السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

مأساة الطفل إيلان مدخل لكسر "فوبيا الأجانب" أوروبا تُنقذ شيخوختها بشباب المهاجرين

امين قمورية
مأساة الطفل إيلان مدخل لكسر "فوبيا الأجانب" أوروبا تُنقذ شيخوختها بشباب المهاجرين
مأساة الطفل إيلان مدخل لكسر "فوبيا الأجانب" أوروبا تُنقذ شيخوختها بشباب المهاجرين
A+ A-

تتحول أوروبا تدريجاً قارة عجوزاً، وقلة من الاوروبيين تدرك ان أحد الحلول لهذه الازمة هو استيعاب قادمين جدد من خارج القارة ودمجهم بمجتمعاتها لتجديد حيويتها وشبابها، حتى كانت الصدمة التي احدثتها صورة جثة الطفل السوري ايلان الكردي لتصير المدخل لهذه الحكومات ولا سيما منها الالمانية الى لب ازمة القارة.


من المشاهد المألوفة في شوارع المدن الكبرى في أوروبا الغربية، رجال ونساء ذوو سحنة سمراء او غير اوروبية يعملون ويكدون في مختلف القطاعات الاقتصادية والانتاجية والثقافية، وكثيرون منهم يديرون اعمالاً ناجحة او برعوا في مهن عدة وصاروا من الاسماء اللامعة في المجتمع في مختلف الميادين: السياسة، التجارة، المال، الفنون، الرياضة. ومع ذلك لايزال "رهاب الاجانب"، او "فوبيا المهاجرين" ينتاب السكان الاصليين ذوي السحنة البيضاء والشعر الاشقر.
ولعل هذه "الفوبيا" والنزعة القومية التي تشوبها عنصرية غذتها احزاب يمينية متشددة ومصالح انتخابية وثقافة متأصلة واحساس بالتفوق العرقي لدى بعض الجماعات والافراد والميل الى النقاء ورفض التنوع، حجبت الى حد كبير الاهمية الاقتصادية والعملية والثقافية للهجرة والمهاجرين.
واذا كان من المسلم به ان اوروبا تتحول تدريجاً الى قارة عجوزاً، فإن قلة من الاوروبيين تدرك ان احد الحلول لهذه الازمة هو استيعاب قادمين جدد من خارج القارة ودمجهم بمجتمعاتها لتجديد حيويتها وشبابها، اي بمعى آخر فتح باب الهجرة اليها.
"ماما ميركل" التي وصفها اللاجئون السوريون بانها "ام المنبوذين" بعدما ساهمت في فتح الالمان قلوبهم وجيوبهم للاجئين الى حد كبير مقارنة باي من شعوب أوروبا الاخرى، لا شك في انها تدرك ماذا تفعل.


اوروبا تجدد شبابها
لا احد يقلل شأن الجانب الانساني والاخلاقي في اللفتة الالمانية حيال المهاجرين، لكن برلين وغيرها من مواقع القرار الاوروبية تدرك انه بحلول سنة 2050، سيبلغ 28 في المئة من سكان دول الاتحاد الأوروبي سنّ التقاعد أو يقتربون منها. وفي ألمانيا واليونان والبرتغال وسلوفاكيا وإسبانيا، ستبلغ نسبة المتقاعدين ثلث عدد السكان في تلك السنة، مقارنة بنسبتهم الراهنة والبالغة 20 في المئة أو أقل.
وبناءً على تقرير معدل الشيخوخة لسنة 2015 الصادر عن المفوضية الأوروبية، سترتفع نسبة الاعتماد على السكان الذين تجاوزوا 65 سنة، إلى 50.1 في المئة بحلول 2060 بعدما بلغت نسبتهم 27.8 في المئة حالياً، وسيضاف هؤلاء إلى الشرائح الفعّالة اقتصادياً، والتي تراوح أعمارها بين 15 و64
عاماً.
ومن شأن شيخوخة السكان ان تؤدي إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي للاتحاد الأوروبي بنحو 0.2 في المئة سنوياً، إلا أن هذه المشكلة لم تبلغ مستوى الخطورة الحقيقية حتى الآن، وسوف يحصل هذا عندما يتحول قانون التقاعد نظاماً غير مستدام في المستقبل غير البعيد. وكي تتمكن أوروبا من ابقاء معدل الشريحة الفعالة اقتصادياً ثابتاً، فإنها تحتاج إلى زيادة أعداد السكان الادنى سناً مئات الملايين في كل عقد عن معدل الزيادة الراهنة. ولا طريقة لزيادة عدد سكان دول الاتحاد الأوروبي نحو 42 مليون نسمة بحلول 2020، وبنحو 257 مليوناً في 2060، ولن يكون في وسع اي حكومة ارغام الناس على إنجاب عدد أكبر من الأولاد.
ولهذا السبب، باتت زيادة معدلات الهجرة إلى أوروبا هي الحل الوحيد لتجنب كارثة مالية واقتصادية أوروبية مقبلة، وهنا ربما تكمن حاجة أوروبا الى استثمار مأساة الصبي ايلان. وبما ان غالبية النازحين هي من شرائح الشبّان أو الأولاد الذين فقدوا آباءهم وذويهم، فإن اوروبا ستحتاج اليهم لحل مشكلة زيادة معدلات المتقاعدين اذ عرفت كيف ترعاهم وتؤهلهم على النحو السليم.
أضف أن هؤلاء المهاجرين الشجعان الذين غامروا بحياتهم وحياة عائلاتهم حبا بالحياة وبتغيير نمط العيش، سوف يغتنمون أية فرصة تُتاح لهم لإثبات جدارتهم وفاعليتهم. ولا شك في أن الدول التي تعاني انخفاضاً في الإنتاجية سترحّب بهذا التنافس المتزايد في سوق العمل حتى لو أثار حفيظة معارضي الهجرة، وخصوصاً في دول أوروبا الشرقية.
لكن ثمة حدوداً لسخاء الألمان أيضاً، فالمطالبون بحق اللجوء في هذا البلد من الدول التي لا تمزقها الحروب يحتمل إلى حد كبير أن تُرفض طلباتهم، فنسبة قبول الطلبات إجمالاً في ألمانيا تبلغ 40 في المئة. كما أن اليمين المتطرف في البلاد مثله مثل نظيره في دول اخرى لا يرضيه ما يجري.
الى ذلك، أثار بعض الزعماء في أوروبا مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان مخاوف من تعرض "الهوية المسيحية" لأوروبا كقارة للخطر، لكن ميركل أشارت في الآونة الأخيرة إلى أن الألمان يجب أن يدركوا أن الصورة القومية لألمانيا باعتبارها بلداً مسيحياً وأبيض في معظمه لم تعد مناسبة.
وفعلا بدأت قنوات تلفزيونية ووسائل اعلام المانية ونمسوية بث تقارير عن نجاح النموذج الاميركي القائم على التعدد الثقافي والاتني، مفادها ان السبب الاهم لنجاح الاقتصاد الأميركي يكمن في الطرق الجديدة لرؤية الأمور والأساليب الجديدة في التفكير التي أتى بها المهاجرون من أنحاء العالم. وهذا ما دفع الولايات المتحدة الى قيادة العالم في الإنجازات الابداعية والعلمية.
اما في اوروبا، فلعل المصابين بـ"فوبيا الاجانب" لم يكتشفوا الأهمية الاقتصادية لظاهرة الهجرة الجديـدة، لكن أهميتهــا تبقى حقيقة واقعة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم