الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

عشية عيد الاضحى المبارك: أسواق طرابلس "جعجعة بلا طحن"

المصدر: "النهار"
طرابلس – رولا حميد
عشية عيد الاضحى المبارك: أسواق طرابلس "جعجعة بلا طحن"
عشية عيد الاضحى المبارك: أسواق طرابلس "جعجعة بلا طحن"
A+ A-

مع حلول عيد #الأضحى في مدينة #طرابلس، يتدفق الناس إلى الشوارع، يتهيأون للعيد، ولعودة الحجاج سالمين. يحضرون الأطايب من مأكولات ومشرب يتفنن الأجداد في إتقانها، وتحولت مع الوقت إلى مهن، ومشاغل، ومصانع، تحمل ماركات باتت شهيرة، ومعروفة في لبنان، وأصقاع كثيرة من الأرض.


الأهل رافقوا أولادهم إلى محال الثياب يبتاعون من الجديد المفرح والجميل. وفي التجوال والحركة، يعيش الطرابلسيون عبق العيد، وأريجه، بالابتهالات المنطلقة في كل نواحي المدينة، إن من تسجيلات صوت، أم من مجموعات شباب يجوبون الشوارع مرددين عبارات التكبير.


في المقلب الآخر من المدينة، يفتح العيد جرحا نازفا لم يلتئم رغم مرور السنوات الطوال، والجرح هو الفارق الكبير بين أحياء المدينة الثرية والفقيرة. فرق كبير يشطر المدينة شطرين متقاربي العدد والحجم.


أما على صعيد الأسواق، فإن فارقا قليلا يميز موسم عيد الأضحى عن موسم عيد الفطر لهذا العام، فالحركة كثيرة، والأسواق تعج بالناس جيئة وذهابا، لكن التجار، والقيمين على تجمعاتهم النقابية، يجمعون على أن الوضع مزر، ومتراجع حتى عن العام المنصرم، رغم مرور أكثر من سنة ونصف سنة على الخطة الأمنية التي فرضت على المدينة وضعا امنيا مستتباً.


ينتظر المسؤولون في القطاع التجاري مزيدا من الوقت لاستتباب الوضع الأمني لكي تنغسل الذاكرة التي تكونت حول المدينة منذ سبعة سنين من الصراعات الدموية، وأكبرها وأكثرها تأثيرا التفجيرين اللذين طاولا مسجديها.


وقائع مقلقة ما زالت، عشية "الأضحى"، تذر بقرنها في أحوال المدينة، بينما يتداخل العيد مع بدء العام الدراسي، وبدء فصل الشتاء أيضا، مع ما يتطلبه الموسمان من تكاليف مادية كبيرة تثقل كاهل المواطنين، ولاسيما الفقراء منهم، والذين يشكلون الغالبية العظمى من اهالي المناطق الشعبية الغارقة في الفقر المدقع والبطالة الواسعة، والممتدة من منطقة باب التبانة شمال المدينة إلى باب الرمل جنوبها، الاكثر معاناة وفقرا في لبنان.


وفي موسم الأضحى، تغص اسواق وطرقات الأحياء الشعبية بالناس الباحثين عن ارخص الحاجيات، واللوازم، والتي يعجز كثير منهم عن شرائها لان جيوبهم خالية من النقود، وينطبق على الأسواق الشعبية المثل القائل: "أسمع جعجعة ولا أرى طحنا"، او المثل المتداول من ايام الاتراك والذي يقول: "الجمل بمصرية وما في مصرية، شو بدنا بالجمل".


ولا عجب ان يردد كثيرون على مسامع سائليهم انهم ينتظرون عيد الاضحى كل سنة ليس للفرح والاحتفال بالمناسبة، بل كي يتسنى لهم اطعام افواه اولادهم الجائعة من لحوم الاضاحي، فالكثير منهم لا تدخل اللحمة بيوتهم الا في هذه المناسبة.


في جولة امتدت من باب التبانة الأكثر فقرا، إلى شارع عزمي الأكثر رخاء، فارق كبير بالمظهر الخارجي، ومتشابه كثيرا بحركة تجارية هزيلة.


التبانة
في التبانة، يوقف عبد الناصر فياض سيارته، ويتعطل عن عمله في جمع الكراتين وبيعها، حرفة اعتمدها لبعض ادخار منذ أوائل التسعينات لإعالة عياله، ومدخولها يناهز العشرين ألفا يوميا في أحسن الأحوال، يعلق أن "هناك عيداً بالاسم، لكن هنا لا نعرف الفرح، ولا نستطيع ان نسعد عائلاتنا واطفالنا، فالحال الاقتصادية والمعيشية سيئة جدا، والشغل متوقف، ولم يعد هناك ارتياد للمدينة من سكان المناطق المجاورة خوفا منها بعد الاحداث التي جرت سابقا".


ويضيف: "انكفأنا عن شراء ثياب جديدة لاطفالنا المنتظرين للاضاحي ليتذوقوا اللحمة، او ورق العنب، الطبخة التي ينتظرها الكل اول يوم في العيد، مثلما ينتظرون محسنين يتحننون عليهم".


ولفت إلى أن "هناك ضائقة غير مسبوقة تتجلى في أن الكثير من العائلات في التبانة لم تسجل اولادها في المدارس، وانا اولهم، فانا عندي 6 بنات، لم أتمكن من تسجيل أي منهن في المدرسة، فليس لدي المال".


وذكر أنه "في السنوات السابقة، دفع مهاجرون التسجيل في المدارس، ولكن هذه السنة لم يتذكرنا احد، ونحن ننتظر الفرج، فحرام ان يبقى اطفالنا بلا علم، ويكفيهم حالة القلة التي يعيشون فيها".


 


"مكسور ومديون"


عامر عقدة شاب في مقتبل العمر، له ثلاثة أبناء، كبيرهم في العاشرة، عنده محل لبيع الدهانات، قال: "بعد الاحداث، وجولات الاقتتال، انا مكسور، ومديون، فمحلي بات 90% فارغ من البضائع ولا استطيع ان اشتري بضاعة، ولا ان اسدد ديوني".


يفيد عقدة أنه سجل ولديه في المدرسة بعد مساعدة محسن "رأف بحالتي"، كما قال، مردفا: "في عيد الأضحى الماضي، استطعت شراء ثياب لاطفالي بعد ان قدم لنا محسن بطاقات نستطيع من خلالها شراء قطعة ثياب لكل طفل، وانا احضرت ما ينقص ايضا من مستلزمات. هذا العام، اشترت زوجتي قطعة قماش، وصنعت فستانين لطفلتي. اما حلويات العيد فلم نشتر شيئا، والوالدة تقدمت في السن، ولم تعد قادرة على صنع الحلوى في البيت".


في سوق ضيق يعج ببسطات الخضر، ونسوة قليلات، ينتظر الحلواني نعيم جمال مرور زبون بصبر طويل، ويقول: "قلة يشترون الحلوى هذا العام لأن الوضع المادي سيئ عند الناس، وخصوصاً ان العيد اتى على ابواب مدارس. وانا ابيع معمول العيد على انواعه بالجوز والفستق والتمر والبقلاوة والغريبة والنمورة والمرقد".


بلال الحلبي بنى بسطة عارمة بحبات الحلوى من ألوان وأصناف مختلفة، قال: "الحمد لله لا احد يشتري، وقد احضرت بضاعتي من الشوكولا والسكاكر بالدين، وانا خائف ان لا استطيع رد المال، فهذه المنطقة ام للفقراء ولا يزورها الغريب. وانا ابيع الخضرة ايضا لاعيش، وانا عريس جديد، احاول ان احسن وضعي، ولكنني دائما اصدم بالمردود، فالوضع مزر، والعيد للأغنياء وليس للفقراء، ولا احد يشعر بنا، فالعيد كلمة لم تعد تعنينا بسبب الحرمان".


ضحى القهوجي، سيدة تعيش في زاروب متفرع عن الطريق العام، افتتح زوجها دكانة لبيع الحلوى والتشيبس، لكنها تعيش القلق الدائم، والتوتر الظاهر في عينيها، وحركات يديها، قالت:" انا اعيش على المهدئات، ولا استطيع ان اذهب الى طبيب فنحن نعيش ضائقة معيشية خانقة، وهذه ليست عيشة، ولم نستطع شراء ثياب لاطفالي".


يعج زاروب ضحى بالأطفال والأولاد، يمرحون ويمازحون الضيوف العابرين، لكن الطفلة آية مدلل، قالت:" والدي في السجن، و لا احد اشترى لي ولشقيقتي وشقيقي ثيابا جديدة، ولا حتى حلويات. احلم بفستان جميل، والعاب العب بها، وانا حذائي مهترئ، وتؤلمني قدماي بسببه".


 


شارع عزمي
من بؤس التبانة الذي لا يختلف اثنان عليه، إلى رخاء شارع عزمي ومحاله الزاهية، فارق ظاهري كبير، تكرس سابقا أيام كانت المدينة مقصدا لكل باحث عن حاجة بسعر مقبول". غص شارع عزمي سابقا بالمارة، وحفت على أرصفته أكثر المحلات بذخا وترفا، ولا يزال يحتفظ برونق موروث، لكنه في الداخل يقارب واقع باب التبانة من حيث البطالة، وتراجع المبيعات، والباعة يتساءلون عن الزوار الغائبين، واين رحلوا.


وفي المنازل، حركة اعتيادية وعيد مميز، ولم لا؟ فالأموال متوافرة، والناس تعيش رغد هنائها.


يختصر رئيس جمعية تجار شارع عزمي طلال بارودي ، حال الشارع، ومثيلاته من الشوارع المترفة، ويقول: "كانت الحركة قبل العيد ضعيفة، ولكن هناك حركة حاليا، ومع ذلك لا تزال اقل من السنة الفائتة نتيجة الاوضاع الاقتصادية، ومع بداية المدارس. ولكن بشكل عام هناك تراجع في حركة الشراء، والسنة الماضية كانت افضل بـ 20% تقريبا، والسبب الرئيسي يعود للازمة التي مرت على طرابلس لمدة 4 سنوات، فلكي تستعيد طرابلس حركتها الاقتصادية تحتاج إلى وقت".


وختم: "يعاني السكان قلة السيولة المالية، والناس همهم المدارس، والطعام، ونتمنى ان تستعيد المدينة حركتها، ولا نستطيع الا ان نتفاءل بمدينتنا ومستقبلها، فهي كانت تنهض إثر كل تعثر، وهذا ما نترقبه".


 


الأسواق الداخلية
تعج الأسواق الداخلية، وممراتها الضيقة بالمارة، لكن محالها التجارية بالمئات تئن تحت وطأة الكساد، وقلة البيع، وتراجع الرواد خلافا لسنين الازدهار الخالية. ويستغرب رئيس نقابة تجار طرابلس فواز الحلوة سبب استمرار الأزمة، وتراجع الحركة التجارية "بعد مرور وقت كاف لعودة الروح للمدينة"، ويؤكد أن "الحركة المتزايدة في السوق لم تترجم حركة مبيعات، وهي أقل بكثير من العام الفائت، ولم يتغير الوضع بين عيد الفطر وعيد الأضحى"، وقال: "لا أرى هذا العام إلا ربع مبيعات الأعوام السابقة، إذا لم يكن أقل من ذلك. عوامل كثيرة تضافرت منها تداخل المواسم، وإحجام رواد المدينة من المناطق عن زيارتها".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم