الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

تعليق - "مش شايف حدا"

سناء الجاك
A+ A-

هشّ أتباع محور الممانعة عندنا وبشّوا وابتهجوا وشدّوا الهمة استعداداً لتوزيع البقلاوة مع دخول روسيا العسكري في سوريا. من حقهم أن يرفعوا أقواس النصر ويخبطوا أقدامهم ويقولون: يا أرض اشتدي ما حدا قدي. ولأن المياه العادية ومعها الكهرباء مقطوعتان، ليس كثيرا عليهم ان يستخدموا قناني المياه المعدنية لرشق من يضيء على فسادهم شمعة. ففي اعتقادهم ان الفوز صار في الجيب وفي امكانهم اليوم ان يطالبوا بمصادرة كل مكتسبات البلد، لأنهم مسنودون. تالياً، من الطبيعي ان يفرض الغالب على المغلوب شروطه، ومن تأنى نال ما تمنى.


ربما هنا بيت القصيد. فالمبتهجون الحاسبون انهم على طريق نيل المطالب، لم يتأنوا. على العكس، كأنهم تسرعوا وسارعوا الى استثمار جلد الدب الروسي قبل اصطياد جسمه الفعلي للمعركة بما يضمن مصالحه ويغيّر خريطة القوى في المنطقة لصالحه. أكثر من ذلك، نجد في رائحة المواقف الصدامية الممانعة في لبنان، من تعجل فارتدى جلد الدب انطلاقا من ميله "الأرثوذكسي"، ابتداء بقانون الانتخابات الغارق في المذهبية الحادة، وصولاً الى الفتاوى الصليبية الجديدة للحلفاء التي بدت على مقياس الطموح المحلي. ولو لم تكن المارونية شرطاً لرئاسة الجمهورية وقيادة الجيش، لكان تغيير المذهب وارداً بغية التعبير عن الود والعرفان بالجميل لمن حال دون غرقهم مع تعويم النظام الاسدي، ولو الى حين. بيت القصيد يكمن أيضاً وأيضاً في الكلمات المتقاطعة للتحالفات التي تسود هذه الايام وترافق سير التدخل العسكري الروسي في سوريا.
مثلاً على ذلك، نجد ان بشار الأسد وفي حوار مع محطة تلفزيونية إيرانية قال أكثر من ثمانية آلاف كلمة لم يتطرق على امتدادها الى الاعتداءات الاسرائيلية على الاراضي السورية. همّه كان التنظير بشأن قدرة طبيب العيون على خوض غمار السياسة، مقابل عجزه عن العمل في قطاع الهندسة. لكن لا وجود لأي موقف ضد إسرائيل، التي أوضح رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أن هناك علاقات جيدة لبلاده مع روسيا، مشيرا إلى أن بلاده وموسكو لهما أهداف في سوريا، وأن تلك الأهداف يجب ألا يتعارض بعضها مع بعض. من جهته أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنتنياهو أن الجيش السوري لن يفتح جبهة الجولان حالياً لأن سوريا في حال لا تسمح لها بفتح جبهة ثانية.
اما على جبهة الشيطان الأكبر، فالمسرحية الايرانية شارفت مرحلتها الاخيرة مع مصادقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني على الاتفاق النووي المُبرم بين طهران والدول الست. على اعتبار أن تأخير المصادقة على الاتفاق يؤذي إيران، والاكتفاء بلجنة برلمانية لدرسه، او ربما لدرس "توبة الشيطان" الذي قد يتحول الى ملاك مع اختراع شياطين جدد باتت أبلستهم أجدى في المرحلة الحالية.
بين السجاد العجمي وجلد الدب الروسي، شعر الانتهازيون والجائعون الى السلطة بفائض من الدفء والحماسة. والمعروف انهم وضعوا بيضهم في السلة الايرانية، وها هم ينتظرون موسم التفقيس. فقد بدأ الرهان يعطي مفاعيله. وهناك من يهمس بأن بشار الأسد كان قد نصح حليفه جنرال الرابية بالصمود حتى منتصف هذا الشهر، انتظارا للمفاجآت، التي بانت تباشيرها مع عصف القيصر الروسي في سوريا، ليعيد رسم خريطة التوازنات على الأرض.
على هذا الاساس بدأ تقشير البرتقال قبل قطفه. ورفع جنرال الرابية سقف التحدي والتعطيل والتهديد والتصلب، مع ان الدخول الروسي على خط الحرب السورية لم يؤت ثماره بعد، وان فرض معادلة جديدة على المشهد الاقليمي، لن يؤدي حالياً الا الى انتظار ترجيح كفة على اخرى. ويعني ذلك أيضاً أن كل الملفات اللبنانية موضوعة على رف المجتمع الدولي.
في الوقت المستقطع، يستشرس التيار العوني في خطابه ورفع سقف مطالبه وفي ادعائه العفة السياسية والادارية. ولأنه يتعلم ويتطور، ها هو يقلد بشار الاسد في اختصار الشعب بحاله، ويعتبر ان اتهام الخصم للصهر بفساد واقع تحديدا في ملف الكهرباء بأنه اعتداء على اللبنانيين كل اللبنانيين.
ولِمَ الاستغراب؟ فجنرال الرابية، وبصفته حامي حمى أصهرته، حاضر ليبلع البلد على اعتبار أن هناك من يمدّ له الحبل، وعلى أساس انه بجلد الدب الروسي او بالسجاد العجمي او بغيرهما "مش شايف حدا".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم