الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

أم لبنانية تخلّت عن ابنتها... فانتقمت منها على خشبة المسرح

المصدر: "النهار"
يارا عرجة
أم لبنانية تخلّت عن ابنتها... فانتقمت منها على خشبة المسرح
أم لبنانية تخلّت عن ابنتها... فانتقمت منها على خشبة المسرح
A+ A-

"كفّن وبعات" هذا ما قالته أمّ لإدارة مستشفى الفنار للأمراض العقلية والنفسية والصحية، عندما وصلت ابنتها التي كانت تبلغ من العمر حينها 18 سنة، حاكمة عليها بالموت بعد تشخيص حالتها النفسية خجلاً من مجتمع لا يرحم. حال الوالدة كحال "90% من الأهل الذين تخلّوا عن أولادهم والذين يرفضون احتضانهم من جديد بعد استقرار حالتهم"، تشير الدكتورة سمر لبّان مديرة المشفى لـ "النهار". والشابة التي بلغت اليوم الـ 22 سنة، النزيلة من نزلاء مستشفى الفنار، "نزلاء وليسوا مرضى" بحسب تعبير الدكتورة لبّان، أصبحت نجمة بعدما قررت وزملاؤها، اعتلاء خشبة المسرح لكسر الحاجز الذي يسجنهم في عالم بعيد عنّاً، منتقمة بطريقة أو بأخرى من والدتها. "من كلّ عقلي" عمل مسرحي مميّز من إخراج زينة دكّاش وسحر عساف، يسلّط الضوء على هذه الفئة المهمّشة من المجتمع.


وراء الكواليس


ليس من الممكن التحدّث عن جمالية "من كلّ عقلي"، بقدر ما بإمكاننا التحدّث عن غايتها التي اقتحمت قلوب المشاهدين عبر مجموعة "مونولوغ" قام بتقديمها النزلاء للمشاهدين. في الظلام، وتحت الضوء الأبيض، تحدّث كلّ منهم عن مرضه، وشاطر الجمهور مخاوفه الذي تعاطف وتفاعل معه بالتصفيق والتهليل. بساطة العمل المسرحي التي تتشكّل أساساً من سيناريو يتضمّن فقط أحاديث المرضى وحياتهم، والذي تناول القدرات البشرية لكلّ منهم، جعله أقرب إلى الحقيقة من الخيال. يبدو أنّ دكاش أرادت تعرية واقعنا الاجتماعي المعيب تحت أعيننا، على خشبة المسرح التي لم تحمل سوى أنين المرضى وأحاسيسهم، وخلت من كلّ الأكسسوارات والبدع التي تستخدم للتزيين، فبدت جميلة ببساطتها، غنيّة بمحتواها، قريبة للمشاهد الذي يشبه بطريقة أو بأخرى، كلّ نزيل من النزلاء. في حديث لـ "النهار" توضح زينة دكاش أنه في بادئ الأمر في 2010 لم تراودها فكرة إنجاز عمل مسرحي، فالتمويل الأوّل خُصّص لحصص العلاج بالدراما فقط، "كنّا نتعامل مع نزلاء في مستشفى يتناولون الأدوية، لم أكن على دراية بما سيحققه العلاج، ثم لاحظت أنهم أصبحوا أكثر وعياً، وتحسنوا على صعيد التواصل، ووقت جلساتهم امتدّ من ثلاثين دقيقة إلى ساعتين. وعندما اتخذت قرار إخراج العمل المسرحي مع سحر عساف، لم أكن أعرف إن كان سيؤول إلى عمل مسرحي يحضره الجمهور، وهنا كان يكمن خوفي الأكبر. كنت أتساءل إن كان سينتابهم التعب يوم العرض أم إن كانوا سينسون قصصهم التي تشكل نص المسرحية". وتشير إلى أنّ "كثارسيس، المؤسسة المدنية التي أنشأتها عام 2007، بدأت بمشروع "قصّة منسيين خلف القضبان" عام 2013، بتمويلٍ من الاتحاد الأوروبي. يشمل المشروع أربعة مُخرجات أساسية: دراسة تبحث في مدى انتشار الاضطرابات النفسية الشديدة لدى السجناء في سجني بعبدا ورومية، ودراسة قانونية تتضمن مقارنة بين القانون الحالي في لبنان والقوانين المعتمدة في دُول أخرى، والتوصل في النهاية الى مسوّدة مشروع قانون سنداً للدراستين المذكورتين آنفاً، ومسرحية يؤديها السجناء في رومية (منهم مرضى)".


أين المسؤولون؟


تجد في نص كلّ نزيل جرحاً مؤلماً يتمثل بالشوق لعائلة تخلّت عنهم منذ زمن، وتقول لبّان، التي تعتبر المؤسسة وكلّ العاملين فيها بمثابة عائلتها، إنّ "بعض الأهل يعدون بالحضور للإشراف على أولادهم ثم يختفون، فيما يعمد البعض الآخر إلى تغيير أرقام هواتفهم. وعندما نخبر الأهل بتحسن حال ابنهم وبأنه أصبح بإمكانه العودة إلى المنزل، يشتمنا الأهل... هم لا يريدون أولادهم. لقد طلب أحدهم تزويج ابنتهم المريضة! الأهل ليسوا هنا". قد تنقص الأهل التوعية ولكن يتمّ ذلك في ظلّ وجود الخجل؟(...) ليس مطلوباً من الأهل سوى لفتة صغيرة منهم وزيارة يتفقدون فيها أولادهم لأنّ كل ما ينقصهم هو العاطفة والاهتمام. أمّا الصعوبة الوحيدة التي تواجهها المديرة فهي التمويل، إذ توضح في هذا السياق "نحن نموّل من جيبنا الخاص إذ اضطررنا إلى بيع الأراضي. فلم نحصل على المال لعام 2015 ولدينا مستحقات منذ عام 2004 نائمة في وزراة الصحة ومن الأساس تسعيرتها قليلة. تُحدّد وزارة الصحة سقفاً مالياً لكلّ مؤسسة وبدلاً يومياً لكلّ مريض يبلغ معدله 20 ألف ليرة وهو مبلغ بسيط. لقد رُفع البدل اليومي ليبلغ لنقل 40 ألف، من دون رفع السقف المالي معه. بمعنى إذا كان السقف المالي مئة وأنت تستقبل 200 مريض بعشرين ألف، أصبحنا نأخذ 200 مريض بأربعين ألف مع سقف مالي مئة، وبالتالي أصبح هناك 100 مريض على نفقة الوزارة و100 مريض خارج هذه العقود وهذا يوقعنا بعجز. أذكّر أننا مؤسسة لا تُعنى بالربح، فلمَ يريدون تحويلنا إلى مؤسسة مالية؟ ما يحصل غير منصف بحق المرضى".


ماذا عن القانون؟


ضمن مشروع "كثارسيس" الجديد الممول من الاتحاد الأوروبي "قصة منسيين وراء القضبان"، تتحدّث زينة دكاش في دراسة أجرتها مع مجموعة من الباحثين عن تفشي أمراض نفسية  بين السجناء في سجني بعبدا ورومية وتتطلب توفير الرعاية الصحية والنفسية للسجناء الذي هو أقلّ من المستوى المطلوب والتي بالكاد تتوافر لهم. وتنوّه إلى أنّ "المادّة 232 من قانون العقوبات تتضمن التالي: "من ثبت اقترافه جناية أو جنحة مقصودة ]...[ وقضي بعدم مسؤوليته بسبب فقدانه العقل حُجز بموجب فقرة خاصة من حكم التبرئة في مأوى احترازي ]...[ ويستمر الحجز إلى أن يثبت شفاء المجنون بقرار تصدره المحكمة التي قضت بالحجز]...[". هذا مع العلم أنه لم يتمّ مراجعة هذا القانون بحسب الدراسة منذ عام 1943، مما يستدعي إعادة النظر في صياغته. وفي هذا السياق، تشير دكاش إلى أنها "تنبّهت منذ عام 2012 إلى وجود مرضى نفسيين بين السجناء، فبدأت أتساءل عن الأحكام الصادرة بحقهم، والتي تتضمّن: "حجز المتهم في مأوى احترازي (أي جناح مُخصَّص للاضطرابات النفسية) حتى ثبوت شفائه بقرار تصدره المحكمة". هذا الامر جعلني أقابل القضاة لأستفسر عن الأمر والتكلم على أن المرض النفسي لا شفاء منه بل استقرار في الحالة". وتوضح دكاش أنّ هناك تعاوناً بينها وبين السلطات المعنية فـ " وزارة العدل قد عينت القاضي حمزة شرف الدين لإدارة ورشات العمل، إذ لدينا 20 ورشة، كنا قد أجرينا إحداها مع قضاة محاكم صيدا، النبطية وزحلة، والأسبوع القادم سنتجه إلى الشمال، ثم إلى جبل لبنان وبيروت، قبل التوجه لصانعي القرار أي لجنة العدل والمجتمع الأهلي للوصول إلى مسوّدة القانون بعد إبداء الجميع رأيه فيها". وتشير دكاش إلى أنّه ليس العمل الوحيد الذي يساهم في تعديل بعض القوانين مذكرة "بمسرحية 12 لبناني غاضب التي ساهمت في تطبيق قانون "تنفيذ العقوبات" الذي صدر عام 2002 والذي لم يطبق إلا عند حلول عام 2009".
عوّدتنا زينة دكاش على تقديم أعمال ذات هدف توعوي تساهم في تحسين واقع مجتمعنا اللبناني المرير. على أمل أن يسير آخرون على خطاها لكون مجتمعنا بأمسّ الحاجة إلى مبادرات كهذه تضيء شمعة في هذا الظلام الدامس.


[email protected]


Twitter:@Yara_Arja


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم