الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ريهام اللاجئة في لبنان والغارقة في بحر اليونان... دفنت الحلم معها

المصدر: "النهار"
رولا حميد
ريهام اللاجئة في لبنان والغارقة في بحر اليونان... دفنت الحلم معها
ريهام اللاجئة في لبنان والغارقة في بحر اليونان... دفنت الحلم معها
A+ A-

تفتح عودة ريهام المغربي جثة إلى مسقط رأسها في مخيم البداوي شمال لبنان، جرح اللجوء النازف، المستمر والمتواصل ليؤشر الى عمق الكارثة التي بلغتها المنطقة.


أواسط الشهر الفائت، غادرت ريهام منزلها برفقة شقيقها محمد، ووجهتهما أوروبا، بلاد اللجوء الكبير من عالم الظلام إلى عالم افتراضي هو في أسوأ حالاته أفضل بكثير من العالم الذي تعيشه أجيال العالم العربي، ولذلك يصر شباب اليوم على الرحيل، غير آبهين بالأخبار عن المخاطر المتواردة بشكل شبه يومي.


ريهام
وريهام فلسطينية في الرابعة والعشرين، وواحدة من كثيرات من الشابات، وايضا الشباب، لم يفلح تفوّقها المدرسي والجامعي بإيصالها إلى طموح الحصول على الشهادات العليا لأن حال الأهل المادية لم تكن تسمح، وكذلك لم تسمح لإجراء عملية جراحية لتشوّهٍ في إحدى عينيها منذ الصغر.


والدتها هند أفادت أن "ابنتها تحملت الكثير من نظرة المجتمع التقليدية للتشوه البسيط في عينها، ولطالما حلمت بإجراء جراحة لها، لكن أحدًا لا يساعد، ولا مرجعية تحمي، فحلمت ريهام بالوصول إلى أوروبا، مقصد الأجيال الراهنة، لعلها تجد من يساعدها على تخطي مشكلة العين".


غادرت ريهام ومحمد إلى #أوروبا عن طريق #الهجرة غير الشرعية الذي بات معترفا به دوليا، وتبنّت عائلة المغربي مشكلة ابنيها، فغادرا فيما يشبه التيه، حيث لا أحد يستطيع تحديد المصير، وحيث قدر اللاجئين قد يجرهم إلى المجهول. أمنت العائلة الأموال للشقيقين، وانطلقا ليحطا في تركيا بصورة شرعية، ثم أقلّتهما ناقلة بحرية باتجاه الساحل اليوناني، وما هي إلا أمتار قليلة تفصل زورقهما عن الرصيف، حتى اصطدم الزورق المطاطي الذي يقلهما، بزورق آخر، فتمزق، وتبعثر ركابه، على ما نقل محمد لوالده خليل عن الحادث، ذاكرا أن الركاب جميعا أصيبوا، منهم من قتل فورا، ومنهم من نقل إلى المستشفيات التركية، وقسم آخر نجا. تواردت الأخبار الكثيرة عن الحادث، لكن أحدا منها لم يأت على ذكر ريهام، إلى أن ورد خبر العثور عليها جثة في أحد المستشفيات التركية، وتعرف عليها عمها المقيم في تركيا.
والد ريهام خليل المغربي علق على الحادث بقوله: "صدمة ورود خبر وفاة ريهام كانت صعبة جدا، رغم أننا فقدناها لأكثر من أسبوع، وكنا على شكّ كبير بحصول مكروه لها حيث فقد معها أي اتصال ولم ترد أنباء عنها على الاطلاق،خلافا لبقية اللاجئين على متن الزورق عينه. فقدت ريهام حياتها ثمناً لحلمها بحياة افضل، فكانت مصيبتنا مصيبتين. حاولنا تأمين علاج لها هنا، للأسف لم نجد من يساعد، ولا أن يقف إلى جانبنا. كان طموحها أن تذهب إلى هناك (اوروبا) فهي سمعت أن في الغرب انسانيين، والعلاج متوافر ومتطور. حلمت ان تحقق غايتها لتعود عينها إلى طبيعتها، على أن تعود بعد تحقيق غايتها. لكن للأسف، اختارها ربنا للصعود إليه".
وتابع مغربي بقوله: "لقد جازفت بحياتها من اجل تحقيق حلمها، وساعدتها، وسمعت الكثير من الملامة ممن قال انني اخترت لها طريق الموت، لكن الحقيقة أنه لو توافرت متطلبات العلاج هنا، لما سمحت لها بالخروج. ففي جميع الأحوال، حياتنا برغم كل المصاعب، أجمل من أي مكان آخر. أقولها لكل إنسان كي لا يغامر بحياته بحثاً عن وهم خارج وطنه".


نزوح ومشاريع
تتواصل عمليات اللجوء على قدم وساق في حركة أشبه بالبورصة، صعودا وهبوطا، حينا تتكاثر وفق تطور الأحداث، أو تتراجع عند إقفال المعابر اللبنانية- السورية، أو تراجع الأعمال العسكرية التي تسبب اللجوء.
وفي غمرة هذه الحركة الناشطة، تظهر براعم عمل استثماري على هامشها، وتتأسس مجالات عمل خدماتي يدر الكثير من الأموال، منها بالخدمات المباشرة، ومنها بالإيجار، ومنها بالعمالة والرشوة. لكن الأعمال لا تزال في بداياتها، ولم تتأسس في مشاريع استثمارية كبيرة إلا لدى مهربي المهاجرين.
جزء كبير من الهجرة يجري بطريقة شرعية ويفترض بالمهاجر أن يحمل أوارقه الثبوتية، خصوصا جواز مروره، للخروج الذي يتم بحرا عبر مرفأ طرابلس.
مشهد تجمع المهاجرين بدءا من الظهيرة وحتى الليل في مواعيد أسبوعية محددة تظهر بوضوح عند باب المرفأ مثيرة الانتباه. جل المهاجرين سوريون، وينضم إليهم فلسطينيون ولبنانيون. الخروج من لبنان يفضل أن يكون شرعيا، وإذا تعذر تأمين الأوراق الثبوتية، لجأ المهاجر إلى الناقلات غير الشرعية، ورحل تهريبًا مباشرة إلى سواحل اليونان.
تبدأ الهجرة شرعية حتى بلوغ تركيا، ومن هناك تتحول تهريبا بواسطة زوارق يقودها خبراء نقل بالبحر، من صيادين وتجار، وينتقل المسافرون من الشواطىء التركية إلى الشواطىء اليونانية، وهناك يعبرون إلى أوروبا بعد إجراء عمليات روتينية تسمح لهم بالمكوث لخمسة أيام فقط في اليونان.
ونظرا للواقع الجديد على الوافدين إلى مرفأ طرابلس الرحيل حيث يرجح أنهم لا يعرفون الوسائل المتبعة للهجرة، أنشأت مقاه ومحلات على مقربة من المرفأ، تقدم الخدمة لهؤلاء، ومنها تأمين الحجز وبطاقات السفر، ومنها الاستراحة حيث يمكن أن يطول الانتظار لساعات طويلة، أو أية خدمات متصلة.
وظهرت إعلانات مستجدة على المقاهي والمحلات في المحيط تعلن عن تأمين خدمات التسفير.
تكاليف باهظة مطلوبة للحصول على الأوراق الثبوتية، وقد تصل إلى ما يزيد على الألف دولار لتأمين جواز المرور (الباسبور)، خصوصا السوري منها، وكذلك تكاليف ورسوم أخرى لتأمين المرور الشرعي.
توارى ريهام في الثرى، وحلمها يدفن معها، ويستمر شقيقها محمد في رحلته التي أفضت به إلى ألمانيا، لكن حلمه لا يزال سراباً كأحلام كل المهاجرين.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم