الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

خلفيات اندفاعة بوتين المتهوّرة وتداعياتها المتفجّرة

ريمون عبود
A+ A-

بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، تيتّمت الأحزاب اليسارية، لفقدانها مرجعيّتها الإيديولوجية، فانكفأت وتراجع دورها، لتتصدّر الساحات الحركات الإسلامية وشعارها "الإسلام هو الحلّ" بعد فشل التجارب الإشتراكية والوحدوية.
تفرّدت الولايات المتحدة بإدارة العالم، وتميّزت سياستها مع الرئيس بوش بالإنفلاش والتورّط في حروب خارجية، مستفيدة من تخبّط روسيا في مشاكلها الإقتصادية، فطوّقت بترسانات السلاح، ودخل معظم دول أوروبا الشرقية إلى حلف "الناتو"، ما زاد هواجس الروس. بعد وصول بوتين إلى السلطة، الذي تراوده أحلام استعادة أمجاد الماضي، وهو الرجل الحازم القادم من عالم المخابرات، بدأ الرد في اتجاه جورجيا، وضمّ شبه جزيرة القرم، ودعم الإنفصاليين في أوكرانيا، مترقباً رد فعل الغرب الذي سارع إلى فرض عقوبات إقتصادية قاسية، وتخفيض أسعار النفط، فتكبّدت روسيا خسائر تجاوزت 250 مليار دولار. من أسباب متابعة اندفاعه نحو سوريا: - وجود رئيس اميركي متردّد وساذج سياسياً، ووزير خارجية صاحب وجه موميائي باهت، أضعفا هيبة بلدهما، وأتحفانا بمقولة "الأسد فقد شرعيته وعليه أن يرحل". -رغبة الرئيس أوباما في الإبتعاد عن مشاكل الشرق الأوسط للتفرّغ لشرق آسيا الأكثر أهمية اقتصادياً. - ضعف أوروبا القارة الهرمة والعاجزة. - عدم تمكن إيران و"حزب الله" من حسم الوضع. - لم تعد هناك قدرات لدى الجيش السوري بعد استنزاف طويل. – الخوف من سقوط مفاجئ للنظام، وقيام حكم سنّي متشدّد بدعم تركي - قطري، يسهّل لقطر مدّ خط غاز عبر سوريا وتركيا إلى أوروبا، ومنافسة روسيا ومنع احتكارها الغاز والتحكّم بأسعاره، وهو يشكّل 20 بالمئة من دخلها. -انتصار تركيا في سوريا يجدّد الحلم التركي مع امتداداته نحو الدول الإسلامية، التي انفصلت عن الإتحاد السوفياتي، وفيها قبائل من أصل تركي. -الدعم التركي لأذربيجان في صراعها مع أرمينيا المدعومة من روسيا. -القضاء على المقاتلين الروس الذين تدفقوا إلى سوريا -فشل تركيا في إقامة مناطق عازلة، وقلقها من المكاسب التي حققها أكراد سوريا، وأن يثير ذلك نزعات إنفصالية لدى أكرادها، وخوفها من إندلاع حرب أهلية بسبب تصرّف أردوغان الأرعن تجاه الأكراد. هلع تركيا من قيام دولة كردية بموجب معاهدة "سيفر" عام 1920، ما يهدد تركيا بالتفكك، لكن لديها ورقة المهاجرين وتسهيل تدفقهم نحو أوروبا استدعى تحرّك المستشارة الألمانية ووعدها بمساعدة تركيا لدخول الإتحاد الأوروبي مقابل ضبط حركة المهاجرين. غامر بوتين في اندفاعه المتهوّر لقلب المعادلة في سوريا، وفاجأ الغرب. سوريا هي الحليف الوحيد المتبقي بعد خسارة العراق وخداعه في ليبيا، غايته تأمين المصالح وفرض أمر واقع على الأرض يرغم الغرب على أخذ موقع روسيا المستجدّ في الاعتبار. لا بدّ من الإشارة إلى ارتدادات هذا الغزو، ولا سيما بعد موقف الكنيسة الروسية بوصفه حرباً مقدسة، والرّد بدعوة 50 عالماً سعودياَ إلى الجهاد. – هل احتسب بوتين إمكان تكتل السنّة ضد روسيا وتعريض مصالحها للخطر، رغم محاولات استرضاء مصر والسعودية. – المعركة تتطلّب المزيد من الذخائر والمعدّات. – هل روسيا بإمكانها تحمّل هذه الأعباء واقتصادها إلى تراجع؟ - مواجهة معضلة لوجستية مقلقة إذا طالت الحرب وتحوّلت استنزافاً. – لا حسم عن طريق القصف الجوي، من دون قوات على الأرض، وجيشها تاريخياً لم يقاتل بعيداً عن بلده منذ احتل الجيش الروسي بيروت عام 1772 في عهد كاترين الثانية. – هل يتقبل الشعب الروسي الإنغماس في حرب شبيهة بحرب أفغانستان؟ - توحيد كل الفصائل لمقاتلة الروس. - تدفق أسلحة متطوّرة إلى المعارضة كصواريخ "تاو" المضادّة للمدّرعات. - من يتولى الإعمار وعودة المهجّرين. أعطت روسيا دوراً لها أكبر من حجمها وإمكاناتها. لا يبدو أن هناك تنسيقاً روسياً - أميركياً في سوريا، مع انفتاح اميركي ورغبة للبحث جدياً في حل سياسي ينهي حكم الطاغية، هذا إذا اقتنع القيصر.
أما أصحاب الرؤوس الحامية في جبهة الممانعة نذكّرهم بأن الإتحاد السوفياتي هو ثاني دولة بعد انكلترا تعترف بإسرائيل. ناهيكم عن التنسيق الروسي معها لتأمين مصالحها واستمرار طلعاتها الجوية. تدافعون عن نظام يتداعى، يمطر شعبه بالبراميل المتفجّرة، ولا يردّ على غارة اسرائيلية، أم أنه ينتظر تحقيق التوازن الإستراتيجي ليحدد زمان من المعركة ومكانها، كفاكم اجتراراً لمزايدات ممجوجة، ولجماعة تيار السيادة، نقول: لن تتكرر التجربة بإيصال بشير جميّل آخر على دبابة روسية، كما جاء البشير على دبابة اسرائيلية.


ريمون عبود

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم