الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"فينيسيا 72" وزّع جوائزه: "الأسد" تدخل أميركا اللاتينية!

"فينيسيا 72" وزّع جوائزه: "الأسد" تدخل أميركا اللاتينية!
"فينيسيا 72" وزّع جوائزه: "الأسد" تدخل أميركا اللاتينية!
A+ A-

لائحة الجوائز التي وُزِّعت مساء السبت في مهرجان البندقية (دورة 72، من 2 الى 12 أيلول)، عطّلت كلّ التوّقعات التي كانت تشقّ دربها المعتاد وهي كانت ترجّح كفّة ألكسندر سوكوروف وفيلمه البديع، "فرنكوفونيا"، أقله من وجهة نظر النقّاد. لكن المعلم الروسي لم ينل "أسداً" ثانياً. مع فوز الفيلم الفنزويلي "من بعيد" بـ"الأسد الذهب"، والفيلم الأرجنتيني "العصابة" بـ"الأسد الفضة"، والفيلم الأميركي بثالث الجوائز من حيث الأهمية، أي "جائزة لجنة التحكيم الكبرى"، تكون القارة الأميركية، الجنوبية والشمالية، صاحبة "الغلّة" الكبرى هذه السنة، وإن لم يكن حضورها في المسابقة هو الأكثر تماسكاً، ومشاركتها هي الأكثر استثنائية. فالجوائز همّشت عدداً من المؤلفين المهمين، أولهم الروسي ألكسندر سوكوروف، وثانيهم الاسرائيلي أموس غيتاي، وثالثهم الصيني ليانغ زاو الذي أتحفنا بفيلمه "وحش" في الأيام الأخيرة للمهرجان.


لائحة كهذه تطرح علامات استفهام كثيرة حول الكيفية التي تعمل فيها لجنة تتألف من أناس، أحدهم مختلف جداً عن الآخر الى حدّ التناقض أحياناً. فظاهرياً (وحتى باطنياً)، لا شيء يجمع بين أفلام رئيس اللجنة، المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون، والسينمائيين الثلاثة الأعضاء فيها: التركي نوري بيلغي جيلان، والتايواني هو شياو شيين، والبولوني بافيل بافليكوفسكي. مع ذلك، هم قادرون على الاتفاق على فيلم واحد. كيف يمكن كلّ هؤلاء أن يجتمعوا حول فيلم واحد، وهم، في نتاجهم، لا يلتقون ولا يتقاطعون؟ السؤال الذي يفرض نفسه: الى أي حدّ، يخضع اتفاقٌ كهذا الى مساومات و"حلول وسطى"؟
في كل حال، تطابَقَ رأي كوارون وزملائه مع ما كان يقوله مدير المهرجان ألبرتو باربيرا عند اعلان التشكيلة الرسمية، ان "أميركا اللاتينية تتضمن الوعود السينمائية الكبرى". تاريخياً، هذه الجائزة الأولى ينالها فيلم من أميركا اللاتينية، وكوارون مدرك لهذه الحقيقة، لكونه صرّح بها بنفسه. عسى الا يكون الانتماء الجغرافي لمنطقة، هو الدافع الوحيد خلف دفاعه عن فيلم "من بعيد"، علماً ان هذه ليست المرة الأولى يفتح فيها رئيس لجنة المجال لتهم الانحياز: ففي العام 2010، منح المخرج الأميركي كوانتن تارانتينو "الأسد الذهب" لـ"في مكان ما" من اخراج صديقته السابقة صوفيا كوبولا. سُئل كوارون عمّا اذا كانت "لاتينية" الفيلم مارست تأثيراً ما في قراره، فكان جوابه ان رئاسته للجنة التحكيم كانت بتأثير ملك أسوج نفسه في قرارات بلاده. واذا كان قيل عن المدير السابق لـ"الموسترا"، ماركو موللر، بأنه آسيوي الهوى، فمن الواضح ان مديرها الحالي ألبرتو باربيرا، عاشق لاتيني، بعد دورتين افتتحهما مخرجان مكسيكيان (كوارون وايناريتو) ودورة ثالثة يفوز فيها فنزويلي.
"عن بُعد"، الفيلم الفائز بـ"الأسد" اذاً، هو باكورة أعمال المخرج الفنزويلي لورينزو فيغاس، البالغ من العمر 48 عاماً. انه ابن الرسّام الشهير وزفالدو. درس البيولوجيا في أميركا، ثم قبل بلوغه الثلاثين بقليل، التحق بجامعة نيويورك لدرس السينما، فخاض بعض التجارب في هذا الفنّ. في العام 2003، أخرج فيلماً قصيراً عنوانه "الفيلة لا تنسى"، أنتجه المكسيكي غييرمو أرياغا، وعُرض في أحد أقسام مهرجان كانّ السينمائي. بعد أكثر من عشر سنين، يأتي بهذا الفيلم الى الصرح الفينيسي ليقتنص فيه جائزة مهيبة قد تشرّع له أبواب الجنّة السينمائية. لدى تسلّمه "الأسد"، صرّح فيغاس بأن في بلاده بعض المشكلات لكنه ايجابي تجاهها، مضيفاً ان "فنزويلا بلدٌ مدهش وسيبدأ الناس من الآن فصاعداً بالمزيد من الكلام بعضهم مع بعض".
يحاجج الفيلم علاقة بين صاحب مشغل لطواقم الأسنان الاصطناعية وأحد الأولاد الزعران الذين ترعرعوا في العنف والاهمال فنمت فيهم القابلية على الجريمة. شريط هادئ، تتوزع حوادثه بين واقع كاراكاس الشوارعي الصرف، مع كلّ ما يتضمنه هذا من إمعان في الواقعية، ومنزل البورجوازي الخمسيني الصغير، صانع الأسنان، وهو على الأرجح مثليّ. يجوب الأخير الشوارع بحثاً عن صبيان، يشبع من خلالهم رغباته الجنسية. رغباته هذه غير تقليدية البتة. فهو يحب مداعبة نفسه والاستمناء ملتزماً طقوساً معنية، كأن يتأمل مؤخرة الشاب وهو جالس في الكنبة على بعد أمتار منه. الفيلم غوص بطيء، يكاد يكون مملاً أحياناً، في سلوكيات رجل يعاني أزمة منتصف العمر. لا ينطوي الشريط على أي ميل رومنطيقي. كلّ شي مقطّع، جاف، صارم. بيد ان الشخصيات على قدر من اللبس، لا تنطق بسهولة، وربما في هذا يكمن جمال الفيلم ومحدوديته. نحن ازاء خطاب من الدرجة الثانية، اذا صحّ التعبير، حميمي، من النوع الذي يجمع السياسي بالاجتماعي بالنفسي، مفاده ان البورجوازية الصغيرة تعيش نفاقاً رهيباً على مدار الساعة، وتكشف عن أنيابها ما إن يصل الموس الى رقبتها. خطاب قديم ينبعث مجدداً من خلال الواقع الفنزويلي الذي يشكو مثل باقي البلدان في أميركا اللاتينية من تردي الأوضاع وقلّة الفرص وتهميش شريحة من المجتمع لمصلحة شريحة أخرى. الممثل الشهير ألفرد كاسترو، الذي رأيناه أخيراً في فيلمين لبابلو لاراين، يقدّم دور الرجل الخمسيني ببراعة كبيرة، وجهاً لوجه مع لويس سيلفا، الشاب الوافد حديثاً الى السينما.
"الأسد الفضّة" (أفضل مخرج)، في المقابل، ذهبت الى الفيلم الأرجنتيني، "العصابة"، لبابلو ترابيرو. رواية حقيقية عن عائلة بوسيو التي كان اعضاؤها يخطفون جيرانهم بغية المطالبة بفدية مقابل اطلاق سراحهم. فيلم عادي على أكثر من صعيد، متكرر المواقف، يفتقر إلى اللمعة، بيد انه يعتنق اسلوباً رشيقاً في منتهى الديناميكية في سرد الحوادث. مرة أخرى، لا يرتكز الفيلم على خطاب كبير، جامع وشامل، كما الحال في كثير من الأفلام التي أُقصيت من اللائحة. ترابيرو، الذي اعتدنا مشاركته في كانّ، حيث كان رئيس لجنة تحكيم "نظرة ما" في دورة العام الماضي، يقدم فيلماً جماهيرياً حققّ ايرادات عالية لدى عرضه في بلاده.
الفيلم الجميل، "أنوماليزا"، أميركي الصنع، الذي أنجزه تشارلي كوفمان ودوك جونسون بتقنية الـ"ستوب موشن"، فاز بجائزة "لجنة التحكيم الكبرى"، وهي جائزة مستحقة بلا أدنى شكّ. هذه تجربة ممتعة الى أقصى حدّ وللسبب الآتي: اختار المخرجان اللذان انشغلا به طوال 3 سنوات، الحفاظ على صحّة المشاعر وواقعية السلوك الآدمي، بعيداً من كلّ ما يشوب فنّ التحريك من مبالغات وتفخيم. سبع سنوات بعد "سينيكدوك، نيويورك"، يأتينا كوفمان بعمل ينخر العقل ويسحق القلب، عبر الحساسية التي يتسلح بها ليروي أزمة رجل خمسيني (مرة أخرى) في تعاطيه مع الحبّ والجنس وكلّ ما يتحلق حول جحيمه اليومية. فيلم عن الأقنعة ومكننة الانسان في زمننا الراهن، سنعود اليه بشكل أوسع.
في حين ذهبت جائزة "كأس فولبي" الى الايطالية فاليريا غولينو في "من أجل حبّك" لجيوسيبي غوادينو (لم نشاهده)، فقد أصابت لجنة التحكيم عندما أسندت إلى الممثل الفرنسي الكبير فابريس لوكيني جائزة أفضل ممثل عن دور القاضي الذي اضطلع به في "القاقم" لكريستيان فانسان، وهو الفيلم الذي اقتنص ايضاً جائزة السيناريو. تبقى "جائزة لجنة التحكيم الخاصة" استحقّها فيلم المخرج التركي الشاب أمين ألبر، "فرنذي"، ثريللر سياسي ممتاز يثبت مكانة صاحب "خلف التلّ" في السينما التركية الحديثة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم