الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ماتوا جميعاً، فمن يحاسب المُقصِّرين؟

المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا
ماتوا جميعاً، فمن يحاسب المُقصِّرين؟
ماتوا جميعاً، فمن يحاسب المُقصِّرين؟
A+ A-

في بلدٍ نعيش فيه بـ"الصدفة"، حيث تغيب أبسط #حقوق_الإنسان المعيشية، تتعدَّد الأزمات التي نعانيها، فعلى الرغم من تميُّز الجهاز الطبي والتمريضي في لبنان والإنجازات العلمية في هذا المجال، يتزايد عدد المواطنين الذين تنتهي حياتهم في أروقة وغُرف #المستشفيات، ربَّما هو "القدر" الذي لم يَكتُب لهم عمراً مديداً، أو الأخطاء الطبية التي غالباً ما يتمُّ التغاضي عنها! وبين دور #وزارة_الصحة في وقف التعاقُد مع بعض المستشفيات وإحالة بعض القضايا إلى التحقيق، وبين الاتهامات والأدلة، من يتحمَّل المسؤولية؟


ضحايا من دون ذنب


في 1 آذار 2015 توفي الطفل عبد الرؤوف الحولي على أبواب المستشفى جراء عدم سماح الإدارة آنذاك بإدخاله، وفتح الوزير أبو فاعور تالياً تحقيقاً فورياً في القضية مع المستشفيين اللذين رفضا استقباله. في 12 آذار 2015، أعلنت وزارة الصحة العامة أنَّ وفاة الطفل عمر صادق البالغ من العمر شهرين نتيجةُ مضاعفات حادة والتهابات رئوية، بعد أن مكث في المستشفى لأكثر من ثلاثين يوماً. في نيسان 2015، خسرت الطفلة إيللا طنوس أطرافها في معركة زجّت فيها من دون علمها، فتمَّ توقيف طبيب الأطفال عصام معلوف، ما دفع بنقابة الأطباء إلى تعليق العمل في المستشفيات والعيادات حتى إخلاء سبيل الطبيب. في 30 حزيران 2015 توفي المواطن حنا يوسف بشراوي (50 عاماً) ابن بلدة القاع الحدودية داخل أحد مستشفيات المنطقة المجاورة لبلدته حيث خضع لفحوص دم فور إحساسه بألم خفيف في معدته، فأُعطيَ دواءً مضاداً حيوياً على الرغم من إخباره الطبيب بمعاناته حساسية من هذا الدواء، ما أفقده وعيه نتيجة انقطاع الأوكسيجين عن الدماغ، فدخل بغيبوبة وتوفي لاحقاً. في 2 آب 2015 أوضحت نقابة المستشفيات في لبنان، ظروف وفاة فدوى عبد الحكيم في "مركز اليوسف" الاستشفائي في عكار، وقالت إنها أُدخلت المستشفى حيث تم إنعاشها بنجاح داخل الطوارئ، ونقلت إلى العناية الفائقة حيث خضعت لقسطرة في القلب وإصلاح الشرايين ومكثت في العناية الفائقة لكنها توفيت. وأكدت يومها النقابة أن ليس هناك أي خطأ طبي تعرّضت له لأنها لم تخضع لأي عملية جراحية، مستنكرةً "تسرُّع البعض في نشر معلومات مغلوطة وعارية من #الصحة". في 6 أيلول 2015 وعقب وفاة الشاب علاء عبدالله عجيب في المستشفى الوطني في عاليه، ونتيجة لشكوى الأهل من عدم تقديم الرعاية الطبية له، فتحت وزارة الصحة العامة تحقيقاً بالحادث حيث تم استدعاء إدارة المستشفى إلى دائرة العناية الطبية لتبيان حقيقة ما حصل واتخاذ الإجراءات المناسبة. هذه الأحداث جرت كلها في عام واحد، ولو عدنا بأرشيف الحالات المرضية والأخطاء الطبية لما تمكَّنا ربما من إحصاء الأعداد.


إهمال في القطاع الطبي


"من الضروري التمييز بين الخطأ الطبي والمضاعفات الطبية. ثمة أحياناً مضاعفات قد تحصل لا يمكن السيطرة عليها، وتؤدي إلى بعض المشكلات لعدم تقبل جسم المريض لها، ولا علاقة لها بالطبيب ولا بالمستشفى. في حين أنَّ الخطأ الطبي، إما تقني جراء مخالفة الطبيب القواعد الطبية الفنية المتعارف عليها، أو جراء الإهمال البشري، كترك المريض مثلاً قبل استيقاظه من البنج، أو التعامل معه بشكل تجاري"، بحسب حديث الدكتور خليل خيرالله، دكتور في القانون – اختصاص المسؤولية الطبية لـ"النهار". وفي وقتٍ، "يفاخر البعض بامتلاك لبنان قطاعاً طبياً قوياً، وسياحة استشفائية مشجعة تدرُّ الأموال على البلد وتضفي سمعة حسنة عن القطاع الصحي، يبرز إهمال كبير في هذا القطاع إذ إنَّ الأوضاع التي نعيش فيها لا تدعو إلى المحاسبة الصارمة والعمل بالقانون".


ولكن هل يتابع أهالي المرضى "الضحايا" الضرر الناجم من المضاعفات أو الخطأ الطبي؟ يشير خيرالله إلى أنَّ "ما من إحصاءات لهذه المسألة، خلال دراستي لموضوع المسألة الطبية، ما قبل الخمسينات وصولاً إلى عام 2002 وجدت 70 إلى 80 حكماً فقط. وتبين أنه قبل الحرب اللبنانية كان الخطأ الطبي مرتفعاً، فبرز ازدياد في عدد الدعاوى والقضايا والشكاوى، ما أوقف ذلك هو الحرب اللبنانية، وبعد انتهائها، صدر حكم واحد أو اثنان ما يعتبر مرحلةً طويلة في المسار القضائي. تتنوع الدعاوى التي يقدّمها أهالي الضحية بين مدنية إجراءاتها طويلة جداً ومُكلفة ووسائل التحقيق الخاصة بها بطيئة، وجزائية حيث يساعد القاضي في التحقيق عبر استدعائه الطبيب ويقود التحقيق بسرعة أكثر".


عوائق تطبيق المسؤولية الطبية


يؤكد خيرالله لـ"النهار" أنَّ "عوائق تطبيق المسؤولية الطبية تكمن أولاً في ضعف الثقة بالقضاء، والخوف من #البيروقراطية_الإدارية في هذا المجال. ثانياً، في حماية النقابة #الأطباء، خصوصاً وأنَّ الأطباء حصلوا عام 2001 على حصانة تحميهم، ما يجعل قرارات المحاكم مرتبطةً بقرارات التحقيق التي تجريها النقابة، بعد إحالة الملف إليها. ثالثاً، ذهنية الناس الذين يبررون عدم لجوئهم إلى #القضاء إما بأنَّ "الله هيك بدو" أو أنَّ "من مات لن يُرجع له الحُكم حياته"، أو أنَّ البدء بدعوى سيبقيهم لسنوات في المحاكم مع ارتفاع كلفة أتعاب المحامي والدعوى، في وقتٍ لا تكون نتيجة الفوز مؤكدة. ولكن هناك حالات عدَّة تصل إلى القضاء، وأخرى تستمر من دون التوصل إلى حكم، في حين أنَّ قسماً قليلاً من الحالات تمت متابعته وصدر فيه حكم قضائي".


تترُك القضايا الإنسانية خوفاً ورعباً وغضباً في نفوس الناس، وعلى الرغم من تمكُّن أهالي الضحايا الذين قضوا عام 2015 من إعلاء الصرخة، ما دفع بوسائل الاعلام إلى نقل معاناتهم، إلاَّ أنَّه يبقى حتماً آخرون إما منسيون أو يخافون الإفصاح عن حقيقة ما جرى معهم، مبررين بأنَّ "اللي راح راح" والقضاء أو التعويض المالي لن يعيده إلينا.


 


[email protected]


Twitter: @Salwabouchacra


 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم