الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

بين الاحتباس الحراري وأزمة النفايات

المصدر: "النهار"
مازن ح. عبّود- أستاذ التنمية المستدامة
بين الاحتباس الحراري وأزمة النفايات
بين الاحتباس الحراري وأزمة النفايات
A+ A-

تلتئم دول العالم في باريس في كانون الاول الجاري لمناقشة الوسائل التي تهدف الى الحد من ظاهرة الاحتباس. وكل يحمل ورقته التي هي خطته الوطنية التي تشكل اسهاماته الوطنية لمكافحة هذه الازمة الوجودية التي تهدد الحضارة البشرية برمتها. سبقت القمة مواقف تاريخية لكل من البابا فرنسيس بالاضافة الى عدد من القادة الروحيين، فاعادوا التذكير بأنّ مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري مسألة اخلاقية. وقد اعتبر البابا "انّ الضعف في قلوبنا الذي تسببت به جراح الخطيئة انعكس ظواهر مرض في التربة والمياه والهواء وكل اشكال الحياة"، مبدياً تخوفه من ان يتحوّل الكوكب الى كومة نفايات، ودعا الدول الغنية الى تسديد ديونها الاجتماعية الخطيرة الى الفقير بعد قرنين من سوء استغلال موارد الكوكب، والعمل فوراً على تبني خطوات ملموسة للتصدي لأزمة التبدل المناخي. اما البطريرك برثلماوس- رئيس اساقفة القسطنطينية والبطريرك المسكوني الارثوذكسي فقد اعتبر بأنّ "احترامنا للحياة على الكوكب يجب ان ينبع ليس فقط من خوفنا من الكوارث بل من حبنا واحترامنا للحياة عليه وللتناغم ما بين مختلف عناصرها ومكوناتها".



يلتقي ممثلو الدول في باريس في كانون الاول المقبل، وهم على ابعد الظن، لن يقدموا الا التمنيات والرغبات والهدايا التذكارية والخطابات في ظل التخوف من اجراء اصلاحات اقتصادية حقيقية وموجعة تعيد الى الكوكب توازنه. فأميركا مثلاً، وهي اللاعب الأساس قد دخلت مرحلة انتاج رئيس جديد لن يسمح لها وضعها السياسي الحالي بتبني اي معاهدة. والكونغرس المحكوم من الجمهوريين غير الراغبين بالكثير من صقورهم بالاعتراف بالمشكلة لانّ ليس لهم مصلحة بذلك سيكونون للرئيس الديمقراطي بالمرصاد. كما انّ الخوف من تعثر الاقتصاد العالمي جراء اي تدبير يهدف الى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة سيفرمل خطوات الصين واوروبا وسائر الدول ويجعل من الاجتماع صوريا واجتماع اعلان نوايا ليس الا.



ويبقى الرهان على الوعي الجماعي والمبادرات الخاصة التي تتنامى على الصعيد العالمي، والتي يجب ان تسبق التحركات الحكومية لا بل تكون محركها. فالتغيير لا يحصل على صعيد الحكومات الا بعد ان ينضج في افئدة الشعوب. ومن المؤسف انّ عصر العولمة ما عاد عصر القادة الكبار. صار العالم ممسوكا اكثر من أصحاب المصالح الكبرى الذين أضحوا يتحكمون به بشكل أكبر نتيجة تطور وسائل التواصل وتنامي الفردية وتصدع الأطر الناظمة للمجتمعات، مما يعني استبدال الأسس الاخلاقية بقيّم فردية تتبدل وفق الموضة الرائجة. والقلة التي تحكم العالم ارخت العنان للرأسمالية التي صارت متوحشة، فالانتاج بلا حدود والاستهلاك بلا حدود أديا الى تلوث بلا حدود ايضاً واستنزاف غير مسبوق لموارد الكوكب. طغت الرؤية القريبة المدى على كل شيئ وأعاقت ما هو متوسط وبعيد المدى حتى حدود الانتحار الاختياري. وتنامت "اللامساواة" وصغر العالم حتى أضحى قرية كونية، فصار الكوكب أكثر عرضة للاهتزازات.



ومع القمة المزمع عقدها، نسأل:
"أوليست مشكلة الاحتباس الحراري هي نتيجة الادمان على النفط الاحفوري وافرازته من غازات دفيئة؟ ما أدى الى ابادة شعوب فقيرة وحضارات بشكل مباشر وغير مباشر تحت عباءآت مختلفة؟؟
أوليست "داعش" والانظمة البائدة وسائل استعملت وتستعمل لوضع اليد على مصادر النفط الاحفوري؟ أوليس ازدياد الفقر والبطالة والجهل والتوتر والـ"لا مساواة" من مضاعفات الاحتباس الحراري؟ ما أدى الى تقلص رقعات الأراضي الزراعية والمياه العذبة جراء التصحر الى تراجع قدرات القطاع الزراعي، مما ادى الى فقدان الكثير من الوظائف؟؟
أوليس الاستثمار في الفقر والجهل والفكر المتطرف من لوازم العمل لوضع اليد على الموارد وحماية المصالح؟
اما حان الوقت كي يتم الاستثمار في البحوث للاستغناء عن مصادر الطاقة التقليدية عبر استنباط وسائل تنافسية نظيفة بدل الاستثمار في الحروب وصناعة الاسلحة؟



يدخل لبنان الى مؤتمر باريس في كانون الاول المقبل كي يشهر انتسابه الى الدول غير القادرة على ايجاد حل لأزمة نفاياته الصلبة التي أضحت طريقه الى الفوضى بانتظار ان تتحول صناديق النفايات صناديق انتخابية لرئيس طال انتظاره ولمجلس تعب من التمديد لنفسه. يدخل لبنان الى نادي الدول المؤتمرة في باريس وقد سبقت وفده الرسمي نفاياته المبحرة عبر المتوسط. يدخل لبنان الى قاعة المؤتمر وفي حقيبة الوزير تعهدات صورية وارقام بيانية غير مطابقة وخطط ورقية وآلة تصوير وميكروفون للغناء، فالكاميرا لتصوير ما قد فقدناه وما نعجز عن تحقيقه والميكروفون للغناء على اكوام النفايات المتراكمة والتي تعجز الحكومة عن ايجاد حل لها.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم