الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الشارقة تتوهّج بالكتاب وبمسألة الحريات ليرى العالم أين أصبحت

الشارقة - فاطمة عبدالله
الشارقة تتوهّج بالكتاب وبمسألة الحريات ليرى العالم أين أصبحت
الشارقة تتوهّج بالكتاب وبمسألة الحريات ليرى العالم أين أصبحت
A+ A-

على طاولات الحضور طعام كثير يُخشى أنّ جلّه قد يُرمى وثمة بطونٌ تتضوّر. كان على الجميع الوصول قبل الوفد الرسمي وإغلاق الأبواب. انهماكٌ، توتّر، واصرارٌ على عدم الخطأ. يدخل الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، إلى افتتاح معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والثلاثين (4 - 14 الجاري). يعلن انطلاق المعرض، يوزّع الجوائز على المُكرَّمين، يوقّع كتابه، وينصرف، تاركاً الزوّار يجولون طلقاء على مساحة 16000 متر مربّع.


للهنود حصّة كبرى يتوقّف المرء عندها. لا في المعرض الذي يخصّص مساحة لافتة للإصدارات الهندية، بل في كلّ مكان بالشارقة: الفنادق، السوبر ماركت، المطاعم، التاكسي، وعلى الكورنيش قرب البحيرة. هم الغالبية في إمارة لا نرى فيها سكّاناً من أبنائها يؤدّون مشقّة الوظائف اليومية. الهنود يبتسمون دائماً، قرب الكتب في المعرض وحين يقدّمون الطبق أو يطلبون الإذن لتنظيف الغرفة. يبتسمون كالفتى السنغافوري في مطعم الفندق، الآتي من بعيد بحثاً عن زمن أفضل. "وِيْل كام"، يرحّبون بنا وعلى الوجه ضحكة قد تخبّئ خلفها ما يؤلم. نُلقي التحية ونُكمل التجوال بين الكتب. لا العين تشبع ولا الروح تكفّ عن استدعاء النهم. الكتاب ميلٌ وأذواق. أعداد ضخمة لكتب صادرة عن دور نشر خليجية تشهد إقبال أهل البلد، قد نمرّ أمامها مرور العابر. 1502 دار نشر من 64 دولة و1,5 مليون عنوان، وللإنسان قدمان هشّتان وقدرة تنفد. في معارض الكتب خارج بيروت يطاردنا هاجسان: الكتاب القيِّم ودور النشر اللبنانية. "وأخيراً التقينا بلبناني"، نقول لشاب يعرض كتباً ويحاجج على طريقة اللبناني في يوميات الانفعال. يضحك ويعقّب: "ولَوْ! دبي كلها لبنانيين". نوضح أنّ القصد هو اللبناني في معرض الكتاب. أين هو؟ لم يُلمَح له أثر في توزيع الجوائز خلال الافتتاح ولا مرَّت دار نشر لبنانية بين الدور التي كُرِّمت. يدلّنا بإصبعه على اتجاه الدور اللبنانية المشاركة في المعرض، فنهرع كأنّنا من فصيل مَن تلفحهم الغربة ويجدون البهجة في أوّل نَفَس لبناني، والأمر في حالتنا مضحكٌ ومستَغرب.


الكتاب مؤكّداً أنّه حيٌّ يُرزق
يُقدَّر اهتمام الشارقة بالكتاب، وحضّ التلامذة على ارتياد المعرض. باصات يترجّل منها أولاد يفرحون كأنهم في نزهة. في الداخل، ثمة أنشطة تنتظر، ومسرحيات قصيرة ومجسّمات كرتونية عملاقة. لا تنفكّ الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي تثني على دور القراءة في حياة الصغار. لم تفوّت مناسبة من غير تشجيع الأهل على اقتناء الكتب. في مؤتمر الناشرين العرب (استضافته الشارقة في 2 و3 الجاري)، وفي كلّ ندوة تحلّ عليها ضيفة. المشي طويل، والتوقّف ضروري كلما خفق القلب لكتاب. محطةٌ في "دار الآداب" حيث كتّاب لبنانيون يوقّعون كتبهم، وثانية في "دار الساقي" و"هاشيت أنطوان" و"الفارابي" ودور لبنانية أخرى. ثم جولة على دور النشر المصرية الكبرى، حيث ألوف الإصدارات فيتمنّى المرء لو يملك شحن المئات منها بطرفة عين من رفّ المعرض إلى رفوف مكتبته.
الموعد يومياً من التاسعة صباحاً حتى العاشرة ليلاً، والجمعة من الرابعة بعد الظهر حتى منتصف الليل. الزوّار يتوافدون بكثافة، بعضهم يشتري وبعضهم يتجوّل. جميلةٌ الحركات الثقافية أكانت متوهّجة أم توّاقة إلى وهج. وجميلٌ الكتاب وهو يؤكّد أنّه حيٌّ يرزق. في إمكان الزائر التجوال بين الكتب، شراء ما تيسّر، وارتياد ندوات يلمح فيها ما يفيده، وإذا حلَّ التعب استراحَ حيث الأطعمة والقهوة. ندوات ومحاضرات في "المقهى الثقافي" طوال الأيام الأحد عشر. كتّاب من الخليج ومصر ودول أخرى، مفكّرون ومحاضرون، ومَن يأتون لتوقيع كتبهم وتسويقها. هنا الزائر سيّد نفسه: يبقى ساعات في المعرض أو يرحل، يلتزم جدول الندوات أو ينتقي الأنسب، يشتري أو يتفرّج (قد يتحسّر إن كان الجيب لا يسمح)، يرتشف القهوة والماء أو لا يأكل ولا يشرب.


مؤتمر الناشرين وإشكالية الحرية
كان ذلك قبل انعقاد مؤتمر الناشرين العرب بدورته الثالثة في الشارقة بعد الرياض والإسكندرية. شعار المؤتمر: "صناعة النشر، آفاق وتحدّيات العصر الرقمي". الحاكم والابنة والوفد الرسمي في الافتتاح، وينبغي تفادي الثغر. في صالة "الجواهر" للمؤتمرات، زحمة ضيوف ترخي نقاشاً بديعاً. باص الصحافيين انطلق باكراً، تتقدّمه دورية تسهّل السير، والضيوف عربٌ وأجانب يناقشون مسائل النشر والتعبير والترجمة والملكية الفكرية والقرصنة الرقمية والتوزيع الالكتروني وقضايا الحريات. من التاسعة وخمس دقائق صباحاً، حتى ساعات بعد الظهر، طرح المناقشون أسئلة عن التغيرات التي طرأت على صناعة النشر وطبيعتها المعقّدة. وقدّموا هواجس حول محاربة القرصنة وحماية الملكية الفكرية ودور الحكومات العربية في تعزيز الإبداع. سلَّم الجميع بواقع التحوّل إلى المحتوى الرقمي وتراجع سطوة الورق. لم يدّعِ أحدٌ امتلاك أجوبة كاملة عن أسئلة تتعلّق بالتسامح والمرونة وحرية النشر وثقافة الشعوب وخصوصيتها. يومان من النقاش من أجل الرقي بمهنة النشر والكتاب والبحث عن طرق مواكبة المستجدات. يكثر التنظير في جلسات كهذه، لكنّ الناشرين تنبّهوا من ضجر العموميات وتجنّبوا الاختباء خلف الإصبع. أكّدوا الالتحاق بالانترنت والكتاب الرقمي، وبأنّ المستقبل لم يعد للورق.
حضرت مواقع التواصل وتكلّم المحاضرون على شروطٍ للخصوصية يوافق عليها المتصفّحون من دون قراءتها. كانت مشاركة في الآراء والأفكار والاقتراحات والحلول الإيجابية، ودعوة إلى "غزو" الغرب ثقافياً عبر تفعيل الترجمة. لا تسرّ حال الناشرين اليوم، فأجمع اتحاد الناشرين العرب على ضرورة مكافحة القرصنة والغشّ التجاري ونسخ الكتب، إلى تدعيم القطاع اقتصادياً واحتضان المؤلف. تحاول الشارقة ألا تكون هذه العناوين شعاراً آفلاً أو استعراضاًبرّاقاً لضرورات المناسبة. جيء بصحافيين من العالم لإيصال صوت يعلو. صينيون، أميركيون، أسوجيون، عرب، وجنسيات أخرى، حضروا لنقل اهتمام الحاكم وابنته بالكتاب. وليُقال للشعوب: راقبوا أولويات هذه الإمارة وسط الانهيار والكراهية والظلمة في المنطقة. تحدّث الروائي الياس خوري عما يثيره تحوّل الكتاب إلى العالم الافتراضي من حنين وأسى. صداقة الورق متعة متعبة. نلاحقها في معارض الكتب ونخشى أنّ الجحيم تنتظر إن تاهت بنا الخطوة.


[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم