الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

رأي - أخطار الانزلاق الى العدمية

خالد غزال
A+ A-

استطاع الحراك الشعبي المنطلق منذ العشر الأخير من شهر آب الماضي ان يفرض على الحكومة إنجاز خطة لحل مشكلة النفايات. ساهمت التظاهرة الحاشدة مساء التاسع من ايلول، معطوفةً على التظاهرات والاعتصامات السابقة، في تحقيق هذا الإنجاز. من المهم تسجيل هذا المكسب في خانة الحراك، بما يثبت ان التظاهرات والاعتصامات لم تذهب سدى على غرار حراكات سابقة، كما من المهم الانطلاق من هذا الإنجاز لتصويب ما هو غير صحيح فيه، ثم الانطلاق الى فتح ملفات اخرى والضغط من خلال أشكال التحرك على الحكومة لتحقيق المطالب.
بعد إعلان خطة وزير الزراعة، كان من المهم رصد ردود قوى الحراك بشتى منوّعاتها على ما تحقق. يستحق الأمر قراءة نقدية من أجل ان يستمر هذا الحراك وحتى لا يقع القائمون عليه في الإحباط واليأس. تفاوتت ردود الفعل بين مؤيد جزئيا ومتحفظ ورافض في المطلق. بدا ان القائمين على الحراك قد فوجئوا بأن الدولة استجابت بعض المطالب، فيما كانت شعاراتهم تصدح بالعكس وتصر على عجز الطبقة السياسية - الطوائفية عن استجابة أي مطلب شعبي. غلب على أقطاب الحراك منطق رفض الخطة، قبل اي نقاش لمضمونها وللحلول المقترحة، وخصوصا ان هناك مسائل عاجلة تتصل بنقل النفايات الموجودة قبل ان يدهمنا المطر. ندر أن نطق واحدٌ بكلمة مفادها ان هذا الإنجاز تحقق بفضل نضال المتظاهرين وصمودهم، نضعه في جيوبنا وننطلق منه الى مطلب آخر، ونكمل الحراك انطلاقا منه. صعّد الجميع خطابه، وعاد الى مطلب إسقاط النظام واستقالة الحكومة، على أساس ان تحقيق هذه الشعارات أسهل من الضغط الشعبي لفتح ملفات الفساد في الكهرباء والماء والطرق وغيرها.
ليس من قبيل المبالغة وصف القسم الأساسي من الناشطين بضعف التجربة السياسية وما تولده من خبرة في قيادة النضال المطلبي. ان تكبير الحجر بتصعيد المطلب الى إسقاط النظام، هو أقصر الطرق لإفشال الحراك وإسقاطه في دوامة اليأس أو تجييره لصالح أجندات سياسية معروفة. التظاهرات والاعتصامات هي ممارسة سياسية بامتياز، الأساسي في قيادتها التقاط ما يمكن أن يتحقق، للبناء عليه ومتابعته، مما يعطي الثقة بأن من الممكن الوصول الى شيء على رغم تعنت السلطة. لم يكن جواب القائمين على الحراك يصب في هذه الوجهة، بل إن الرفض المطلق وعدم رؤية النجاحات لا يدعوان الى التفاؤل في الاستمرارية.
في سياق الحراك وتغطيته الإعلامية، لا بد من الإشارة الى دور مزدوج، إيجابي وسلبي، قام به الإعلام وخصوصا المرئي منه. الدور الايجابي تجلى في نقل الحراك وأشكاله، بما وضعه لدى كل مواطن وفي كل مكان. اما الدور السلبي فهو المغالاة في التعبير والتهييج والتحريض كأن البلد عشية قيام الثورة. اما الأسوأ فكان في تلك المقابلات التي لا تنقطع طوال الوقت مع ناشطين او مواطنين عاديين حول الحراك. لا يخفى ان الإعلام يمكن ان يؤثّر "عقليا وسلوكيا" في من يلهث وراءه. شهدنا شبابا يتصرفون بخفة شديدة أمام كاميرات التلفزيون، كأنهم يقودون الملايين نحو الثورة، ولا يقبلون الا بإنهاء هذه الطبقة السياسية ونظامها، بل بسحقها. فقد الكثيرون من الناشطين توازنهم امام الكاميرات، وبات الركض وراء التصريحات التلفزيونية هدفا قائما بذاته. لذلك غلب على التصريحات "التفشيط والتفحيش" أكثر منه الكلام السياسي المتوازن.
ليس متوقعا للحراك ان ينتهي في القريب العاجل لأن حجم القضايا كبير جدا، واستجابة السلطة ضعيفة جدا، لكن الأخطار ستحيق بالحراك اذا ما استمر المنطق العدمي الذي يرفض أي نجاحات جزئية ويصر على المطالب غير القابلة للتحقق. فهذا المسلك العدمي هو اقصر الطرق للإحباط، والى استيلاء الطبقة السياسية – الطوائفية على مفاصل الحراك وقواه الناشطة، وخصوصا ان انتهازيين كثراً منخرطون في الحراك ويشوهون سمعته وأهدافه، ويصب عملهم في النهاية لدى أهل النظام.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم