الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

مسرح - "مترو المدينة": السخط بـ"الخربشة" و"الخربطة" على ضوء الشمع!

فاطمة عبدالله
مسرح - "مترو المدينة": السخط بـ"الخربشة" و"الخربطة" على ضوء الشمع!
مسرح - "مترو المدينة": السخط بـ"الخربشة" و"الخربطة" على ضوء الشمع!
A+ A-

اكتظّ المسرح بالناس قبل نحو نصف ساعة من بدء العرض وسط خفوت ضوء الشمع. في "مترو المدينة"، لا تنتظر أن تشعر بثقل أو بشيء من التكلّف. كُنْ كما أنتَ: بالجنون فيكَ، بالصرخات، باللهو، بالحميمية والأرق. "مترو" يُنسيك أنّك "المثقّف" المنهك بالشؤون الكبرى والمصاب بالكآبة والصداع لفرط التذمّر من ضجيج الكون. نفضّل دائماً الكرسي الملتصق بالكرسي الآخر، كأنّه الحضن الذي يتيحه الليل لنا. في "مترو" جوّ خاص يرخي شعوراً بالانتماء إلى المكان. وإلى الزوايا والظلمة التي نهوى.


لم يكن القصد "التورّط" بالبقاء حتى منتصف الليل مغمورين ببهجة "الهشّك بشّك"، العرض المصري المستمر بجمالية. نحضر للقاء حول المسرح وأجوائه وانتكاساته واصراره على النجاح. تقول مديرة الإنتاج سارة نهرا: "مهلاً، إن كان لا بدّ من كلام حول "مترو"، فلنشاهد "هشّك بشّك" وتفاعل الجمهور مع المسرح". كان ذلك، فيما صوت الفرقة يصدح خلال التمرينات، مخترقاً هدوء الغرفة الصغيرة المليئة بالانطباعات حيث تجلس سارة نهرا وفوق رأسها صور العروض البديعة التي أنتجها المسرح.


تَرْك الواقع في شأنه ومداواة العطب
العاشرة ليلاً، خرج من خلف الستار صوتٌ مصريٌّ مدهش. عرض "الهشكّ بشّك شو" لا يهدأ. كأنّه في كلّ سهرة يتجدّد كالخمر المعتّق الطيّب. الليل للشموع في هذا المسرح، للأضواء الضئيلة المتكاتفة التي يشكّل حضورها كتلة متوهّجة، وللبحث عن متعة. أُنشئ "مترو المدينة" في العام 2012 كرغبة في إعلاء شأن فنّ الكباريه وتصويب ما يشوبه من "تشوّه". الجلسة حميمة: "كاس" وبزورات وجزر، ولمن شاء، ثمة حلويات وأطعمة. "مترو" روحية أكثر منه صورة تقليدية لمسرح. إنّه جوٌّ قد لا تتيحه غالباً المسارح التي تغلق أبوابها على كثير من الانضباط والجدّ. نعشق في "مترو" تحريضه غير المعلن على أن نكون نحن. بما في هذه الـ"نحن" من يأس وضجر وأحلام وصخب. هو أيضاً تحريضٌ على ترك الواقع المعطوب في شأنه، والزجّ بالنفس في واقع آخر يداوي العطب بالموسيقى والرقص الذي يحرّر الجسد ويسرح بالروح إلى الفوق. عرضٌ يكفي لتشعر أنّ في "مترو" تلك القدرة على خلق علاقة بينك وبين المقعد حيث أنتَ. ليس الخشب الذي يكوِّن ذاك المقعد، بل معنى الجلوس في حضرة المكان المريح. نحبّ الفوضى في مكتب نهرا الفَرِح، ونفضّل التسمية العامية الدالة على القصد من دون مواربة: "العجقة". نطارد "مترو" بحثاً عن "العجقة" بوجهيها الأنيق والمخربط: عبد الكريم الشعار وهو يُسلطِن بأغنية واحدة لأمّ كلثوم تستمرّ ساعتين لليلةٍ في الشهر، أو "هشّك بشّك" والعرض "المنكوش الشَعر" بأدائه وشعبويته المذهلة وروح الكباريه الضاحكة على الملأ مهما اشتدّ وجع النفس وقسا الزمن.


المسرح في ذاته بالحميمية والتألق
لم نأتِ إلى "مترو" بغرض إخراج الدفتر من المحفظة و"خربشة" ملاحظات حول "هشّك بشّك". نريد المسرح في ذاته موضوع الكتابة، بالجوّ الحميمي، بالزوايا الفريدة ولحظات التألّق. نعود مع سارة نهرا إلى تأسيس المسرح عبر المدير الفني هشام جابر ومجموعة من أصدقائه. "يشاء "مترو" [هو للمناسبة لا شأن له كلياً بـ"مسرح المدينة"] أن يصوّب مفهوم "الكباريه شو". لا ندّعي أنّ الهدف ثقافي بالمطلق. هدفنا الترفيه المتقن الجامع بين الوقت الجميل والارتقاء بالذوق. ساعتان مع عبد الكريم الشعار يغنّي أم كلثوم، كفيلتان حمل الجمهور إلى عالم آخر. نراهن على الجوّ. جمهور المسرح من أعمار مختلفة. ثمة من دون الثامنة عشرة ومن فوق السبعين. ذلك يختلف وفق جوهر العرض المقدَّم. تحضر الطبقات الاجتماعية كافة من دون تمييز بين فقير وثري. المقعد للجميع والطاولات بأسرها تُضاء بالشمع وتغيب الإضاءة الكهربائية. نقدّم إلى "هشّك بشّك شو"، وهو "ريبرتوار" مصريّ من إنتاجنا، عروضاً منها "بيروت- طريق الجديدة" ليحيى جابر، رقص بلدي مع ألكسندر بوليكوفيتش، غناء لفرقة "الراحل الأكبر"، مسرح دمى، وليالٍ أخرى. عرضٌ كلّ ليلة والمسرح مستمرٌّ في الاصرار على البقاء رغم الظرف الصعب". نسأل نهرا عن احتمال أن تطاول أزمات البلد نشاطَ المسرح. تثق بأن الجمهور يحب خشبة "مترو" مهما عصف الخارج، "وإلا ما استمرّت العروض. عائداتنا من شبّاك التذاكر. لا جهات داعمة ولا منح رسمية. ننتج العروض من ثمن التذاكر وبدل الطعام والشراب على الطاولة".
على الجدار خلف نهرا صورٌ للعروض الأربعة التي أنتجها "مترو" كأنّها توثيق الجهد والاعتزاز به. من اليسار إلى اليمين: "كباريه شو" (2012)، عرض الافتتاح، "العميل الملتهب والراقصة المزدوجة" (2012)، "عالم التفنيص" (2012- 2013)، و"هشّك بشّك شو" (من 2013 مستمرّ حتى اليوم). انتاجاتٌ خاصة لـ"مترو"، فيما باقي العروض ينتجها أصحابها ويعرضها المسرح الذي يقدّم عروضاً كلّ ليلة. "التوقّف ليس وارداً وإن اقتصر الحضور على بعض الأشخاص. المسرح صعود وهبوط، كحال الإنسان في أوطان الاضطراب، لكنّه ليس استسلاماً ولن يكون على الاطلاق".


"شاف القطّة قَلَّها بِسْ بِسْ"...
قد لا يساعد ضوء الشمع في إخراج دفتر لتدوين الملاحظات، ويُخشى في حال اللجوء إلى ضوء الهاتف التسبّب بإزعاج الآخر. وإن شئتَ بعض الملاحظات حول العرض فاعتمد حصراً على الذاكرة، أو أخرِج الدفتر بالعشوائية الجميلة وضَعْه على الطاولة و"خربِش": "ذَهَبَ الليل طَلَع الفجر والعصفور صاو صاو/ شاف القطّة قَلَّها بِسْ بِسْ قالتلوا ناو ناو"! وأغنيات أخرى من "الهشّك بشّك". لن يهمّ كثيراً خروج الكلمات عن السطر أو تداخل بعضها في البعض الآخر، فأنتَ في "مترو"، كُن كما تشاء، فَرِحاً بالعشوائية، ضاحكاً على "الخربشة" و"الخربطة"، وعلِّ الضحكة منتشياً بـ"عجقة" المسرح في انتقامها من ملل الحياة وبؤس ما هي عليه.
نجد أنّ ما دوّناه على الدفتر جملٌ من نوع: "أنا دُبت وجزمتي قلبها داب/ من كُتر التدوير عَ الأحباب"، مرفقاً بملاحظة: "مزحة الزبالة" ولحظة التصفيق بحماسة حين لطّش أحد أفراد الفرقة الجمهور حول أزمة النفايات في لبنان. ذلك مضحكٌ حقاً، فعرض "الهشّك بشّك" مخروقٌ بالحال السياسية المثيرة للهزء والتنكيت. السخط بالضحكات، هو "مترو". وبالكأس والرفقة الحلوة.


[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم