الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أوروبا اللاجئة

المصدر: "النهار"
رلى راشد
أوروبا اللاجئة
أوروبا اللاجئة
A+ A-

أيا يكن عنوان الأزمة، من المفيد دوما الإصغاء إلى ما في جعبة تزفيتان تودوروف. ينشغل الفرنسي من أصول بلغارية ومنذ أكثر من نصف قرن بالمرافعة لمصلحة الإنسان، بعدما تشبّع من تراكم الثقافات، فصار رجل الفروقات الدقيقة والنبرة النازعة نحو التحليل الثقافي ومؤرخا للأفكار أيضا. وتودوروف على ما وصفته صحيفة "إيل باييس" الإسبانية مرة، هو "المنصرف إلى إجراء جردة تتعلق بقيم أوروبا وأمنياتها الإيجابية التي حاولت تصديرها الى العالم، على نسق السيارات والتقنية العالية الجودة".


في الآونة الأخيرة، وفي خضم الإنشغال بقضية اللاجئين الوافدين إلى أوروبا، تبدّى عفويا وفي كثير من الأماكن تذكُّر "أوروبا اللاجئة"، لتجري في هذا الإطار العودة إلى ما أورده تودوروف في هذا الشأن، في مؤلّفه "الخوف من الهمجيين".


والحال انه عاين في نصه هذا، ابنة ملك صور أجينور أوروبا التي منحت إسمها للقارة العجوز وصارت رمزها سيدة هامشية على مستويين "لأنها كانت من أصول أجنبية وأنتزعت من جذورها من جهة، ولأنها كانت من جهة ثانية مهاجرة قسرية عاشت في الأطراف بعيدا من المركز، في جزيرة. جعلها أهل كريت ملكتهم، والأوروبيون رمزهم. فصار على هذا النحو تعدد الأصول والإنفتاح على الآخرين فكرا أوروبيا".


مع اشتداد هموم أوروبا الوجوديّة، يجري أيضا استدعاء تودوروف في قلقه على القيم التي تتعرض في الآونة الأخيرة للتهديد وفي تأكيده ان وجود القيم، في الأساس، لا يعني احترامها من الجميع ذلك انها "مثال أكثر من واقع وهي تمثّل أفقا نتّجِهُ صوبه".
وفي خضم الحديث عن أوروبا، تبيّن فرنسا أحد الأمثلة الأبرز وربما يمكن عدّها نسقا يبنى عليه بغية فهم مدى ملاءمة القيم النظريّة لتلك العملية.
والحال انه وفي عددها لشهر أيلول تنشر مجلة "بوكس" (أي كُتُب) مقابلة ثنائية طرفاها تزفيتان تودوروف من جهة وسودير هازاريسينغ من جهة ثانية. اجتمع الصوتان حول سؤال محوري واحد "هل يمكن الحديث عن هوية فرنسية فعلا؟". والمفكران الكبيران اللذان تُعرّف عنهما المجلة كفرنسيين بالتبنّي، أجابا على مجموعة من الأسئلة عينها، من دون أن يعرف أحدهما مسبقا موقف الآخر من المسائل المطروحة.
وإذا كان تودوروف راعي "الآخرية" ومسوّق تلاقي الثقافات، فإن هازاريسينغ المتحدر من جزر موريشيوس والفرنكوفوني تماما، متخصص بالشؤون الفرنسية وهو أغنى المكتبة الناطقة بلغة موليير بعناوين عدة من قبيل "أسطورة نابوليون" و"أسطورة الغاليين".


حين يسأل هازاريسينغ "هل يسعك أن تعاين فَرقا أساسيا واحدا على الأقل بين الفكرة التي كوّنتها في السابق عن فرنسا وفكرتك الراهنة؟ يجيب "كانت فرنسا التي أعجبتُ بها متفائلةً على المستوى الفلسفي. أذكر شعار "نحن في فرنسا لا نملك النفط وإنما نملك الأفكار". قارب الشيوعيون التاريخ على نحو غائي أفضى إلى التحرر الإنساني، بينما توصّل أنصار ديغول إلى خلاصة مشابهة، من طريق الإرادوية والإيمان بالعناية الإلهية (...) أما اليوم فاختفى هذا التفاؤل الفلسفي تماما وصرنا نتخبّط في "الأناقة الكئيبة".


أما تودوروف فيعتقد ان المرء يكوّن فكرة شاملة عن بلد محدد، حين يعرفه على نحو سيىء. والحال ان فكرته عن فرنسا بدت قبل خمسين عاما نمطية تماما. أما الآن وبعدما صار فرنسيّا بالتبني فباتت مقاربته أكثر وضوحا: بات يعرُف فرنسيين عدة، في حين لم يعد يعرف كيف هو الفرنسي. يزيد "الهوية الثقافية الوطنية هي تقدير إحصائي فحسب وليست إجبارية على المستوى الفردي".


ها هنا يكرر تودوروف اقتناعه بأن الثقافة لا تُختصر بالوطنيّة فحسب وبأن الإختزالات الجماعية ليست صائبة دوما. في سياق الميل الراهن إلى قولبة مفاهيم الهوية يؤكد تودوروف أن المقاومة لا تزال أساسية في الديموقراطيات، ولهذا السبب يتبدى موقفه فعلا مقاوما، على أكثر من مستوى. يأتي تودوروف بفسحة مناقشة ملحة لا بدّ ستساهم في بلورة رؤية حديثة للإنتماء.


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم