الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

نعم للحراك المدني لا للفوضى

المصدر: "النهار"
سليم فريد الدحداح
نعم للحراك المدني لا للفوضى
نعم للحراك المدني لا للفوضى
A+ A-

هل الحراك المدني هو فقط، رسالة رفض وسحب الثقة موجهة الى القيادات اللبنانية، أو ايضا محاولة استغلال خارجية لنسف كيان 1943؟
عند انتهاء عقد "سوكلين"، الذي اعتبر من أبرز رموز الفساد الوطني منذ خمس عشرة سنة، وغياب حل بديل له، عامت النفايات في عدد كبير من المدن والمناطق اللبنانية، ووقعت الكارثة. تحرك الشعب اللبناني للمرة الاولى بعد سبعين عاماً وانتفض امام هذا الكم من الفساد المتراكم الذي طال كل مؤسسات الدولة. فنزل الى الشارع ليعبر عن اشمئزازه ورفضه اداء سلطاته الدستورية من دون تمييز. كما انه حمل قسماً كبيراً من قياداته الطائفية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المسؤولية عن الواقع الرديء الناجم عن عدم تداركهم هذا الموضوع الحياتي بامتياز، وغياب أي معالجة مدروسة وشفافة لانعكاساته السلبية على السلامة العامة.



لا شك في أن هذا الحراك الذي انطلق من وجع عميق وعدم اكتراث المسؤولين لما يشكو منه المواطنون، جاء بمثابة صرخة مواطنية سلمية، فتضامنت معه شرائح كبيرة ومختلفة من الشعب، وكان محط انظاره واحترامه، لأن المطلب الاساسي كان محقاً وصادقاً. ولكن سرعان ما اختلط الحابل بالنابل...! والسبب يعود الى انه، بدلاً من أن يتحكم المنظمون بكل مفاصل الحراك، وتبقى المسيرة تحت سقف القانون وتحت عنوان واحد، انجرف البعض وخرج، من حيث يدري أو لا يدري، عن الاهداف الاساسية والسلوك المفترض احترامها، الأمر الذي كاد يقضي على هذا المشروع التصحيحي النبيل ويسبب انتحاراً له. فرغم التحرك الشبابي الواسع والمقتنع والمنضبط نسبياً، برز من حاول ان يأخذه الى مكان آخر، ويوحي انه غير ناضج وغير موحد حول المطالب والاهداف، فانعكس سلباً على مصداقيته وحوّر مسيرته، فحذار...! لذلك لا بد من عودة الحراك الى هدف انطلاقته الاولى، من دون التلهي بمشاريع أخرى ملتبسة وخطرة، وغير قابلة للتحقيق، من قبل مجتمع مدني محدود الامكانات والطاقات، وان يعلن، بصورة صريحة ورسمية، رفضه اشعال الثورة وتغيير النظام بالقوة.



لا شك في أن هذه المبادرة المدنية نجحت بالفعل في كسر جدار الخوف، وايصال رسالة واضحة وشجاعة الى كل المسؤولين، وجعلهم يعون أن معالجة أمور الشأن العام، اصبحت تحت مراقبة المجتمع المدني ومحاسبته، وان الفساد المستشري سابقاً داخل السلطة، أصبح مرفوضاً وسيلاقي معارضة شرسة، ولكن واعية من المواطنين ومجتمعهم.



انطلاقاً من هذه القراءة الموضوعية والدور المشرف الذي اداه هؤلاء في هذه المناسبة المفصلية، لا بد من لفتهم الى ضرورة اعتماد الحيطة والدقة في مواكبة الحراك المنوي اكماله، خصوصا ان الاجواء، والظروف المحلية والاقليمية السائدة حالياً، غير مستقرة، وحساسة، وقد يستفيد من يصطاد في الماء العكر، من أي مواجهات أو انقسامات على الساحة الداخلية، لإشعال فتن لا تحمد عواقبها. ان المسافة قصيرة فعلاً، بين العملية القائمة والآيلة الى تحسين معالجة القضايا العامة العالقة، والى اعادة تأهيل دولة المؤسسات وفق معايير دستورية ادارية شفافة وعادلة، من جهة، واستغلال ضعف السلطات القائمة في أداء دورها، من جهة اخرى، لنسف الكيان اللبناني وضرب هويته الوطنية. هناك جهات خارجية، تحاول بصورة مستمرة وتلبية لمصالحها الجيوستراتيجية، الغاء هذا التمايز الفريد بين دولة الأرز وباقي دول الجوار، عربية كانت أو اسرائيلية، والموصوف بالمجتمع التعددي وبصيغته التعايشية الاسلامية المسيحية.
فأهلاً بحراك مواطني بناء ومنتج، ولكن لا للفوضى، ولا "لطمر" الكيان، والرسالة، والسيادة، والديموقراطية، والحرية...!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم