السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

متى نتكلّم اللغة الوطنية الصادقة؟

المحامي جورج ابرهيم طربيه
A+ A-

إن ما نشهده في الآونة الاخيرة من مطالبات بحقوق طائفة معينة شهدناه قبل سنة 1975 من قبل طائفة أخرى. وبعد اتفاق الطائف تبدلت طائفة المطالبين في مواقع المطالبة بالحقوق.
ويعزى هذا التبدل بشكل رئيسي الى الخلافات التي نتمنى عدم استمرارها مستقبلا بين الافرقاء المطالبين حاليا بحقوق طائفتهم، هذه الخلافات التي أدت الى اضعاف قوتهم السياسية، مما حمل البعض منهم على التحالف مع أحد افرقاء الطائفة الاخرى عله يلقى المساعدة في استعادة الحقوق المفقودة أو بعضها، ولما رأى أن ما تمناه غير قابل للتحقيق لسببين رئيسيين: الاول، لانها تمس بالحقوق المكتسبة، والثاني لانه يحدث خللا في مبدأ المساواة، فلجأ الى طريقة اخرى تمثلت بالتجييش وباثارة العصبية الطائفية، وفي محاولة الظهور بمظهر المدافع الوحيد عن حقوق الطائفة والأقدر على تحقيقها دون سواه.
أمام هذا المشهد المعطوف على ذلك الذي كانت عليه الحال قبل سنة 1975، لا يسعنا الا تشبيه الوضع بمعارك الكر والفر بين الطوائف اللبنانية، اذ كلما وجدت احداها نفسها اصبحت اقوى من الاخرى أدخلت البلاد في عملية كباش تحقيقاً لبعض المكاسب على حساب الفريق الاضعف، الذي يظل يستعد ويهيىء نفسه للقيام بعملية استعادة ما قد خسره في الجولة السابقة. وهكذا دواليك. اذ نبقى تحت وطأة هذه الدوامة أو هذا التجاذب، ضمن عملية ما يسمى "التاريخ يعيد نفسه" كل فترة زمنية لا تتعدى ربع القرن، وأن استمرار هذه الحال على هذا المنوال يؤدي حتماً الى عودة لبنان الى العهود القبلية باحلال الطائفة أو المذهب محل القبيلة، وبالتالي الى استمرار حالة الكر والفر بين قبائله (طوائفه) الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
للخروج من الحالة التي نعيشها، يتعين على السياسيين المطالبين بحقوق طائفتهم اتخاذ مواقف وطنية بحتة، قولا وفعلاً وممارسة، والاتفاق بينهم على بناء الدولة القوية العادلة بين جميع ابنائها، وليس بين جميع زعمائها، ومساعدتها على قيام مؤسساتها بتحمل مسؤولياتها الدستورية فتتأمن حينئذ حقوق الجميع بصفتهم مواطنين متساوين في المواطنة، وليس بصفتهم منتمين الى طوائف ومذاهب، فينتهي الشعور بالغبن او بالانتقاص من الحقوق من قبل اية فئة لبنانية.
وان أول خطوة يخطوها السياسيون في هذا السبيل هي التخلي عن لغة التحريض والتجييش وإثارة النعرات الطائفية والعصبية والفئوية، والتكلم باللغة الوطنية الصادقة، فيخرجون من القمقم الطائفي البغيض الى رحاب الوطن الأوسع الذي يضم جميع ابنائه برعاية دولة القانون والمؤسسات، فنضع حينئذ حداً للصراعات والكباشات الطائفية، وبالتالي حداً للروح القبلية، فنستحق أن نكون أبناء وطن الارز، وأبناء من صنعوا الحرف وحملوه الى العالم، فنفتخر بامجاد اجدادنا لا أن نخجل بما نحن عليه أمام انفسنا وأمام العالم وأمام التاريخ.


المحامي جورج ابرهيم طربيه

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم