السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

لماذا أحرقتَ نفسك يا محمد؟

المصدر: "النهار"
زينة ناصر
لماذا أحرقتَ نفسك يا محمد؟
لماذا أحرقتَ نفسك يا محمد؟
A+ A-

بطبيعة الحال، لا يزال الشاب محمد حرز راقداً على السرير في مستشفى الجعيتاوي، والحروق تنتشر في أنحاء جسده منذ لحظة اضرامه النار بنفسه حوالي الساعة الرابعة من مساء الجمعة أمام المحكمة العسكرية بعد قرار قضائي أقرّ الافراج عن ثلاثة موقوفين والابقاء على وارف سليمان وبيار حشاش موقوفيْن.


كان المشهد صادماً ومرعباً للجميع في #الحراك وخارجه، كثيرون لم يتمكنوا من تفسير ما شاهدوه وصدرت بيانات من مجموعات فاعلة في الحراك ترفض التضحية بالنفس كوسيلة نضال.


زرنا محمد بعد ظهر السبت في المستشفى وتحدثنا اليه مطولاً، فأخبرنا ابن الـ٢٥ سنة  ان ما قام به يعود الى ان "البلد اصبح زبالة"، وهو يرى ان محاولته احراق نفسه تعدّ "أول حركة حقيقية ومجدية في الحراك".
وتعبّر عينا محمد عن آلام الحروق المنتشرة في ستين في المئة من أنحاء الجسد. تمنى محمد الموت ولم يرضه انقاذ اصدقائه له، هذا ما يردده فيما الشاش الابيض الذي يلف جسده يخبىء حروقاً من الدرجة الثالثة وآلاماً لا تحتمل حتى مع تناول المورفين.


في روايته، أنه قرر إحراق نفسه في وسط الطريق مع الشاب يوسف الجردي، ما يفسر عملية رمي محمد البنزين على يوسف التي ظهرت في أحد أشرطة الفيديو. وليس مفهوماً بالنسبة الى محمد السبب الذي دفع صديقه الى تغيير رأيه والعودة عن قرار إحراق نفسه. ويقول حرز انه لم يكتشف الأمر الا عند رميه البنزين على الجردي وهرب الأخير على الفور، "ما بعرف ليه غير رأيو آخر لحظة".


 


من هو محمد حرز؟


لم يكمل محمد دراسته وهو يعمل في مجال عرض الأزياء والاعلانات وصيانة اجهزة الكمبيوتر، كما يعدد المهن التي زاولها. يعيش بمفرده في منطقة الليلكي بالضاحية الجنوبية لبيروت، وكان قد ترك منزل عائلته في الجنوب لدواعي البحث عن عمل.
أم محمد لم تره بعد لأنها في الجنوب، كما يقول، وكذلك شقيقاه وشقيقتاه، وهو يلزم الصمت عند سؤاله عن سبب عدم زيارتهم له بعد.
وخلال حديثنا الى محمد، وصلت ابنة عمه سيلفانا التي قالت له "لا شيء في لبنان يستحق ان يؤذي الشخص نفسه لهذه الدرجة".


 


فقدان الأمل؟


ننقل اليه سؤالاً يتردد، فهل يعود سبب محاولة إحراق نفسه لفقدانه الأمل ومشاكل شخصية وكيف يقنع الآخرين بأن ما قام به هو فعل احتجاج على استمرار توقيف رفيقين تشير دلائل ان اطلاقهما ربما لن يطول؟



يجيب محمد مختصراً "عادي"، يصمت لبرهة قبل ان ينتقل للتعبير عن رأيه فيما يجري في الحراك بأن "كل ما يحصل غير مجدٍ وانه يتحتم على كل من يريد إحداث تغيير ما ان يقوم بخطوة أكثر جدوى غير التظاهر لأن السياسيين لا يصغون لمطالب الشعب عبر التظاهر السلمي، لذا أحرقت نفسي".
شارك محمد في غالبية التظاهرات منذ بداية الحراك، ويروي كيف ان البعض وصفه يوماً بأنه "مندس" وكيف انه كان مبادراً الى توزيع الورود على عناصر قوى الامن التي يقول انها تنفذ الأوامر. كما يذكر انه أمضى 25 يوماً موقوفاً في السجن حين اعتقل خلال أحداث وزارة البيئة.


 


يتوقف الشاب الذي تبدلت معالم وجهه عن الحديث ليشرب الماء، فيما تغوص عيناه في مشاهد التلفاز التي كانت تعرض تظاهرة الحراك عصر السبت في ساحة رياض الصلح، "يا ريتني هونيك"، يقول محمد قبل ان يستجيب لطلبنا التقاط صورة له فيحاول رفع علامة النصر عبر أصابع يديه اللتين تحتاج حروقهما لوقت طويل كي تشفى. 


 


في المحصلة، قد تتمايز المقاربات النفسية والاجتماعية في فهم الأسباب العميقة التي دفعت شاباً كمحمد الى الاقدام على فعل محاولة التضحية بالنفس، وهو الفعل الذي يؤشر بالتأكيد الى وجود فئة من الشباب الذين يعانون ظروفاً اجتماعية صعبة تدفعهم الى اليأس من المطالبة السلمية بما يروونه حقوقاً تحسن ظروفهم الحياتية، فهل تتلقف السلطة هموم هذه الفئة من الشباب المنتفض، أم ان طريق الاتهامات وتتفيه الفعل وتحجيمه ستبقى الطريق الأسهل المعتمد والتي لن تقود سوى الى مجهول معلوم صنوه المزيد من الغوص في مفاهيم الدولة الفاشلة.


 


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم