الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

عن أدبِ تنبّأ بالإعتداءات

رلى راشد
عن أدبِ تنبّأ بالإعتداءات
عن أدبِ تنبّأ بالإعتداءات
A+ A-

يجعل أكثر من مُعطى مأساة فرنسا الحديثة التي تطوي بها عاما تلَطّخ بالدم منذ مطلعه، تبدو على نحو ما كامتداد لمأساة لبنانية سرمديّة شكل إنفجارا برج البراجنة فصلها الأخير فحسب.


لا نبحث هنا هنا في أحقية الموازاة بين موتين، أحدهما قريب بل وقريب جدا وثانيهما أكثر بعداً. غير ان القتل الجبان القادر على سلخ الناس من معيشهم على اختلاف مشاربهم وسحناتهم وألوان عيونهم، يجعلنا نرتاب من الدرك الذي يسع الإنسان بلوغه ويجعلنا نميل إلى اعتماد الكلام الذي ساقه الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت في شأن الإنسانية المكوّنة من موتى بأعداد أكبر من الأحياء.
قبل ساعات قليلة من هجمات باريس الأخيرة، صودف أن نَشرتُ في "النهار" (http://www.annahar.com/article/283909)، مقابلة كنتُ أجريتها قبل نحو أسبوع مع الكاتب الفرنسي جان رولان واستحوذت روايته "الحوادث" على الجزء الأوفر منها. وإذا كانت المسألة تستحق إعادة النظر فيها فمن باب تمحور رواية رولان على "حرب أهليّة" في فرنسا تجعل البلاد مرتعا للميليشيات والعنف الحربي في موازاة سيادة القلق وانتفاء الإستقرار. إبان الحوار نأى جان رولان بنفسه عن الإستشراف ومن الهيّن فهم رغبته في عدم جعل نصه التخييلي نذير شؤم يُعِدّ لوجع محتوم آتٍ. في أي حال ليست رواية رولان حالة أدبية إستثنائية في سياق القطع التأليفية التي قرأت التطورات الداهمة قبل حصولها وجعلت من أصحابها وفي برهة، ناطقين بحقيقة لا يرغب أحدهم، وهُم حتى، في سماعها.
في أعقاب الإعتداءات الإرهابية التي استهدفت باريس إستعادت صحيفة "لو فيغارو" ألبومات "رباعيّة الوحش" لإنكي بلال الكاتب من أصول يوغوسلافيّة الذي ذاع صيته في مجال الشرائط المصوّرة. إستَدعَت الصحيفة أولى نوافذ سلسلته بعنوان "نوم الوحش" لتسأل عن مشهد حوته وتعلّق بمجموعة من المتطرّفين المُنتمين إلى بدعة Obscurantis Order ذي الإمتدادات الدوليّة، يعمدون إلى استباحة العاصمة الفرنسية باريس وتدمير معلمها الأشهر "برج إيفل". ها هو الواقع الأخير يلتحق بشيء من الخيال وإن معدلاً من حيث التفاصيل والكرونولوجيا، لكن ها هنا أيضا كاتب يشعر بمسؤولية لم يرغب في تحمّلها. ها هنا كاتب يعلن رغبته في التنصّل من دوره في إيقاظ الوحش من سباته.
ضَمّن الكاتب الفرنسي باتريك موديانو خطاب نيله جائزة "نوبل" الآداب إقرارا بأن الكاتب والروائي تحديدا، عَرّاف على نحو ما، وذهب إلى حدّ وصفه بالرائي، فهل نُسلّم بتبصّر ناس الآداب؟ لا مجال للتشكيك في أن الروائي أمسك في راحته قدر شخوصه ليصير وفق الصورة التي استخدمتها جوليان غرين بمثابة الله الذي أحكم قبضته على مصيرها.
يستطيع الكاتب أن يخلق أنساقا من شخوص ربما تبيّن سمات قصّرت عن إبرازها في العالم الحقيقي أحيانا، من حيث الإندفاع في الكفاح والجلادة إزاء المصيبة والنهم في المتعة.
فهل الكاتب كائن راء في حدود شخوصه أو في سياق التاريخ وما يتعداه إلى الجغرافيا والجغرافيا-السياسية حتى؟ الجواب مركّب ومربك مثلما هو الإبتكار لأنه منوط بالخيال، فهل الخيال موضوعي أو ذاتي؟ نظنّه على الراجح سليل الموضوعية الذاتية.


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم