الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مع طارق متري... عن "بائعي الاوهام" و"لوثة بعضهم" وحماية المدنيين

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
مع طارق متري... عن "بائعي الاوهام" و"لوثة بعضهم" وحماية المدنيين
مع طارق متري... عن "بائعي الاوهام" و"لوثة بعضهم" وحماية المدنيين
A+ A-

"عدم الاستسلام... ومواصلة الضغط". الموقف يصرّ عليه مدير "معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية" في الجامعة الأميركية في بيروت الوزير السابق الدكتور طارق متري. في تلك الساعة التي صارح فيها وزراء خارجية دول عدة وقادة كنائس مسيحية وطوائف اسلامية، كان يتكلم على حماية المدنيين في الشرق، مسيحيين ومسلمين، من كل الانتماءات. "لا، لم تحصل حماية لهم حتى اليوم"، يقول لـ"النهار". ويتدارك: "الحماية مسألة معقدة، خصوصا ان هناك "فيتو" في مجلس الامن الدولي. لكن يجب عدم الاستسلام امامه، ويجب مواصلة الضغط للمطالبة بهذه الحماية".


تكلم متري، شارك، أصغى، ناقش، و"حرّض" على طريقته، في مؤتمر شكّل الحدث في اثينا قبل ايام، ودعت اليه وزارة الخارجية اليونانية بعنوان"التعددية الدينية والثقافية والتعايش السلمي في الشرق الاوسط"، من اجل البحث في "سبل حماية الحقوق والحريات الاساسية لمختلف المجموعات الدينية والثقافية في الشرق الاوسط"، وفقا لبيان لها. الانطباعات طازجة، بمذاق خاص. "ثمة مواقف توضحت في شكل صريح"، يلاحظ. ويبدأ ببطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس يوحنا العاشر الذي "قال في شكل لا يحتمل اللبس، ان حماية المسيحيين لا يمكن ان تكون عن طريق الحرب، وانها لا تتحقق الا بصنع السلام".



الكنيسة الارثوذكسية الروسية حضرت ايضا بممثلها المسؤول عن العلاقات الخارجية فيها المتروبوليت ايلاريون. لم يذكر التدخل العسكري الروسي في سوريا، "لا من قريب ولا من بعيد، لا مؤيدا، ولا مباركا. ولم ينف ايضا الموقف الذي سبق ان اعلنته الكنيسة منه. تحاشى الحديث في هذا المجال. لكنه اكد تضامن الكنيسة مع المسيحيين في الشرق ورغبتها في مساعدتهم بكل الوسائل".


في دفتر الملاحظات ايضا، "صعوبة في رؤية ما يمكن دولا غربية تقديمه على صعيد التسويات السياسية التي تحفظ وجه المنطقة"، في ضوء ما افضت به كلمات وزراء خارجية عديدين. واذا كان معظمها "مجرد اعلان نيات يتكرر ربما للمرة المئة"، على قوله، فقد قال وزير خارجية هولندا "كلاما مهما". "اكد ان مسؤولية حماية المدنيين تقع على المجتمع الدولي، وانه ليس على مستواها، منتقدا الاستسلام امام الفيتو في مجلس الامن".


 


"يبيعون الناس اوهاما"
بالفكرة نفسها ينادي متري. وجوب حماية المدنيين. والموقف حازم. "ما نشهده من اعمال عسكرية مختلفة ضد "داعش" لا تحميهم اطلاقا. تلك الحماية تستوجب ادوات اخرى، منها حظر الطيران، مناطق آمنة، الزام الدول ايصال المساعدات الانسانية الى المدنيين...". والتدخل العسكري الروسي في سوريا ليس استثناء، "ولا استطيع ان ارى كيف يحمي المدنيين، خصوصا المسيحيين"، يقول. "اعتقد ان بعض الناس في بلادنا وبعض الدعاية المحلية في روسيا يقول ان احد اهداف هذا التدخل هو حماية المسيحيين. لكنني لا اعتقد ان هذه الحماية تتصدر الاولويات في الحسابات الفعلية للروس. في رأيي، هذا التدخل يعرض المسيحيين لمزيد من الاخطار".


هل يشكل احراجا للارثوذكس في الشرق؟ يجيب: "لا يحرجهم بالضرورة، اذ ليسوا مسؤولين عن موقف مسؤول في الكنيسة الارثوذكسية الروسية. المسؤولية هنا ليست جماعية، بل مسؤولية شخصيات معينة في كنيسة معينة، اتخذت موقفا مؤيدا للسلطة الروسية. ربما هناك بعض الارثوذكس في الشرق ممن هللوا للتدخل الروسي. لكن هذا لا يعني ان كل الارثوذكس شركاء في هذا التدخل".


"العريضة ضد الحروب الدينية" التي تصدّرها توقيع متري اخيرا "يحكمها" هذا المنطق. "صحيح اننا ارثوذكس، لكننا ضد اضفاء اي شرعية دينية على موقف سياسي، مع الفصل بين الاهداف السياسية والقومية لروسيا، ايا تكن، ومصالح المسيحيين والمواقف الدينية". وحذار الاحلام القومية التي يجد متري "انها موهومة من دون شك، ولا علاقة لها بالمسيحية. المرء حرّ في ان تكون لديه الاحلام التي يريدها، وان يحمل الاوهام التي يريدها، لكن لا يربطها بهويته المسيحية".


ما سلّطه اخيرا التدخل الروسي من مواقف ارثوذكسية متباينة هو "تنوع في الآراء. وهو واقعي"، يقول متري. ولا بد من المصارحة. رغم الرابط الديني،لا يستطيع ان يوافق ارثوذكس آخرين على اي شيء يقولونه. "كأنهم مصابون بنوع من لوثة، ومنهم من يحنّ الى القسطنطينة، وثمة من يريد استرجاع مجد بيزنطيا. يبيعون الناس اوهاما، ويتطرفون، ويفكرون في الطريقة نفسها التي يفكر فيها المتطرفون الذين يدينونهم. ربما ليس لديهم سلاح، والحمد لله ان لا سلاح لديهم. ربما لو توفر، فان بعضهم قادر على ارتكاب مجازر. اخاف منهم. اليوم نحن مختلفون معهم. والموقف اخلاقي، سياسي اذا اردت".


 


على حافة الهاوية
المبعوث السابق للامم المتحدة الى ليبيا يدرك جيدا اخطار استخدام السلاح باي ذريعة. ما علمته خبرته في ليبيا والتجارب الصعبة التي مرّ بها الليبيون هو "ان المجتمعات التي تعاني انقاسامات هي الاكثر عرضة للتفكك، وانه يجب ايجاد طريقة لبناء وفاق وطني واجماعا على اولويات اعادة بناء الدولة... اصعب شيء في مجتمعاتنا هو ان نقدر على احترام تنوعنا، ايا تكن طبيعته، وان نقر به ونعتبره، ليس مصدرا للفرقة، بل ربما اغناء لمجتمعاتنا".


بقلق، يتابع "عملية التحول الجذرية التي دخلها العالم العربي من نحو 5 اعوام وما يرافقها من انفجار تناقضات كامنة في مجتمعاتنا". في رأيه، "ندخل في كثير من مجتمعاتنا عملية صعبة، معقدة، ودموية، ومآلاتها ليست واضحة. هناك عالم قديم ينهار، وهناك عالم جديد لم يولد بعد. ولسوء حظنا اننا موجودون في هذه الحال. ولا ولادة حتى اليوم".


التشخيص واضح في حالة لبنان. "لم يقع في الهاوية. كان يمكن ان يقع، لكنه لم يقع. وكان من الممكن ان ينفجر. لكنه لم ينفجر... نحن في مكان على حافة الهاوية. لا نسقط فيها، وفي الوقت نفسه لا نبتعد عنها في شكل كاف. الامر مزعج، لكن هذا هو واقعنا لسوء الحظ". ثمة مشكلة اخرى: "الاهتراء ضربه من الرأس، من مؤسساته السياسية... لم يقع الانفجار، رغم ان بعضهم "بشرنا" بانفجار كبير. لكن هذا لا يعني ان وضعه مريح. غير انه ليس بالسوء الذي بُشِّرنا به".


في قراءة للكف اللبناني، يجد متري ان "لبنان لم يعد اليوم ارض المنازلة، كما كان عليه سابقا. وربما هذا الامر ابعد عنه بعض المآسي التي اصابت سوريا والعراق. وربما تعلمت القيادات السياسية من حروبنا المتعاقبة، لكنني لست متأكدا من ذلك". احيانا لديه شعور بأنها لم تتعلم، واحيانا اخرى لديه شعور معاكس، "لان ثمة رغبة لدى الجميع في تفادي الحرب الاهلية. وهذا امر مهم. لكن لا ارادة وطنية جامعة تخرجنا مما نحن فيه".


 


[email protected]


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم