الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

أردوغان ... بين "عدالة" الدستور و"تنمية" السلطة

المصدر: النهار
جورج عيسى
أردوغان ... بين "عدالة" الدستور و"تنمية" السلطة
أردوغان ... بين "عدالة" الدستور و"تنمية" السلطة
A+ A-

قبل يومين من الانتخابات النيابيّة المبكرة التي ستشهدها #تركيا هذا الاحد، يبدو الذين لم يحسموا خيارهم بعدُ قلّةً من الناخبين بحسب مجلّة "وورلد بوليتيكس ريفيو". وتنقل عن استطلاعات الرأي أنّ حزب #العدالة_والتنمية يبقى الحزب الاكثر شعبيّة في تركيا، فيما سيسيطر حزب #الشعب_الجمهوري المعارض على الساحل الغربي. أمّا حزب #الشعوب_الديموقراطي المعارض أيضاً فسيحتفظ بالغالبيّة الكرديّة الموجودة في أقصى الجنوب الشرقي من البلاد.


يوم الأحد في الأوّل من شهر تشرين الثاني، سيتّجه الناخبون الاتراك الى صناديق الاقتراع للادلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانيّة المبكرة، بعد فشل حزب العدالة والتنمية في الحصول على الغالبية المطلقة من عدد اعضاء مجلس النواب في الانتخابات التي جرت الصيف الماضي. وحين انسحب الفشل أيضاً على تشكيل حكومة ائتلافية، قرّر الرئيس التركي #رجب_طيّب_أردوغان أن يدعو الى الانتخابات لعلّه يربح في تشرين ما خسره في حزيران.


ولا يخفى على أحد التحوّلات السياسيّة والامنيّة التي عصفت بتركيا منذ خمسة اشهر تقريباً وحتى الآن. فالهدنة التي كانت قائمة مع #حزب_العمّال_الكردستاني انهارت بعد استمرارها لحوالي سنتين. ودخلت تركيا في الحرب بقوّة ضدّه وضدّ "#داعش" وأعطت الضوء الاخضر للقوّات الأميركيّة باستخدام قاعدة #أنجيرليك الجوّيّة من أجل قصف مواقع التنظيم. فما مدى تأثير هذه الأحداث على الجوّ الانتخابيّ العام في تركيا؟ وما الذي سيحصل فيما لو فشل الحزب الحاكم بحصد الأغلبيّة المطلقة؟


نبذة عن النظام الانتخابي


يتألّف مجلس النوّاب التركي من 550 مقعداً. يتوجّب على أيّ حزب الفوز ب 276 منها للحصول على الاغلبيّة المطلقة. أمّا الحصول على 367 مقعداً فيخوّل الحزب الفائز إجراء تعديلات دستوريّة مباشرة. وتجري الانتخابات في 85 دائرة انتخابيّة على قاعدة التمثيل النسبي. إلّا أنّ هنالك عتبة أيضاً يتوجّب على الحزب الحصول اليها من أجل الدخول الى البرلمان. فلا يكفي فوز الحزب بالمقاعد بل عليه أن يحوز أيضاً على نسبة 10% وما فوق من التصويت على الصعيد الوطني، وإلّا، ستصادر مقاعده لصالح الاحزاب التي حصلت على تلك النسبة، "وهذا يعطي الاحزاب الكبيرة أفضليّة واضحة" كما تشرح صحيفة "الغارديان" البريطانيّة. ويأمل أردوغان في نيل حزبه هذا العدد من المقاعد لتعديل الدستور وإعطاء الرئيس صلاحيّات أوسع. إلّا أنّ هذا الأمر غير مرجّح بحسب الصحيفة ذاتها.


عن الحماس الانتخابيّ


يعيش المجتمع التركي حالة استقطابيّة "بشكل لا يصدّق" على حدّ تعبير مايكل ووثريتش الخبير في الانتخابات التركيّة ومدير "مركز الدراسات العالميّة والدوليّة" في جامعة كنساس. ومع ذلك يعتبر ووثريتش لموقع "يو أس آي توداي" أنّ هنالك أملاً ضئيلاً بين الناخبين في التغيير الايجابي. فهو يشير الى أنّه حتى ولو كسب #حزب_العدالة_والتنمية مقاعد إضافيّة، فإنّ سيناريو الائتلاف سيكون قائماً على الارجح.


أمّا الباحث في الشؤون التركيّة جو حمّورة فيصف في حديث الى "النهار" الاجواء الانتخابيّة بالحماسيّة. حمّورة المقيم في تركيا يشير الى أنّ باصات كثيرة تجوب الشوارع وتطلق الاغاني الحزبيّة، حيث يشارك حوالي عشرين حزباً في تلك الانتخابات، لكلّ منها ماكينته الاعلاميّة والدعائيّة الجوّالة. وتزداد اللافتات والصور مع قدوم رؤساء الاحزاب الى المدن بغية تنظيم اللقاءات الجماهيريّة وإلقاء الخطب السياسيّة. النقاشات في المقاهي دائمة الاحتدام، الأمر الذي يعكس، بشكل فعّال، اهتمام الاتراك بالحدث. ومع أنّ الأحزاب في تركيا مرتبطة بالافكار، "إلّا أنّ الشخصانيّة ما زالت قويّة" حيث يولي الاتراك أهمّيّة ملحوظة للزعماء الحزبيّين.


توقّعات النتائج


وسائل الاعلام الغربيّة تستبعد حدوث مفاجأة في انتخابات الاحد المقبل حيث تشير الى أنّ استطلاعات الرأي ترجّح نتائج مشابهة لتلك التي أفرزتها صناديق الاقتراع في حزيران. أمّا الصحف التركيّة فينبغي التعامل مع توقّعاتها بحذر. صحيفة "حرّيات دايلي نيوز" التركيّة كتبت هي الأخرى، في أوائل هذا الشهر، عن احتمال تكرّر نفس النتائج السابقة. حمّورة يرى أنّه يهمّ الصحيفة تسليط الضوء على الاحصاءات التي تخرج بخلاصات مشابهة، كي تحثّ جمهورها العلمانيّ أكثر على التصويت الى جانب حزب #الشعب_الجمهوري (بقي هذا الحزب 60 سنة خارج السلطة) او حزب #الشعوب_الديموقراطي اليساري الكردي لأنّ تقدّم الأخير يضعف الحزب الحاكم ويعزّز قوّة العلمانيّين في التفاوض.


أمّا بالنسبة للنتائج المتوقّعة فيشدّد على أنّها مرتبطة بعناصر كثيرة. أحد هذه العناصر هو اليمين القومي التركي. وفي الفترة الاخيرة انتقل كثيرون من #حزب_الحركة_القوميّة اليميني المتطرّف الى صفوف الحزب الحاكم. ومن بينهم إبن ألب إرسلان توركيش مؤسّس الحزب، خصوصاً أنّ "العدالة والتنمية" ينتهج سياسة قوميّة متزايدة لكسب تأييد القوميّين الذين إذا صوّتوا له "فقد" يعطونه الاغلبيّة المطلقة. وإلّا فستكون النتيجة مشابهة لما حدث في الانتخابات السابقة. ويرجّح أن تحصل بقيّة الاحزاب على نفس النتيجة مع بعض التراجع للحزب الكردي لأنّ الاتراك ينظرون الى حزب الشعوب الديمقراطي كذراع لحزب العمّال الكردستاني. فالفترة الاخيرة شهدت عملاً على تشويه صورة الحزب خصوصاً من قبل الاعلام التركي لأنّه حقّق إنجازاً نوعيّاً كحزب كرديّ في الانتخابات الماضية.


تحالف متين للمعارضة؟


حمّورة، وهو الباحث أيضاً في "معهد الشرق الاوسط للدراسات والابحاث الاستراتيجيّة"، يشدّد على أنّ التحالف بين الاحزاب في تركيا نادر. وبرزت في السنوات الماضية محاولات للتحالف بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القوميّة لكنّ المحاولة تلك لم يكتب لها النجاح. وحصل تقارب مؤخّراً بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديموقراطي خصوصاً في مواضيع الحرّيّات العامّة وحرّيّة الاعلام وحقوق الانسان، إلّا أنّ التفاهم لم يتطوّر كي يصبح تحالفاً. ويلفت حمّورة النظر الى أنّ هناك تفاهمات غير رسميّة بين الحزب الحاكم وبعض أحزاب اليمين الوسط وأحزاب إسلاميّة اخرى.


عن تكرار الفشل


"ما الذي يضمن عدم تكرار فشل الحزب الحاكم في تشكيل حكومة ائتلافيّة إذا لم يحصل على الاغلبيّة المطلقة؟" سألت النهار. "لا شيء يضمن عدم تكرار الفشل" أجاب حمّورة. وأضاف: "لا مانع دستوريّاً أيضاً من تكرار الانتخابات لمرّة ثالثة أيضاً. لكن فعليّاً إذا فشل الحزب هذه المرّة أيضاً، سيكون مبدئيّاً مضطرّاً للقبول بالتحالف مع أحد الاحزاب والتخلّي عن بعض الأفكار. فعدم تأليف حكومة لاحقة قد يعرّض البلاد لمخاطر أمنيّة واقتصاديّة".


تداعيات الفوز بالاغلبيّة المطلقة


يعتقد الباحث نفسه أنّ تحقيق الحزب الحاكم لتلك النتيجة قد يوقف تراجع الاقتصاد التركي. ومن ضمن النتائج أيضاً إنهاء نفوذ الداعية الاسلامي المعتدل فتح الله غولن في الاعلام والتربية بعدما أنهاه تقريباً في الشرطة والقضاء. أمّا خارجيّاً، فسيكون بإمكان تركيا أن تتدخّل أكثر في الساحة السوريّة حيث قد تشارك بفاعليّة اكبر في الحل السياسي المتوقّع في تلك الدولة. ويعتبر مسألة تعديل الدستور التركي لصالح إعطاء صلاحيّات واسعة لرئيس الجمهوريّة باتت شبه مستحيلة. فقدرة أردوغان الفعليّة ونقطته القويّة تتجلّى في سيطرته على المجالس السياسيّة والتنفيذيّة للحزب الحاكم.


ماذا عن "داعش" و"العمّال"؟


يجيب حمّورة بأنّ فوز الحزب الحاكم بالاغلبيّة المطلقة قد يدفعه الى البحث عن تهدئة مع حزب العمّال الكردستاني، لكن ليس بالضرورة مع التنظيمات الكرديّة السوريّة إلّا إذا تمّ إيجاد صيغة حقيقيّة لحلّ الأزمة. أمّا في حال الخسارة فقد يستخدم "العمّال" الأزمة السياسيّة لزعزعة استقرار تركيا من أجل الحصول على مكاسب إضافيّة. وستلجأ #أنقرة للتصعيد أكثر مع "داعش": "فالحكومة التركيّة تقوم بقصف بعض مواقع التنظيم في سوريا وتعتقل بعض المتّهمين بعلاقات معه على الارض التركيّة، لكن ينقص الحكومة مزيد من الحزم في ضرب التنظيم من أجل مساعدة قوّات التحالف في تحجيمه الى أصغر حدّ ممكن".


لا يكلّ أردوغان ولا يملّ من البحث عن تدعيم سلطته وتوسيع صلاحيّاته من أجل القبض أكثر على مقاليد الحكم. لكنّ ما تواجهه تركيا أكبر من مجرّد مسألة تحلّ بصلاحيّات أو تعديلات دستوريّة. فمشكلتها مع تنظيم الدولة الاسلاميّة تكبر يوميّاً وكذلك مع حزب العمّال الكردستاني والأكراد نفسهم داخل الحدود. عجلة النموّ الاقتصادي تتباطأ لا بل تتراجع، والناتج المحلّي شهد انكماشاً منذ فترة طويلة. أزمة اللاجئين السوريّين فرضت عليها طلب الدعم المادّي من دول الاتحاد الاوروبّي. لذلك بالامكان القول أنّ العين هي على الانتخابات لكنّ النظر هو الى الأبعد منها ... وبكثير.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم