الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

قُبلة في زمن الحرب

رلى راشد
قُبلة في زمن الحرب
قُبلة في زمن الحرب
A+ A-

في وسعنا أن نقارب هذه الصورة الفوتوغرافية كنسخة معاصرة من لوحة النمسوي غوستاف كليمت الذائعة الصيت "القُبلة"، ذلك اننا في حضرة ثنائي ينصرف إلى الطقس العشقي عينه ويستدين شيئا من مناخ الشغف ذاته. بيد ان الفرق بين العمل التشكيلي الذي يرقى إلى مطلع القرن العشرين وبين العمل التصويري الراهن كمثل الفرق بين الخيال والواقع. يقلّد التشكيل الواقع لكنه يلوذ بالتصَوّر في معظم الأحيان، في حين يرغب التصوير في نقل الواقع فيأتي بأقرب نسق ممكن إلى طبيعته.


وإذا كانت لوحة كليمت مزّينة بورق الذهب ومزهوّة بالألوان، فإن الصورة الفوتوغرافية بالأبيض والأسود التي التقطها مصوّر مجريّ مبتدئ بإسم إيستفان زسيروس لثنائي من #النازحين_السوريين أواخر آب، وباتت الحدث الإعلامي في غضون أيام فحسب، تستحوذ ويا للمفارقة، على الضوء كله ومن دون الحاجة إلى تزويق.


ما تسجّله الصورة عند رصيف محطة كيليتي في بودابست المجريّة والتي صارت الموقف الإجباري لآلاف الفارين من #الحرب السورية قبل بلوغ أنحاء أوروبية أخرى، ليست سوى هنيهة من حركة قطع مع كل ما يدور في الجوار. في نطاق خيمة نُصبت على عجالة، ثمة امرأة ورجل يستدعيان القدرة على تبادل #الحبّ، وها هما يخطفان لحظة إنسانية في سياق مصير إنتُزِعت منه كل الأبعاد الآدمية، فصار الإحتفاء بالحياة مسألة فائضة.


في لوحة كليمت يحتلّ الثنائي المساحة برمتها في حين يحوطه حقل من الزهور وتكلّله هالة من ذهب. أما في الصورة الفوتوغرافية فبعض الوجوه الثانوية التي لا يتراءى أن في وسعها أن تشوّش على اللقطة المركزية. تتبعثر حول الزوج وفي نطاق الصورة أجساد صغيرة تستسلم إلى النوم ناهيك برجال ونساء تجمعهم هيئة الإنتظار. أما الثنائي فيتبدّى كأنه الوحيد اليقظ في مشهد حيث يظهر الجميع تقريبا في حال تشبه الخدر.


في الصورة كما في اللوحة لا يمكن سوى الشعور بانفصال الرجل و #المرأة عن الأرض التي تحملهما. يبدو الثنائي في الحالتين وكأنه ينفض عنه ثوب البشر لينطلق إلى بعيد، ليصير الرجل والمرأة كائنين أثيريين. وحين نقرأ في أحد التقارير الصحافية أن المجري لم يرغب في التحدّث الى الثنائي السوري وأنه التقط الصورة فحسب ثم ابتعد، يهيأ لنا انه أراد من خلال هذا الحاجز الذي أقامه مع موضوعه أن يذرّ فتنة إضافية على لقطة مشبعة في الأساس، بواقعية سحريّة.


إلتُقِطَت الصورة في مكان أشبه باللامكان يكمن عند تخوم الحدود الجغرافية المفتوحة على جميع الإحتمالات، ولم تلبث أن سُمّيت أيقونة اللجوء السوري وكأنها تُقدم النقيض على الصورة الأخرى التي وثّقت لرحلة جنائزية إبتلع خلالها حوت البحر جسد فتى نَبت له جناحان ودُعي ايلان.


تجيء الصورة لتقول ان الإستمرار أقوى من الفتك، وأن في متن أهوال الحروب على اختلاف مسمّياتها ومنابعها، ثمة فسحة لكي يعيش الحبّ وإن ماتت الحياة.


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم