السعودية وايران وجها لوجه في فيينا...اختبار نوايا لسوريا وسط التوتر
دعوة #إيران للمرة الاولى منذ أكثر من أربع سنوات لتكون شريكا اساسياً في طاولة المحادثات لسوريا يمثل اختراقاً ديبلوماسيا يجمع استثنائياً جميع الافرقاء المعنيين بالنزاع السوري الذي أوقع نحو 200 الف قتيل.
فبعد أشهر من الخلافات على شكل المحادثات، وافقت طهران على دعوة أميركية للمشاركة في محادثات فيينا.ومع أن التوقعات ليست كبيرة في شأن امكان تجاوز الخلافات على سوريا، ومصير الرئيس بشار الاسد تحديداً، يمثل الاجتماع بذاته حدثا بجمعه على طاولة واحدة ايران وروسيا، الحليفين الرئيسيين للأسد، وأولئك المطالبين برحيله، بمن فيهم الولايات المتحدة والسعودية وتركيا.
وشكل رفع الحظر عن حضور ايران المحادثات تحولا واضحاً في سياسة واشنطن التي كانت منعت مشاركة الجمهورية الاسلامية في محادثات جنيف عام 2014. وهو يمثل مؤشراً لخروج الجمهورية الاسلامية من عزلتها الدولية بعد توقيع الاتفاق النووي بينها وبين مجموعة الست والذي يمهد لرفع العقوبات الدولية عنها في شكل واسع السنة المقبلة.
وفي الاسابيع الاخيرة، سعت واشنطن بجهد لاقناع حلفائها في المنطقة بالقبول بايران شريكا على طاولة المحادثات لسوريا. وقد واجهت معارضة قوية من السعودية تحديدا التي تخوص حربا بالواسطة مع طهران على جبهات عدة.وزار وزير الخارجية الاميركي جون كيري الرياض في عطلة نهاية الاسبوع الماضي، كما تحدث الرئيس الاميركي باراك أوباما مع الملك سلمان أمس،ولا شك في أن الخطوات الديبلوماسية التالية في سوريا كانت في صلب حديثهما.
الجبير
وبعد محادثاته مع وزير الخارجية البريطاني أندرو هاموند، أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حضور السعودية اجتماعي فيينا، الاول غداً يشمل المملكة العربية وروسيا والولايات المتحدة وتركيا لتنسيق الموقف، والثاني الجمعة مع "مجموعة موسعة من الدول الداعمة للمعارضة السورية". ومن دون أن يسمي ايران قال ان اجتماع الجمعة سيشمل دولاً أخرى من المنطقة لاختبار "نوايا هذه الدول" في ما يتعلق بإيجاد حل للازمة السورية "وعلى رأسها يكون موعد ووسيلة رحيل بشار الاسد."
الاتفاق النووي
هذا الزخم الديبلوماسي الجديد يأتي وسط تكثيف العمليات العسكرية في سوريا مع التدخل الروسي وتدفق "المستشارين العسكريين " الايرانيين وميليشيات شيعية تدعمها طهران، فيما تستعد واشنطن لاعادة ترميم استراتيجيتها العسكرية لمواجهة "داعش".ولكن نتيجة هذا الجهد الجديد ليست واضحة بعد، وخصوصاً أن ايران التي تدعم "عملية سياسية" في سوريا تحدد فيها الانتخابات مصير النظام، لمحت أكثر من مرة أن الاسد خط أحمر.
في المبدأ، يشكل انضمام ايران الى المحادثات لسوريا اختراقاً ديبلوماسيا، وخصوصاً أنه يأتي في خضم توتر متزايد بينها وبين ايران على خلفية مسائل تبدأ بسوريا ولا تنتهي باليمن.
من هذا المنطلق، ذهب محللون غربيون الى اعتبار مشاركة السعودية في المفاوضات وجها لوجه مع طهران دليل ضعف للمملكة.
فرصة نادرة
المستشار السياسي السابق في السفارة السعودية في واشنطن فهد ناظر رفض هذه النظرية، وأكد ل"النهار" أن السعودية لم تتردد يوما عن المشاركة في مبادرات ديبلوماسية تسعى الى انهاء نزاعات طويلة الامد. وهي تحاول " اغتنام الفرصة النادرة التي يبدو فيها أن لاعبين عدة، داخل سوريا وخارجها، جددوا التزامهم لانهاء سفك الدماء والمذابح التي تفتك بسوريا".أما عن موافقتها على المشاركة في محادثات وجهاً لوجه مع طهران ايران، فقال:"أعتقد أن السعودية تحاول اختبار صدق نوايا ايران وتعطيها فرصة أخيرة لاظهار جديتها في شأن حل الازمة في سوريا". ومع ذلك، لفت الى أنه " يجب الا يكون مفاجئا أن يكون للسعوديين تحفظات كبيرة على مشاركة ايران التي لا تزال احدى كبرى داعمي الاسد. فطالما واصلت ايران مساعدة الاسد ، ستبقى العلاقات مع السعودية متوترة".
لا توقعات كبيرة
منذ بداية الانتفاضة في سوريا ، اتخذت ايران قرارا ثابتا في مساندة النظام السوري، واعتبرت دائماً أن لا حل سياسياً للصراع من دون الأسد كشريك أساسي.
من هذا المنطلق، لا يبدي المسؤول السابق عن الملف السوري في وزارة الخارجية الاميركية فريديريك هوف تفاؤلاً بنتيجة انضمام ايران الى المحادثات لسوريا. ويقول في مقال في موقع مركز "أتلانتيك كاونسيل" أنه نظرا الى عمق مصالح ايران في الاستمرار السياسي للأسد، فان التوقعات من تعاون ايراني في شأن انتقال سياسي نحو الاستقرار يجب أن يكون مخفوضا".
وفي المقابل، يقول تريتا بارسي رئيس "المجلس الوطني الاميركي-الايراني" أن اشراك طهران والرياض في محادثات لسوريا اشارة أولى الى "الامكانات التغييرية " للاتفاق النووي. ففي رأيه لو لم يحصل الاتفاق لما كانت هناك محادثات لسوريا تجمع هذين الخصمين،معتبرا أن "العجز الديبلوماسي في المنطقة بدأ يتراجع" ، وإن يكن انهاء الحرب السورية لا يزال "مهمة شاقة".
تعزيزات عسكرية
في اي حال، تواصل ايران الذاهبة الى محادثات الحل السياسي في فيينا واصل تعزيز وجودها العسكري في سوريا. وقد ألقى الهجوم الأخير الذي شنته القوات الحكومية السورية على ريف حلب، الضوء على الدور المتنامي لايران في الحرب السورية.
فمع أن طهران تنفي على الدوام نشر قوات قتالية في سوريا، تفيد تقارير أن مئات الجنود الإيرانيين وصلوا إلى سوريا قبل أسبوع من بداية الحملة الروسية، تحضيرا للهجوم على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة.
وأقر نائب رئيس "الحرس الثوري" البريغادير جنرال حسين سلامي أخيراً بأن طهران تزيد نوعية وعديد قواتها في سوريا.ووصف مهمتهم بأنها استشارية لمساعدة الجيش السوري، موضحا أن الضباط الايرانيين يوفرون مساعدة تكتيكية للقادة السوريين في المعارك المباشرة، اضافة الى أسلحة ومعدات حربية ، ومساعدة في التخطيط الاستراتيجي.وأقر بأن عدد الضحايا الايرانيين في سوريا يتزايد.
وكانت ايران أعلنت في وقت سابق مقتل أربعة من الضباط الكبار في "الحرس الثوري" في سوريا، بينهم الجنرال حسين همداني، أكبر ضابط في الجيش الإيراني يقتل في سوريا، وقد لقي حتفه قرب حلب.
وفيما تقدر وكالة الاستخباراتي الدفاعية الاميركية مقتل ثمانية من القادة الايرانيين الكبار في سوريا منذ 2013، بينهم ستة جنرالات على الاقل، أوردت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية للأنباء "ارنا" الايرانية في حزيران أن 400 إيراني وأفغاني مقيم في إيران، على الأقل، كانوا "متطوعين" في سوريا قتلوا في السنوات الاربع الاخيرة في سوريا.
وغالباً ما يوصف الايرانيون الناشطون في سوريا بأنهم "متطوعون" في محاولة لنفي مشاركة جنود إيرانيين نظاميين في القتال ، مثلما يوصف ضباط الحرس الثوري الذي يقضون في الحرب بأنهم "متقاعدون" أو ضباط "سابقون".
ولكن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي صرح في وقت سابق هذا الشهر من دمشق، بأن بلاده مستعدة لإرسال قواتها إلى سوريا، إذا طلبت منها حكومة الرئيس بشار الأسد، ذلك.ونشرت وسائل إعلام إيرانية وسورية صورا لقائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني في سوريا.
وحتى الان، ليس واضحاً ما هو العدد الإجمالي للمقاتلين الإيرانيين في سوريا، الا أن رئيس الاركان المشتركة الجنرال جوزف دانفورد قدم الثلثاء أمام مجلس الشيوخ تقديرات عامة، قائلا إن ثمة أكثر من الف ايراني على الارض في العراق وأقل من 2000 في سوريا.
تأثير طويل الامد
مايكل آيزنشتات، هو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في "معهد واشنطن" يقول إن طهران وضعت الأساس لفرض تأثير طويل الأمد "ليس فقط من خلال إعادة تشكيل قطاع الأمن السوري على طريقتها، بل أيضاً من خلال توفير مليارات الدولارات من النقد والنفط للنظام بينما تخترق المجتمع المدني والاقتصاد السوري ".
ويندرج في هذا السياق التقارير التي تخرج بين حين وآخر عن شراء ايرانيين عقارات وتقديم بعطاءات للحصول على العقود الحكومية .
الى ذلك، لجأت الى طهران الى كسب النفوذ في سوريا بالتفاوض على وقف النار المحلي في الزبداني وقريتي الفوعة وكفريا الشيعيتين. وأثار الدور الايراني حساسيات سورية خرجت مرارا الى العلن.
ومع ذلك، يرى آيزنشتات أن التدخل الروسي الأخير أظهر عجز ايران ، وأفقدها موقعها الراعي الوحيد لسوريا، "فهي تخوض الحرب الآن ضمن تحالف، وسيكون لروسيا حيز كبير من القرار حول كيفية خوض الصراع".
وحتى الان، نجحت طهران من خلال المساعدات العسكرية والمالية التي قدمتها لسوريا من انقاذ حليفها الوحيد في المنطقة، وحافظت على جسر جوي لـ "حزب الله". وعندما تبيّن أن قدراتها الذاتية غير كافية، ضغطت إيران على روسيا على ما يبدو لكي تتدخل، الأمر الذي يزيد في رأي آيزنشتات التأكيد على التزامها بدعم حليفتها.
بداية الاحتجاجات
عندما اندلعت الاحتجاجات في سوريا، كانت طهران تزوّد نظام الأسد معدات لمكافحة الشغب وتكنولوجيا لمراقبة الإنترنت، فضلاً عن تقديمها المشورة في شأن كيفية التعامل مع التظاهرات، بناءً على نجاحها في سحق "الثورة الخضراء" التي شهدتها إيران بعد الانتخابات الرئاسية التي أوصلت محمود أحمدي نجاد الى السلطة عام 2009.
ومع تطور الاحتجاجات السلمية الى حرب أهلية دامية ، ضغطت إيران على "حزب الله" للانضمام إلى القتال ونشرت مقاتلين من "قوة القدس" التابعة لـ "الحرس الثوري " لتقديم المشورة للسوريين، رغم أن بعضهم كان متورطاً في القتال تقريباً منذ البداية.الى ذلك، أشرفت طهران على نشر مقاتلين من الميليشيات الشيعية من العراق ( 2012 ) وأفغانستان (2013) وباكستان (2014) في سوريا.
وفي الوقت نفسه، كانت إيران تشرف على تنظيم "اللجان الشعبية" في إطار ميليشيا تضم حوالي 100 إلى 150 ألف مقاتلٍ تُعرف باسم "قوات الدفاع الوطني"، على نسق قوات "الباسيج" شبه العسكرية الخاصة بالجمهورية الإسلامية.
[email protected]
twitter:@monalisaf