الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

رشة ملح - أوهام نووية

جواد الساعدي
رشة ملح - أوهام نووية
رشة ملح - أوهام نووية
A+ A-

من السذاجة الاعتقاد بأن العالم، بعد الاتفاق النووي، سيطلق يد إيران في المنطقة، وبأن طريقها في "تصدير الثورة" وتوسيع النفوذ والسيطرة ستكون ممهدةً وخاليةً من أيِّ قوةٍ مضادّة، كما يجري إيهام الأتباع والمريدين بذلك. من السذاجة أيضاً أن يعتقد المرء بأن الدول العربية والإقليمية المصنفة دولاً "سنية"، ستساهم بشكل جدي في القضاء على "داعش" و"القاعدة" ومتفرعاتهما من دون خطةٍ موازية ومتصلة للقضاء على ميليشيات إيران في كل المنطقة، تالياً تحجيم الدور الإيراني ونزع مخالبه الأمنية والعسكرية.


على الشيعة العرب أن يلتفتوا إلى هذا الأمر وأن يفعِّلوا، المرّة تلو الأخرى، مبادراتهم لحل المشكلات السياسية والعقائدية مع محيطهم العربي السنّي، بمعزلٍ عن السياسة الإيرانية. وعلى الدول العربية، وخصوصاً الخليجية، أن تتلقف هذه المبادرات وأن تفتح الطريق أمامهم لمساعدتهم في التخلص من ضغوط إيران والميليشيات المرتبطة بها، ذلك إذا كانت هذه الدول تخوض صراعها مع إيران على أساسٍ عربي فعلاً وليس على أساسٍ محض طائفي. على الشيعة العرب أن يستخلصوا الدرس من حوادث اليمن، فخفوت الصوت الإيراني في شأن اليمن بعد الإتفاق النووي، رغم انطلاق الحرب البريّة، بالمقارنة مع الزعيق الإيراني المصحوب بالأساطيل في بداية الحوادث، يشير إلى جوهر السياسة، وإلى ما يمكن حصوله من تسويات سياسية في مناطق أخرى على حسابهم، تسوياتٍ سياسية تحت غطاءٍ ناري كثيف قد يُصيب منهم مقتلاً. فالقوة الإيرانية ليست قوةً متفردةً أو متفلتةً من سنن التاريخ، وهي لا تستطيع حمايتهم وحماية أجيالهم إلى الأبد. ما يحميهم هو التصالح مع شعبهم أولاً، ثم مع أمتهم، ومع هذا البحر السنّي المتلاطم الذي يحيط بهم. أما معتدلو السنّة، دولاً أكانوا أم أحزاباً ومنظمات، فعليهم استخلاص الدرس من معركة الإصلاح الجارية في العراق، حيث أثبتت أنَّ هناك، إلى جانب التيار المدني، تياراً شيعياً عراقياً، لا بل عربياً، يتمايز بفكره ودوره عن الميليشيات المرتبطة بإيران. على إعلام تلك الدول والأحزاب، أن يكفَّ عن التوصيفات التي يطلقها على عموم الشيعة، كربطهم بالعنصر الفارسي والتشكيك الرخيص في انتمائهم العربي والإسلامي، أو إحالتهم على حادثة تاريخية، كأنها الوحيدة في التاريخ، أعني حادثة العلقمي، فهنالك أكثر من علقمي سني، خان "الدولة الإسلامية"، وخان "الخلافة"، ذلك إذا سلّم الجميع جدلاً بخيانة العلقمي. إن الخيانة مسألة شخصية لا تنسحب على مذهبٍ أو طائفة، ولا تتعدى إلى الأجيال اللاحقة. فلو صحت مثل هذه الإحالة لما وجدنا جماعةً أو فِرقةً إلاّ ويُجلّلها عار بعض تابعيها. على الطرفين، الشيعي والسنّي، أن يَعِيا بأن الحلول التي تحقن الدماء وتثبّت الإستقرار وتقود إلى التقدم والرخاء الدائمين، هي الحلول التاريخية القائمة على تفهمٍ عميق لعوامل الصراع ولتاريخ المنطقة وتنوّعها الحضاري، وليس الحلول القائمة على القوة أو الإيمان بالحق الإلهي المطلق "الموكول" لهذا الطرف أو ذاك. فالقوة ليست سرمدية، وهي خاضعة للتبدل والتحول ضعفاً، عندذاك سيذهب معها ما أنتجته من حلول، ليتفجر الصراع مرّةً أخرى وتُدفع الأثمان من جديد لتأتي حلولٌ جديدة قائمة على إرادة القوة الصاعدة. أما "الزاهدون" في الحياة، سواءٌ من المستعجلين للقاء "الحور العين" أو ممن يتوقون إلى الأخذ بـ"ثارات الحسين"، فليس من حقهم أن يختطفوا حياة الناس ويدمّروا أمن المجتمعات في سبيل أن يبلغوا أهدافهم في طمأنة الذات القلقة أمامَ عالم الغيب. إن الدعوة للانفتاح على التيار الشيعي العراقي والعربي، لا تعني في أي حالٍ من الأحوال صحة سياسات التحريض العربي على القومية الفارسية وطمس الدور الحضاري الذي لعبه الفرس في تاريخ المنطقة، قبل الإسلام وبعده. من السهل أن يتخيل المرء عدم حاجة الأقلام العربية للتنقيب كثيراً عن هذا الدور، فيما لو كان النظام الذي يحكم إيران نظاماً بصبغة طائفية مختلفة، وليس من الصعب الإدراك بأن الأدوار الحضارية للأمم، مهما تعاظمت، يمكن أن تمرَّ بفترات تراجع يطفو فيها ما يصلح مادةً لرسم صورة سلبية؛ ينطبق ذلك على الفُرس كما ينطبق على التُرك والعرب وغيرهم. كان العرب قبل الإسلام وثنيين يعبدون الأصنام ثم يأكلونها، وكان الفُرس مجوساً يقدّسون النار، ليس لذاتها، إنما لخالقٍ خلقها، حتى أن الخليفة عمر بن الخطاب تعامل مع من أراد البقاء على المجوسية كما تعامل مع أهل الكتاب. أما التُرك فكان لهم إله يعبدونه اسمه كوك تَنْـﮕْري، والإسلام يجُبُّ ما قبله، شرط أن لا تتدخل السياسة، ومَن يُفتون لها باسم الدين.


رميةٌ نووية
جاء في "الشاهنامة"، ملحمة الفرس الكبرى لأبي القاسم الفردوسي: "بينما كان (الملك) أوشهنج على سفح أحد الجبال ظهرت له حيّة، عيناها كَبِرَك الدم، ولهيبها دخانٌ أسودُ يغطي العالم بدكنتهِ، فتناول حجراً ورماه بها لدرء خطرها، فاصطدم الحجر من قوة الضربة بصخور الجبل، وأحدث باصطدامه شعلةً متوهجةً، فأَفلتت الحيّة، وكانت النار. سُرَّ أوشهنج باكتشافه، فسجد شاكراً ربّه تعالى على تلك النعمة، متخذاً النار قبلة، وهذا سبب تعظيم النار عند الفرس"


إشكالية نووية
لا يُمكن لمسلمٍ سنّي أن يقبل سبَّ الصحابة أو النيلَ من السيّدة عائشة زوج الرسول وأم المؤمنين. وأنا أؤيده في ذلك.
ولا يُمكن لمسلمٍ شيعي أن يقبل بيزيد بن معاوية، خليفةً لرسول الله، وأن يكون الحسين "خارجاً عن القانون" قد شق عصا الطاعة، تالياً، هو ممن سيدلفون إلى النار. وأنا أؤيده في ذلك.
ولا يُمكن لعاقلٍ أن يقبل باستمرار هذا الصراع الدموي لقرون مقبلة، فوق قرون مضت. وأنا أويده في ذلك أيضاً.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم