الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

طرابلسيون لـ"النهار": لم يبقَ لنا سوى البحر... وجهتنا ألمانيا

المصدر: طرابلس - "النهار"
رولا حميد
طرابلسيون لـ"النهار": لم يبقَ لنا سوى البحر... وجهتنا ألمانيا
طرابلسيون لـ"النهار": لم يبقَ لنا سوى البحر... وجهتنا ألمانيا
A+ A-

ثورة من نوع جديد اخترعها الواقع الطرابلسي، وربما الواقع اللبناني بصورة عامة، هي حركة اللجوء الجماعي عبر البحر كظاهرة اجتماعية رافضة للواقع المأسوي الذي وصل إليه لبنان.


اختبر الناس الحركات الرافضة للواقع في مراحل كثيرة من حياتهم وتاريخهم، وانتفضوا بصورة شاملة سعيا للتغيير، وبناء الأفضل. لكن الطرابلسيين اليوم يتأكدون أن التغيير غير وارد في بلد كلبنان، ومهما ثاروا وانتفضوا فلا يقوون على التغيير. لذلك هم ينتفضون على نطاق اجتماعي واسع، ليرحلوا من بلد لا يؤمن لهم أبسط الحقوق.


في الشارع، يسمع العابر رجلا يتحادث مع ابنه عبر الجوال، بعد وصول ابنه إلى الهدف المرجو في المانيا أو السويد، وربما في دول أخرى. لكن الرحيل استقر على ألسنة الجميع على انه سفر إلى ألمانيا. لا يفهم عابر السبيل ما يقوله الابن، لكنه يقرأ في عيني الوالد، وتقاسيم وجهه علامات السعادة والارتياح. وعند سؤاله، يرد:" الحمد لله، لقد فتحت بوجهه، ولقي مبتغاه، وها هو في المانيا يعيش مرتاحا، وموعودا بالأفضل".


الوالد يضيف: "سنرحل جميعاً، ولن يبقى منا أحد هنا. هذا البلد لم يعد لنا فيه شيء. الدولة مهزلة، والسياسيون لا تهمهم إلا مصالحهم". ولسان حاله معمم على ألسنة العامة: "كلنا راحلون متى توافر لنا الرحيل. لماذا نبقى هنا بعد كل الأحداث التي وقعت ودفعنا ثمنها الغالي من حياتنا وأبنائنا. في زمن الحرب موت بالقذائف، وفي زمن السلم موت بالتهميش وفقدان العمل والإهمال".


 


عائلة الغمراوي


آخر تداعيات الرحيل المأسوية، الزورق الذي أقل 26 لبنانيا وسوريا بشكل مباشر من الشاطىء اللبناني إلى قبرص، ووجهته اليونان. ظلّ الزورق متأرجحاً على سطح المياه لأيام عدة، إلى أن تيّسرت له فرقة إنقاذ قبرصية نقلت ركابه إلى المستشفيات بعد معاناة من وضع مناخي سيء ورياح عاتية.


على متن الزورق عائلة من آل غمراوي من محلة البداوي، مدخل طرابلس الشمالي، حكايتها مأسوية بامتياز، وأكثر ما هو مأسوي فيها وجود طفلين بين المهاجرين مع أمهما، بينما بقي والدهم ربيع في لبنان، ويطالب بولديه، وإعادتهما إليه.


فاطمة غمراوي، جدة الطفلين، ووالدة ربيع ، ناشدت السلطات الرسمية المعنية في لبنان العمل على إعادة الطفلين، "أتمنى على الدولة أن تعيد لنا ابنينا حمزة وانجلينا، لأن ابني مظلوم وهو بحالة نفسية صعبة جدا"، قالت فاطمة.


عم الطفلين محمود يروي حكاية مأساة العائلة ويقول: "نهار الجمعة الفائت ذهب شقيقي ربيع الى عمله، وظهراً اتصل بزوجته سوزان كور، فكان الخط مقفلا، وفي الساعة 3 فقد الاتصال معها كليا. وفي اليوم الثاني اخبرني شقيقي ان زوجته وولداه حمزة (5 سنوات) وانجلينا (3 سنوات ونصف السنة) اختفوا. ذهبنا الى الامن العام، وأخبرنا عن اختفائهم، وكان شقيقي منذ فترة قد اتفق مع زوجته على السفر الى السعودية وقد هيأ جوازات السفر، ويوم الاحد، تفقد الجوازات، فوجد كل الجوازات عدا جوازه. الأرجح أن تكون زوجته قد أخذته معها لمنعه من اللحاق بها. يوم الاربعاء علمنا انها اصبحت في قبرص، وهي هربت مع زوج شقيقتي مظهر غمراوي، الذي يعمل سائق باص".


أضاف: "نريد الولدين، وقد علمنا انهما وجدا في مستشفى في اليونان، وتعرضا لصعوبات خلال المكوث في الزورق لأيام في ظل العواصف، وقد أصبحت حالتهما مستقرة. اليوم، عندنا همان، هم اختي التي هرب زوجها وعندها اربعة اولاد، وهم شقيقي ربيع الذي هربت زوجته، واخذت طفليه معها"، متمنياً على "وزارة الخارجية والدولة ان يحضرا ولدينا، مع خشية عدم القدرة على التعرف عليهما لأن السفر تم بجوازات سورية مزورة وبأسماء غير أسمائهم الحقيقية. ونحن نعتقد أن العملية خطط لها مظهر مع سوزان".


 


حكاية هلال


في محلة المنكوبين على كتف البداوي، كثيرون رحلوا، وأرسلوا الأخبار السارة عن الخروج إلى عالم جديد. تحمس هلال عبود، شاب في الثالثة والثلاثين، متزوج وله ولد، لا عمل له، هيأ أغراضه سرا، وجمعها عند أحد أصدقائه، ورحل في الزورق عينه الذي رحل فيه آل غمراوي.


تقول شقيقته ناهدة "هاجر شقيقي من الفقر، وترك والدتنا المريضة، وزوجة صغيرة، وابنه الصغير. اراد ان يبني مستقبلا افضل، ويؤمن لهم حياة كريمة".


فقد هلال والده خلال المواجهات بين جبل محسن والتبانة، وتخبر شقيقته : "يوم الثلاثاء الفائت وصلتنا رسالة منه تقول: "الحقوني، نحن عالقون في البحر قبالة جزيرة قبرص منذ اربعة ايام، وسنموت من الجوع والعطش، و انهم يواجهون الموت بسبب سرعة الرياح، والامواج". عندئذ بدأنا اتصالاتنا بسياسيين للسعي لانقاذ شقيقي ومن معه عبر الاتصال بالمسؤولين بقبرص".


أعلنت السلطات القبرصية انقاذ ركاب الزورق، وتقول زوجة هلال، سالي دنش: "احاول الاتصال به دائما من دون نجاح، وهو لم يعلمني انه مسافر لكي لا احزن... انا في حالة ضياع وحزن، وخائفة على زوجي. اتمنى لو يتصل ويطمئننا عليه".


 


هاجر ولداه


عبوراً نحو الشارع الداخلي في باب التبانة، وامام محل لقطع غيار السيارات المستعملة، يتجمع عدد من الشبان، واحد يدخن النرجيلة، ومعه صاحب المحل محمود عيسى الذي حاول السفر منذ سنتين إلى ألمانيا، فلم يوفق.
يقول محمود ل"النهار": "منذ حوالي السنة، وبسبب الاحداث، أرجأتُ سفري الى ألمانيا لكي أبقى مع اولادي، فسقطت قذيفة قربي، وفقدت ساقي. منطقة التبانة منكوبة، والشباب فقراء بلا عمل، ولم يبق أمامهم إلا الهجرة، وانا سهلت السفر لولدي الاثنين بطريقة الهجرة عبر البحر، فمن يدفع اكثر يصل بامان وبالفعل وصل الولدان الى المانيا، ابراهيم (٢٠ عاما)، وعبودة (17 عاما) وليس لديهما عمل هنا، علّهما يشقان طريقهما في بلاد تقيم للانسان وزناً".


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم