الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

تنام فوق قبره وتنتظره ليصحا : حسن لم يمت

المصدر: "النهار"
فيفيان عقيقي
تنام فوق قبره وتنتظره ليصحا : حسن لم يمت
تنام فوق قبره وتنتظره ليصحا : حسن لم يمت
A+ A-

عشر سنوات مرّت وما زال حسن يقبع في ذاك البيت المتواضع في الضاحية الجنوبيّة. لم يعد جسداً وروحاً يدبّ الحياة في المنزل، وإنّما صورة كبيرة معلّقة على جداره، تعلوها آيات قرآنيّة وتحيط بها الزهور. عشر سنوات وجروح عائلة شمص لم تلتئم بعد، ندوب عميقة تنزف فيما العدالة معلّقة مع وقف التنفيذ. سنوات الظلم والقهر حوّلت الوالد نايف جثة متنقلة. دموع الوالدة لا تكذب، تنهمر حزناً على ابنها وشوقاً لاحتضانه. يزوران قبره يومياً، يمشيان إلى روضة الشهيدين مثقلين بسنين كثيرة بادية من تجاعيد وجهيهما وانحناءة أكتافهما، يحملان له الورود والبخور، وكم من ليالٍ ناما فوق قبره واحتضنا اسمه على لوحة الرخام التي تعلو جثمانه، عاجزين عن تركه وحيداً.


منذ عشر سنوات، في 26 تموز 2005، تعرّض حسن نايف شمص، ابن الهرمل البقاعيّة، ذو التاسعة والعشرين ربيعاً، لحادث في المريجة، دهسته آلية تابعة للدفاع المدني. عاد من الغربة سعياً إلى الزواج وبحثاً عن الاستقرار، فانتقل عريساً إلى السماء، وتحوّل قضية تشغل شقيقتيه الوحيدتين حتى تحقيق العدالة.


عدالة مع وقف التنفيذ
قد تكون قضية حسن شمص، هي الحالة الأولى التي يُحاكم فيها مدير عام، ويُطلب فيها للمثول أمام القضاء. خلال التحقيقات صدرت إفادات متضاربة عن كيفيّة وقوع الحادثة، فيما تؤكّد العائلة أن الأدلّة رُفعت من المكان حتى قبل معرفتهم بوفاة حسن. تقدّمت العائلة بدعوى ضدّ السائق المتطوّع في الدفاع المدني طالب عيد (المُنتسب إلى حزب الله)، وكلّ من يظهره التحقيق فاعلاً، وتتهمّ كلّا من مدير عام الدفاع المدني العميد المتقاعد درويش حبيقة، ومسؤول مركز المريجة عليّ شري (وهو مسؤول في الهيئة الصحيّة التابعة لحزب الله أيضاً)، خصوصاً بعدما تبيّن أن السائق يحمل بطاقة غير قانونيّة، ولا يحمل رخصة سوق.


تقول منى شمص، شقيقة حسن لـ"النهار": "اكتفوا لسنوات بمحاكمة السائق من دون توجيه أي سؤال للمسؤولين عنه. تخلّلت الفترة محاولات كثيرة لثنينا عن المضيّ في الدعوى، وتدخّلت الوساطات السياسيّة خصوصاً أن المتهمين محسوبون على مسؤولين سياسيين وحزبيين. مورس ضغط كبير على القضاء، استلم الملف أربعة قضاة وتنحوا جميعاً عنه. ما زلنا مستمرين في الدعوى، لا نريد تعويضات ماليّة، نريد العدالة الرادعة".


معاناة العائلة
طوال هذه الفترة، لم تنفك العائلة عن المطالبة بإحقاق العدالة ومحاسبة المقصّرين، في محاولة للحدّ من الحوادث المماثلة، لا تعتبر ملاحقتها القضية ثأراً او إنتقاماً إنّما إصلاحاً وتصحيحاً. تعرّض أفراد العائلة للكثير، أخرجت الشقيقة منى في شكل غير قانوني من المعهد الذي تدرّس فيه، وتتهمّ مسؤولين وسياسيين بالوقوف وراء الأمر لثنيهم عن الدعوى، فيما تحاول التواصل مع وزير التربية لتستردّ حقّها. هدّد شقيقهم الآخر بالقتل ومنع من الدخول إلى بوداي وأخرج أخيراً من مؤسّسة إعلاميّة يعمل فيها بعد ضغط حزبي على القيّمين عليها. تعرّضت الشقيقتان اللتان تمثلان منظّمة "حقنا" لتعزيز الحقّ والواجب حمايةً من الفساد، للاعتداء منذ شهرين خلال متابعتهما لظروف الحريق الذي نشب في مستودعات "قاروط" وتجدّده، واقتيدتا إلى مجمّع "المجتبى" حيث مكثتا في زنزانة، وهو الخبر الذي ضجّت به الوسائل الإعلاميّة، إلى أن اشتكت الشقيقتان على عناصر أمنيّة في حزب الله، بتهمة الخطف والتهديد بالقتل وما زالتا بانتظار استجوابهم قانوناً.


تقول آمال لـ"النهار": "ما زلنا حتى اليوم نسأل عن الجريمة التي نركتبها في ملاحقتنا قضية حسن. ما هو الذنب الذي اقترفناه خلال تغطية حريق مستودعات "قاروط" في السانت تيريز؟ لماذا تعرّضنا لما تعرّضنا له وبأي حقّ بعدما أخذنا إذناً بالتصوير من مسؤول في الحزب وكنا نلتقط صورا لعمليّات الإطفاء، ولم نشتمّ السيّد حسن نصرالله، ولم نتعرّض لأحد؟ هل يريدون منا التراجع عن الدعوى أم الكفّ عن كشف الفساد داخل مؤسّسة الدفاع المدني؟ جلّ ما نطلبه هو الكفّ عن الاستهتار بالقضية، وأن يحاسب المقصّرون".


ما علاقة حزب الله؟
الهدف ليس التشهير بالأحزاب السياسيّة ولا بالمقاومة، فالعائلة تتبنّى هذا الفكر وتؤمن به، لكن المطلوب الكف عن الاعتداءات المستمرّة والمتكرّرة والوقوف عند كرامة العائلة التي تطالب بالإصلاح والتصحيح كي لا يزيد عدد الضحايا في الدفاع المدني. يقول المسؤول الإعلامي في حزب الله محمد عفيف لـ"النهار": "لا علم لنا بأي دعوى مرفوعة ضدّ عناصر أمنيّة في الحزب. لقد تدخّلت الوساطات والموضوع بات في عهدة الرئيس نبيه بري، وهم يعملون بالتنسيق مع حركة أمل لحلّ القضيّة". وعمّا ذكر في الإعلام عن تدخّل مسؤولين وعناصر في جزب الله في قضية مقتل شمص وفي ما تتعرّض له العائلة من ضغوط، وعن حملة الشتائم التي تعرّضت لها العائلة، يردّ عفيف: "لا علاقة لحزب الله أو أمنه بالقضية، لقد تعرّضنا لحملة شعواء بسبب قضيّة معروفة متعلّقة بالدفاع المدني، ولا علاقة لنا فيها أيضاً. لقد استخدموها للتشهير فينا فقط".


فيما تقول شمص: "حزب الله تبنّى المتورّطين الحزبيين منذ البداية فهو من أخرج السائق من السجن ودفع كفالته، وحاول لسنوات منع رفع الحصانة عن مسؤول مركز المريجة السابق، كما عيّن محامين للدفاع عنهم. الحكم المالي الصادر لصالحنا لم ننفّذه، دم أخي لا يعوّض بمال. نريد حقّنا. نريد إصلاحاً داخل هذه المؤسّسة، لا نسعى للتشهير ولا التصويب ناحية حزب الله، وإنّما كفّ بعضاً من عناصره عنّا، وإحقاق العدل والحقّ ورفع المظلوميّة الذي يحاربون من أجلهم، والذي استشهد شبابٌ كثر في سبيلهم. هل مطالبنا تعجيزيّة؟".


تموت العائلة وتحيا يومياً بانتظار تلك العدالة الضائعة، العمّ نايف انتكست صحّته، يأبى الاهتمام بنفسه، باتت الكرسي في زاوية الدار ملجأه الوحيد. السيّدة حياة لا تكفّ عن الصلاة والدعاء لحسن كي ترقد روحه بسلام، ولأولادها كي لا يصيبهم مكروه، المسبحة لا تفارق يديها وشفافها لا تتوقف عن التمتمة صلاةً. الأشقاء تركوا حياتهم وبات حسن الذي فارقهم وقضيته النبض الذي يحييون به، فهو لم يمت، ما زالت رائحته تعبق في البيت... عشر سنوات مرّت، فهل يصدر القضاء حكماً يريح حسن في قبره، أم تنتظر العائلة بعد وتتمدّد مآسيها؟


[email protected]


Twitter: @VIVIANEAKIKI

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم