الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

جهاديو القوقاز كابوس لموسكو أم حصان طروادة؟

المصدر: "النهار"
أمين قمورية
جهاديو القوقاز كابوس لموسكو أم حصان طروادة؟
جهاديو القوقاز كابوس لموسكو أم حصان طروادة؟
A+ A-

"لن ننتظرهم حتى يأتوا إلينا، بل سنذهب لدحرهم هناك". هكذا برر الرئيس الروسي فلاديمير #بوتين في خطابه في 30 أيلول الماضي، اعلان بدء الغارات الجوية ، على الارهاب في سوريا لاسيما تنظيم "الدولة الاسلامية". والتدقيق في عمليات القصف التي تنفذها المقاتلات الجوية الروسية وخصوصا على مواقع في محافظات اللاذقية وحلب وادلب، يظهر ان الغارات لاتستهدف فقط التنظيم المتطرف والمعارضة السورية المسلحة التي تواصل الضغط على الجيش السوري في تلك المناطق انما ايضا المعسكرات والمقرات التي تأوي المجاهدين الآتين من القوقاز الروسي من شيشان وداغستانيين كذلك الآتين من الجمهوريات الاسلامية في الاتحاد السوفياتي السابق ، وتاليا فان استهدافهم يشكل نتيجة مباشرة للاستراتيجية الروسية التي تشمل في ما تشمل مكافحة هؤلاء خارج الارض الروسية حتى لايعودوا اليها بشكل اخطر.


ويمكن اعتبار انضمام جهاديي القوقاز إلى ساحة القتال في سوريا أحد أهم نقاط التحول الجوهرية في نشاط التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط، حيث تصاعد تدفق أولئك الجهاديين على سوريا عام 2012 عقب تراجع قدرتهم على تنفيذ عمليات داخل الجمهوريات الإسلامية في روسيا، التي عمدت إلى تشديد الإجراءات الأمنية في محيطها الإقليمي. ويأتي توسيع الوجود العسكري الروسي في سوريا، في جزء منه، رداً على تعيين تنظيم "داعش" أبا محمد القدري واليا على القوقاز، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا للمصالح القومية الروسية في آسيا الوسطى والقوقاز، في ظل تنامي المحفزات الداخلية لهذا التمدد.
وبحسب رئيس الوكالة الفيدرالية الروسية لشؤون القوميات إيغور بارينوف ، فان عدد المقاتلين من القوميات الروسية الذي توجه إلى ساحات الصراع في الشرق الأوسط، يصل إلى نحو2000، لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورئيس مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، رجحا أن أعدادهم تجاوزت الـ5 آلاف مقاتل.
ويتسم هؤلاء الجهاديون بخصائص عدة تميزهم عن المقاتلين الاخرين ابرزها:
-الخبرة القتالية الاستثنائية بعدما أكسبتهم الحروب المتتالية ضد الجيش الروسي مهارات قتالية نوعية، فضلا عن مشاركة بعض عناصرهم في العمليات العسكرية في أفغانستان وباكستان والعراق.
كما يستمد بعض قادتهم خبرتهم كذلك من خدمتهم العسكرية في صفوف الجيش الروسي، أو جيوش الجمهوريات السوفياتية السابقة الاخرى.


ويوصف عدد كبير من جهاديي القوقاز بأنهم الأكثر شراسة بين أقرانهم، وهو ما دفع أغلبهم للانضمام إلى تنظيم "الدولة الاسلامية"، حيث ينسب إليهم القيام بعمليات خطف وتصفية جسدية وتعذيب ضد الفصائل السورية المعارضة للتنظيم.


ويصف الناطق باسم "الجبهة الإسلامية" السورية حسين ناصر هؤلاء بأنهم "الأكثر إثارة للرعب في سوريا، فهم مستعدون لقتل حتى الأطفال بإشارة من أميرهم".
واشتكى احد امرائهم ويدعى كامل أبوسلطان الداغستاني، من تفضيل العرب على انصاره في تنفيذ عمليات انتحارية على رغم رغبتهم الشديدة في ذلك.


-النزعة القيادية: يتبوأ جهاديو القوقاز مواقع قيادية مهمة ضمن صفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، وشكلت "إمارة القوقاز الإسلامية" مصدرا رئيسيا للمقاتلين الأجانب، إذ أسس المقاتلون الذين يدينون بالولاء للإمارة حركات جهادية عدة في بلاد الشام، منها:


- "جيش المهاجرين والأنصار": أسسه أبو عمر الشيشاني سنة 2012، لينشق عنه في عام 2013 ، ويعلن مبايعته لتنظيم "داعش"، حيث يتولى قيادة القوات العسكرية للتنظيم بسوريا، وأعلن جيش المهاجرين والأنصار مبايعته لجبهة النصرة في ايلول 2015 على لسان زعيمه الحالي أبو إبرهيم الخرساني، بعد عزل قائده السابق صلاح الدين الشيشاني عقب رفضه قتال "داعش" و"النصرة"، واختياره الحياد.
- إمارة القوقاز في الشام: أسسها صلاح الدين الشيشاني" مباشرة بعد مبايعة جيش المهاجرين والأنصار لجبهة النصرة في ايلول 2015، ويدين هذا التنظيم بالولاء لزعيم إمارة القوقاز.


- جند القوقاز: تأسس على يد "عبد الحكيم الشيشاني" في 2013، وهو تنظيم يقف على الحياد بين "داعش" و"النصرة".


- "مجاهدو القوقاز والشام": انشق عن جيش المهاجرين والأنصار في 2013، ويتزعمه حاليا محمد الخرساني الذي بايع جبهة النصرة.


الأبعاد الاستراتيجية للضربات
ازاء هذا التوسع الميداني للمقاتلين وهذا الانتشار كان القرار الروسي باعلان الحرب الاستباقية على هذه المجموعات ، لكن ضمن اي نظرة استراتيجية وباي تكتيكات ؟ وماهي الخلفيات والغايات التي جعلت موسكو تتخذ قرارا بغاية الخطورة غبر نقل حربها على هؤلاء من الداخل الى الخارج؟
عدا عن رغبتها في دعم نظام حليفها السوري بشار الاسد واعادة المعنويات لجيشه بعد الانهيار الذي اصابه في ظل النكسات الميدانية المتلاحقة التي اصيب بها في الفترات الماضية فان موسكو تتطلع من وراء الانخراط في هذه الحرب الى ثلاثة اهداف استراتيجية ومحورية :


اولا ، الى الداخل الروسي الذي يضطلع دائما بدور رئيسي في تحديد السياسة الخارجية للكرملين، فسعي
موسكو لحماية مصالحها القومية، يرتكز بداية على الامن، فهناك خوف وقلق روسي كبيران من ارتداد العناصر القوقازية المقاتلة نحو الداخل الروسي ولاسيما نحو شمال القوقاز ما يشكل خطرا كبيرا على العمق الاستراتيجي الروسي، يأتي في الدرجة الثانية ضمن الأخطار الخارجية بعد توسع حلف شمال الاطلسي "الناتو" شرقا. كما أن منطقة شمال القوقاز، بإطلالها على البحر الأسود غربا، تمثل المنفذ الرئيسي والمباشر لموسكو عبر مضيقي البوسفور والدردنيل إلى البحر المتوسط، ومنه إلى ميناء طرطوس السوري، نقطة ارتكازها في الشرق الأوسط، علاوة على الخسائر الفادحة التي ستتلقاها موسكو في حال تنفيذ الجهاديين عمليات تخريبية ضد خط أنابيب "السيل التركي" المنطلق من القوقاز الروسي عبر البحر الأسود.


ثانيا، تبني موسكو استراتيجيتها في مداها الحيوي على منطقتين تشكلان حديقتها الخلفية، هما: منطقة آسيا الوسطى التي تضم أوزبكستان وقازقستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وتركمنستان، ومنطقة جنوب القوقاز التي تضم أذربيجان، جورجيا، أرمينيا، وتعمد دائما الى توطيد العلاقات مع هذه الدول وتدعيمها، وتوسيع النفوذ فيها باطار السعي الى ادماج دول المنطقتين ضمن مشروع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي للحد من تصاعد النفوذ الأميركي. وتمثل الضربات الجهوية الروسية ضد التنظيمات الاسلامية المتطرفة حافزا لتعزيز علاقات موسكو بالجمهوريات السوفياتية السابقة، في ظل الهواجس الأمنية التي تسيطر على هذه الدول إزاء اتساع نشاطات التيار السلفي الجهادي في آسيا الوسطى والقوقاز، حيث تمثل "حركة أوزبكستان الإسلامية" المنتشرة في دول آسيا الوسطى، إضافة لأذربيجان، أهم حركات التيار السلفيالجهادي في المنطقة. ويؤكد مسؤولو الأمن القومي الأوزبكي أن ما يفوق 5 آلاف مقاتل تابع للحركة توجهوا للقتال سوريا، كما انمقاتلي آسيا الوسطى انشأوا كتائب وتنظيمات في سوريا، أهمها، كتيبة "أنصار الدين" الطاجكية، وكتيبة "التوحيد والجهاد"، وكتيبة "الإمام البخاري" الأوزبكية التي تدين بالولاء ل"جبهة النصرة".


ويمثل فشل واشنطن في الحد من النشاط الجهادي، في ظل اتساع نفوذ تنظيم "داعش"، نقطة إيجابية لمصلحة موسكو، التي تعمل على رفع مستوى تأثيرها في سياسات دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، على افتراض أن وجودها العسكري في سوريا يشكل عازلا ومانعا أمام ارتداد المقاتلين نحو آسيا الوسطى، مما يعطي موسكو اوراق ضغط اضافية على تلك الدول لجرها مستقبلا الى المشروع التكاملي الروسي، والخفض التدريجي من مستوى علاقاتها تجاه واشنطن.


ثالثا، تعد منطقة الشرق الأوسط منطقة تماس بين النفوذينالأميركي والروسي، حيث تهدف استراتيجية واشنطن في المنطقة إلى حماية أمن إسرائيل، على اعتبارها نقطة ارتكاز للدورالأميركي، والسيطرة على نفط الخليج وغازه للتحكم في مصادر الطاقة العالمية، في حين تهدف موسكو إلى الحفاظ على وجودها العسكري بالمنطقة سوريا بعد خسارتها ليبيا، ومزاحمة النفوذ الأميركي، وعقد شركات اقتصادية مع دولها، بما فيها إبرام عقود لتوريد أسلحة.
وتهدف موسكو بضرباتها الجوية إلى استعادة دورها كقوة عظمى قادرة على المبادرة، وضبط الخريطة الجيوسياسية في المنطقة، مع تقديم نفسها كبديل للولايات المتحدة التي فشلت فشلا ذريعا في تدبير أزمات الشرق الأوسط، وملء الفراغ الأمني الذي خلفته واشنطن وراءها (احتلال العراق 2003)، والذي شكل ميدانا خصبا لتنامي وتمدد التيارات الجهادية. وفي حال نجاح موسكو في الحد من تمدد "داعش"، وتقليص نفوذه، وخلق توازن جديد في القوى يميل لمصلحة النظام السوري، فانها تتوقع ان تفرض حينئذ على واشنطن خفض سقف شروطها لإيجاد حل سياسي متفق عليه، بما فيه القبول بمرحلة انتقالية بوجود الأسد.
هل تنجح استراتيجية موسكو وتكتيتاتها؟


الحرب لاتزال في بدايتها، وقراءة الخرائط العسكرية غير النزول الى الميدان، وثمة كثر في العالم لايحبذون عودة منتصرة لموسكو وسيعمدون الى وضع العصي في دواليبها. لذا لابد من الانتظار لاتضاح معالم المشهد الشرق اوسطي الجديد.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم