الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

فينيسيا 72 ــ براين دو بالما في حفل تكريمه: أنا مثلكم أحبّ المشاهدة!

المصدر: "النهار"
فينيسيا 72 ــ براين دو بالما في حفل تكريمه: أنا مثلكم أحبّ المشاهدة!
فينيسيا 72 ــ براين دو بالما في حفل تكريمه: أنا مثلكم أحبّ المشاهدة!
A+ A-

براين دو بالما بدا هادئاً مساء الأربعاء الفائت عندما اعتلى المسرح ليتسلم جائزة "جاغير لو كولتر" التكريمية خلال الدورة الثانية والسبعين لمهرجان البندقية السينمائي. جائزة متواضعة لسينمائي كبير يعرف مهرجان البندقية جيداً، اذ عرض فيه أفلامه الأخيرة، ومنها "شغف" في العام 2012. على مسرح صالة الاستقبالات الكبرى، وقف دو بالما يبتسم، مقرّباً اذنه في اتجاه السيدة المترجمة التي كانت تتلقى الكلمات من الايطالية وتحوّلها الى الانكليزية. سينما المعلّم الأميركي هزلت في السنوات الأخيرة، بيد ان الرجل يزداد وزناً وضخامة، وفي عمر الخامسة والسبعين، بالكاد يستطيع المشي. مع ذلك، معروف عنه حبّه للمهرجانات ومشاركته فيها، سواء برلين أو البندقية أو كانّ. في الـ"برليناله"، قبل أن ينقطع عنه أخيراً، كان يجلس في الصفّ الأخير. في هذا الصدد، قال دو بالما وهو يتسلّم الجائزة: "عندما يراني الصحافيون في المهرجانات، يتفاجأون ويسألونني: ماذا تفعل هنا؟ هل لديك فيلم؟ فأقول لهم: لا، ليس لديّ فيلم أعرضه. فيكررون السؤال: ولكن ماذا تفعل هنا اذاً؟ عندها أجيب: أنا هنا لمشاهدة الأفلام، تماماً مثلكم".


في سياق تكريم صاحب الأفلام الذي قلب موازين العمل في هوليوود السبعينات مع رفاقه كوبولا وسكورسيزي وسبيلبرغ ولوكاس ("كنّا متحدين ومساندين بعضنا بعضاً")، عُرض فيلم تسجيلي في عنوان "دو بالما"، من اخراج نوا بومباك وجاك بالترو. الأول معروف بعشقه للسينما الأميركية المستقلة التي أهدى إليها قبل ثلاث سنوات فيلماً جميلاً اسمه "فرانسز ها"، والثاني أنجز في العام 2007 "الليلة السعيدة" من بطولة شقيقته غوينيث بالترو. واضح ان فيلمهما عن دو بالما ــ وهو عبارة عن مقابلة طويلة مقطعة بمجموعة لقطات من أفلامه ـــ عمل شخص يكن إعجاباً بلا حدود للمعلم، ولأصول شغله، وللهواجس التي دارت عليها أفلامه. الا انه، يا للأسف، لا يشكل مادة دسمة عند الذي يعرف دو بالما جيداً وحفظ أفلامه عن ظهر قلب، ذلك ان هذا الوثائقي يبقى في محاذاة الفيلموغرافيا الضخمة لدو بالما، مفضلاً الحكايات الجانبية بدلاً من التحليل والغوص في أعماق شخصية سينمائية غير مسبوقة.
الا ان "دو بالما" يبقى وثيقة نطلع خلالها على بعض الأشياء الجديدة ــ القديمة عند مخرج "سكارفايس"، من اكتشافه "فرتيغو" لهيتشكوك الذي سيكون عرّاب سينماه، الأب الخفي الذي سيستوحي منه كثيراً، من دون أن يخفي أيضاً الشيء الذي تركته فيه "الموجة الجديدة" منذ بداياته. يروي مثلاً ان ادارة كليف روبرتسون في "هاجس"، كان شاقاً، وانه حتى اليوم ليس راضياً على تمثيله. فوجهه لا يوحي بأنه وجه رجل فقد زوجته. عن روبرت دو نيرو وأورسون وَلز (الذي أداره في سنّ مبكرة) يقول انهما لم يحفظا السطور. أمّا شون كونري فأثار حفيظته أن يُقتل على النحو الذي قُتل في "المنبوذون"، في حين ان آل باتشينو هرب بالقطار من التصوير عندما كان يلتقط مَشاهد "طريق كارليتو". الموسيقي برنارد هرمان (يسميه بَني)، يحتل قسطاً مهماً من الفيلم، يتحدث عنه بحنان كبير، ويصف يوم جاء الى الاستوديو وفي يده عصاه، ليشاهد "هاجس" ويضع موسيقاه التصويرية عليه، ثم كيف ذهب الى الفندق بعد اتمام آخر عمل بينهما، وتوفي مباشرة بعد ذلك، ما جعل دو بالما يستعين ببينو دوناجيو الذي أنجز معه ثمانية أفلام.


لعل أهم ما ننتبه اليه في هذا الفيلم ان طريق دو بالما الى الجمهور لم تكن سالكة دائماً. فمعظم ما أنجزه كان نصيبه الفشل الجماهيري. ولا يتوانى المخرج عن تكرار كلمة "كارثة" في حديثه عنها، لا بل ترى النور على وجهه عندما يقول عن المنتجين بأنهم كرهوا فيلماً من أفلامه بعدما شاهدوه. فقط 3 أفلام حققت ايرادات عالية وكلّ شيء جرى فيها كما يجب: "مدرّب للقتل" و"المنبوذون" و"مهمة: مستحيلة". يروي دو بالما متاعبه الطويلة مع أرباب الاستوديوات التي كانت تفرض عليه قرارات لم تكن لتروق له، ويتذكر كيف تلقى اتصالاً بعد العرض الأول لـ"بادي دابل" (الفيلم الفضاح الذي أراق الكثير من الدم) يعلمه فيه المتّصل بـ"أنهم سيقتلونك غداً". في نظر دو بالما، هوليوود لا تحبّ المشاهد المستفزة والنافرة التي تولّد ردود أفعال قاسية وغير متوقعة عند المتلقي. والحقّ ان دو بالما كان اعتاد رؤية الدماء منذ طفولته، اذ ان والده كان طبيباً ويزوره في المستشفى، هذا الوالد الذي لم يكن قريباً منه، وكان يلاحقه ليأخذ صوراً له مع عشيقته. فكرة مطاردة أحدهم والتقاط صور له، تتكرر في أكثر من فيلم لدو بالما. للأسف، لا يتطرق الفيلم الى موضوع الازدواجية، بل يكتفي بالاشارة الى تقنية الشاشة المقسومة جزءين او أكثر، وهي تقنية استعملها منذ أفلامه الأولى.


يروي دو بالما أنه اضطر الى أن يخرج أحد أفلامه، فيما كان كاتبا السيناريو روبرت تاوني وديفيد كايبي مقيمَيْن في فندق بعد نشاب خلاف بينهما. لا يخفي امتعاضه من السياسة الأميركية الخارجية التي أسفرت عن حروب ومجازر وعدم احترام لثقافة الآخر، وهذا كله جعله ينجز فيلمين حربيين هما "ضحايا الحرب" عن فيتنام و"منقّح" عن العراق. ينتهي الفيلم بنظرية لدو بالما مفادها أنّ السينمائيين ينجزون أفضل أعمالهم عندما يكونون في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من أعمارهم. مرةً أخرى، يستحضر هيتشكوك لتأكيد تلك النظرية.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم