وضع إسفين بين روسيا وبين الشعب المصري، بما تمثل مصر من حضور عربي ودولي وعالمي.
في بداية الحرب الأهلية في لبنان سنة 1975، قال زياد الرحباني: إنه فيلم أميركي طويل، نعم إنه كذلك، إنّ أحفاد "داعش" هم من درّبت الولايات المتحدة آباءهم لقتال الكفار والملحدين في أفغانستان، وها أنّ الولايات المتحدة تقاتل اليوم بأحفاد هؤلاء (المجاهدين) في أكثر من بلد عربي وإسلامي.
إنه فيلم طويل يتضمن نقل اليهود الأوروبيين إلى فلسطين ـ إنها البراءة .. البراءة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم