الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

الاستهلاك المستدام لرعاية البيئة

نجيب صعب
A+ A-

أصبحت التقارير السنوية عن وضع البيئة العربية، التي يصدرها المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، مرجعاً رئيسياً للمعلومات ومحركاً لإصلاحات في السياسات البيئية العربية. وقد خلصت التقارير السبعة التي صدرت حتى الآن إلى أن اعتماد أنماط ملائمة للاستهلاك يؤدي دوراً محورياً في إنجاح خطط الإدارة البيئية. كما أظهرت هذه التقارير العلاقة المترابطة بين الطاقة والمياه والغذاء، خاصة مع تعاظم تأثيرات تغير المناخ. لكن حصْر المعالجة بزيادة الإنتاج لا يكفي لسد حاجات الجياع وتأمين المياه للعطشى، ولن يوصل الإنارة إلى جميع القرى المظلمة. كما أن الاكتفاء ببناء المزيد من المطامر والمحارق لن يحل مشكلة النفايات. فتعزيز الكفاءة هو أقل كلفة بكثير من زيادة كميات الإنتاج، ذلك أن الأنماط الاستهلاكية غير الملائمة هي أساس المشكلة، وأي حل قابل للاستمرار يستدعي تغييراً جذرياً في أنماط استهلاكنا للموارد وإنتاجنا للنفايات.
لهذه الأسباب تم اختيار الاستهلاك المستدام موضوعاً للتقرير السنوي الثامن للمنتدى. وهو يأتي متزامناً مع إقرار زعماء العالم في قمة الأمم المتحدة في نيويورك 17 هدفاً للتنمية المستدامة، ينص الهدف 12 منها على "الالتزام بأنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة".
يبقى قبول المستهلكين شرطاً أساسياً لوضع سياسات الاستهلاك المستدام موضع التنفيذ. فإذا خفف المواطن العربي، مثلاً، معدل استهلاك اللحوم الحمراء 25 في المئة، من 17 كيلوغراماً للفرد في السنة، يمكن توفير 27 بليون متر مكعب من المياه، على اعتبار أن انتاج كيلوغرام واحد من اللحم يتطلب 16 متراً مكعباً من المياه. ومن أهم استنتاجات تقرير "أفد" أن الحل ليس دائماً في تخفيف كمية الاستهلاك، بل في التحوّل إلى أصناف أخرى أقل ضرراً بالبيئة – من اللحم إلى السمك والحبوب مثلاً، أو من الكهرباء المنتَجة من النفط والفحم إلى الشمس والرياح. وإذا كان البعض يظن أن تعديل الأنماط الاستهلاكية لضمان الاستدامة يحطّ من نوعية الحياة، فهو سيكتشف في تقرير "أفد" أنه على خطأ، إذ إن الإدارة الرشيدة للموارد تضمن نوعية حياة أفضل في الحاضر والمستقبل.
ومن أجل معرفة كيف ينظر الناس إلى أنماط الاستهلاك وإلى أي مدى هم على استعداد لتبديل عاداتهم، أجرى "أفد" استطلاعاً موسعاً للرأي العام، استقطب 31 ألف مشارك من 22 بلداً عربياً. وقد وجد الاستطلاع أن الجمهور العربي على استعداد لكي يدفع أكثر لقاء الكهرباء والوقود والماء ولتغيير عاداته الاستهلاكية، اذا كان هذا يساهم في رعاية الموارد وحماية البيئة. وعبرت أكثرية تجاوزت 80 في المئة عن قبولها بتغيير في العادات الغذائية وأصناف الطعام، شرط توفير الأصناف البديلة بكميات كافية وأسعار مناسبة. وأظهر الاستطلاع اهتماماً متزايداً بكفاءة الطاقة، إذ قال أكثر من النصف إن مستوى استهلاك الكهرباء والوقود هو الشرط الأساسي الذي يحكم اختيارهم للأجهزة المنزلية أو للسيارة. واللافت أن غالبية كبيرة، وصلت الى 99 في المئة في بعض البلدان، تعتقد أن الحكومات لا تعمل ما فيه الكفاية لمعالجة المشاكل البيئية، وأن وضع البيئة في بلدانها تدهور خلال السنين العشر الأخيرة.
وجد التقرير أن الدعم غير المتوازن لأسعار الماء
والطاقة والغذاء يشجع على أنماط استهلاكية تتسم بالتبذير واالاهدار، إذ يذهب 90 في المئة من أموال الدعم إلى الأغنياء.
لكن هناك اتجاهاً واضحاً الى
تغيير هذا النمط، بحيث بدأت ست دول عربية تطبيق إجراءات إصلاحية لنظام دعم الأسعار خلال السنتين الماضيتين.
نأمل ألا تقع البيئة ومنظماتها ضحية للحروب والنزاعات، أو تسقطها ميزانيات التسلح
من دائرة الاهتمام. لكننا نرجو، في الوقت نفسه، أن يساعد
هذا التقرير وتوصيات المؤتمر الدول العربية على اعتماد
سياسات ملائمة تفضي إلى إدارة أفضل للموارد الطبيعية، وتشجع الناس على تغيير عاداتهم الاستهلاكية لتعزيز الكفاءة وتخفيف الاهدار.


نجيب صعب
الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم