الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

مسيرة اليونان بعد الانتخابات النيابية بين اليقظة والغيبوبة

جبران صوفان
A+ A-

مَن يستمع الى كلام رئيس حكومة اليونان ألكسي تسيبراس متحدثاً الى مناصريه مساء الأحد 20 أيلول، لدى إعلان نتائج الإنتخابات النيابية المبكرة، والخامسة منذ عام 2009، لا بدّ من ان ينتشي بفرحة الإنتصار وأن تراوده أحلام سعيدة مثل مشاعر الطبقة الكادحة التي خاطبها والتي "تحلم، كما قال، بغدٍ أفضل".
وإذا كان الحلم يولد من رحم المشاعر، فالتحدّي الكبير أمام تسيبراس هذه المرة هو توفير الوسائل الواقعية لتحقيقه في أقرب فرصة ممكنة لئلا يؤول الحلم الى حالة مرضية موجعة. ويتساءل كثيرون مثلي الى أين ستفضي الإنتخابات اليونانية؟ وماهي عناوين المرحلة المقبلة؟
علماً أن هامش التحرّك في شأن الأزمة المالية ضيّق بعد موافقة اليونان على خطة الإنقاذ الأوروبية الثالثة بمندرجاتها وشروطها. وسأحاول توضيح الصورة تباعاً.
أسباب الانتخابات النيابية المبكرة
من المعروف أن حزب سيريزا اليساري عارض خطط القروض والمساعدات الأوروبيةومعها تدابير التقشّف. وعلى أساس هذا البرنامج، خاض الانتخابات النيابية في كانون الثاني 2015، ففاز بأكثرية المقاعد النيابية والتي بلغت آنذاك 149 مقعداً. وسرعان ما تبيّن أن مواقف الحزب، بقيادة رئيسه، لم تخلُ من التضاريس السياسية، إذا جاز التعبير، إذ قَبِل مكرهاً في تموز 2015 بخطة المساعدات الثالثة المتشددة، إنقاذاً للبلاد والعباد، فأحدث ذلك شرخاً في الحزب بإنشقاق 43 نائباً عنه، أدّى الى إطاحة الأكثرية الحاكمة. فاستقال تسيبراس في 20 آب الماضي بعد المستجدات، طالباً تجديد التفويض الشعبي. فتجاوبت أكثرية اليونانيين معه، إذ فاز حزبه بـ 145 مقعداً في مجلس النواب من أصل 300 بعد استبعاد المنشقيّن.
تضعضع التمثيل النيابي في البرلمان الجديد.
إن فوز الحزب اليساري واضح ولا غبار عليه، ولكنه غير مكتمل، إذ تتقاسم المقاعد النيابية سبعة احزاب يتقدّمها الحزب المذكور، ويليه حزب المحافظين، مع امتناع حوالى 45 في المئة من الناخبين المسجلّين عن المشاركة في الانتخابات، مقارنة بـ36 في المئة في الانتخابات السابقة. لذلك جدّد سيريزا الشراكة مع حزب "اليونانيين المستقلين" اليميني (10 نواب) لتأليف حكومة إئتلافية حائزة أكثرية نيابية كافية، وإنما ضئيلة العدد. ومع ذلك يمكنه إستغلال التنوّع التمثيلي في المجلس النيابي، إذ إن الكتل الأخرى متفرّقة ومتعارضة، وبالتالي ستكون غير قادرة، من حيث مكوّناتها، على زعزعة "الحكومة التقدميّة" كما يحلو وصفها، بل يمكن الركون الى معظم النواب، ولا سيما الحزب المحافظ لتلبية مقتضيات التقشّف والإصلاح على أساس تأييدهم البرنامج الأوروبي. وإنما يكمن التحدّي الحقيقي أمام تسيبراس في قدرته على وقاية حزبه وحكومته من التفسّخ الداخلي، وعلى مخاطبة الشارع اليوناني لدى التصويت على قوانين الضرائب والتقشّف.


عناوين المرحلة المقبلة
لم تكن الإنتخابات النيابية الأخيرة استفتاءً على برنامج حزبي بقدر ما كانت على شخصية رئيس الحكومة. فالخيارات المُعلنة، بين الحزبين الرئيسيين المتنافسين، كانت أصلاً محسومة بتأييد خطّة المساعدات الأوروبية الثالثة. فاختارت أكثرية اليونانيين تسيبراس، وهو أصغر رئيس حكومة يونانية منذ 150 عاماً حسب مجلّة TIME. وأعتقد أن العامل المرجح هو "قدرته على التصدّي للدائنين الأوروبيين وخسارته البطولية أمامهم" حسب توصيف البعض. والعليم بأهل البلد يدرك أن اليوناني مفطور على رفض الإذلال ولو على حساب كل نفيس في حياته، وهذا ما يجعل تسيبراس مميّزاً.
ولا شك في أن ورشة عمل كبيرة ومضنية في إنتظاره، وان كانت العناوين المالية محدودة الآفاق، لأنّ مرجعيتها تبقى خطة الإنقاذ الثالثة المشروطة. ومع ذلك، يمكن إستخلاص بعض التوّجهات في ضوء تصريحاته وما رشح من حزبه:
أ – على الصعيد الداخلي:
القيام بحملة إصلاحات وتطهير النظام من الفساد ومن الممارسات السيئة خلال الأربعين سنة الماضية، مما يضعه في مواجهة مع الطبقة السياسية التقليدية.
ب- على الصعيد الخارجي:
العنوان الأبرز هو التخفيف من أعباء اليونان المالية (تمشّياً مع توصية صندوق النقد الدولي)، علماً أنه يجري التداول حالياً بوضع سقف لنسبة تكاليف خدمة الدين العام في الموازنة. ويرد أيضاً العمل مع الاوروبيين لتوطيد الثقة.
ج- على صعيد الاستحقاقات الملحة:
- زيادة رساميل المصارف اليونانية، مع إصرار أوروبي على صرف كامل الإعتماد المخصص بقيمة 25 مليار يورو، تداركاً لأية انتكاسة.
- تخفيف الرقابة على الحسابات والتحويلات المصرفية.
- التحضير لمجموعة قوانين تقشّف وإصلاح.
- التحضير للمراجعة الدورية المتعلّقة بتطبيق خطّة الإنقاذ الأوروبية.
- الهجرة غير الشرعية الى اليونان.

جبران صوفان
سفير لبنان السابق في اليونان

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم